في حوار خاص لـ«الحدث» مع المعارض الإيراني حسين فارسي وهو من أحد الناجين من مذبحة السجناء السياسيين في سجون النظام الإيراني بعام 1988 ولمدة 12 عاماً، بينما هو على دراية تامة بتفاصيل المعاملة الوحشية ضد السجناء وتعذيبهم على أيدي عملاء النظام الإيراني، وحالياً هو من الذين يعيشون الآن خارج إيران. ويناشد "حسين فارسي" إنسانية العالم من بطش النظام الإجرامي والمأساة التي وقعت على شقيقه وشقيقته في أواخر شهر فبراير 2020، والذي قام مجموعة ضباط وزارة المخابرات للنظام الإيراني بإقتحام منزلهم، مما أسفر على إعتقال ثمانية من أفراد أسرهم، بما في ذلك: أحمد فارسي (شقيق حسين فارسي) و زوجته و ولديه، و مرضية فارسي (أخت حسين) مع زوجها و ولديه في طهران دون أي أمر من المحكمة ، وبعدها تم إطلاق سراح عائلة أحمد فارسي بعد ثلاثة أسابيع تقريباً من الإستجواب والترهيب، حيث دعا "حسين فارسي" الصحافة لجعل صوته مسموعاً بجميع أنحاء العالم و طالب المجتمع الدولي للتدخل الفوري لإنقاذ حياة السجناء السياسيين، وخاصة شقيقته، وكما جاء في الحوار: ١- كيف ترى تحقيق العدالة في إيران و نزاهة المحاكم الإيرانية؟ في إيران لا يمكن تحقيق العدالة بوجود نظام ولاية الفقيه تم انتهاك حقوق المرأة بشكل رسمي في القوانين الأساسية للنظام، فَالنظام القضائي للنظام فاسد وتحت إشراف المرشد الأعلى، ويتم إضفاء الطابع المؤسسي على الرشوة والفساد في المحاكم العامة، ولم تحدد أو تعرف قوانين النظام بعد الجرائم السياسية، النظام لديه نص قانوني تحت عنوان العمل ضد الأمن القومي يقمع به خصومه بموجب هذا القانون. ولا يمكن للمعارضين السياسيين الذين اعتقلتهم وزارة المخابرات، وكذلك استخبارات قوات الحرس، الاتصال بمحامي عندما تحال قضيتهم إلى المحكمة، ولا يزال ليس لديهم الحق في اختيار محامي وهناك تعين المحكمة محامياً بديلاً لهم. وهناك عدد قليل من المحامين في إيران الذين يوثق بهم من قِبل رئيس السُلطة القضائية، وفي المحكمة يدافعون بشكل أساسي عن نظام ولاية الفقيه، وليس المتهمين، بينما كنت في السجن في التسعينات وصادفت حالات لم يبلغ فيها محامي السجناء السياسيين المناصرين لمنظمة مجاهدي خلق عن أي اتهامات أثناء المحاكمة. وأحد أصدقائي كان شخصاً يدعى محمد سلامي، وأعدم في سجن إيفين عام 1993، في المحكمة قابل محمد سلامي رجلاً يزعم أنه محاميه، لكنه لم يره أبداً حتى قبل المحاكمة. كان اسم هذا المحامي جزائري، وكان له مكتب محاماة في طهران، أعطت محكمة الثورة لهذا المحامي ملخصاً للقضية، لكنه لم يتضمن أي تفاصيل عن القضية، ولم يعرف المحامي التهم الموجهة ضد موكله بالضبط وما يجب عليه الدفاع عنه أحد أصدقائي، ويُدعى رحمان شيخي، أُعدم في سجن إيفين في عام 1993، تم تعيين محامي عن رحمان شيخي في المحكمة، وهذا المحامي كان يعرف فقط أن رحمان شيخي من أنصار منظمة مجاهدي خلق، وبدلاً من الدفاع عن المتهم، هاجمه أمام القاضي وقال: إن عليك التوبة وأن عقابك هو الموت، أثناء وجودي في سجن قزل حصار، جاء لزيارتي ملا يدعى ماجد أنصاري، وهو حاليًا عضو في مجلس تشخيص مصلحة النظام ومستشار لرئيس النظام. سألناه لماذا لا يمكن أن يكون لدينا محامِ، وقال: " يمكنك الحصول على محام، لكن المشكلة هي أنه إذا جاء شخص للدفاع عنك، فسيتم إعدامه ". هذا هو السبب في سجن العديد من المحامين في إيران حاليًا. جريمتهم هي أنهم دافعوا عن المتهمين المعارضين للنظام وبالتالي تتم معاقبتهم. هذا الوضع مستمر ولم يتغير شيء، لأن رئيس السلطة القضائية، إبراهيم رئيسي، هو أحد الجناة الرئيسيين في مذبحة السجناء في عام 1988، عندما تم ذبح ٣٠ ألف سجين سياسي في فترة زمنية قصيرة بموجب فتوى مباشرة من خميني، وتستمر نفس الممارسة حتى اليوم .. مع مثل هذا الجهاز القضائي، هل هناك إمكانية لتحقيق العدالة ؟! ٢- حدثنا عن صعوبة ما واجهوه أشقائك مع الضباط الإيرانيين و كيفية التعامل داخل السجون؟ في أواخر فبراير 2020، داهم عملاء المخابرات شقة أختي واعتقلوها مع زوجها وأبنائها. كما داهموا منزل أخي واعتقلوه مع زوجته وأولاده، وقد اقتادوه إلى الحبس الانفرادي في سجن إيفين وتم استجوابهم تحت ضغط شديد، وأفرجوا تدريجياً عن عائلة أخي، في حين أنهم مذعورون بشدة، كما أطلق سراح زوج أختي وأبنائها، لكن أختي مرضية وما تزال معتقلة، وتتواصل عمليات التعذيب والاستجواب بحقها. التعذيب يشمل التعذيب النفسي مثل الأرق ومنعها من النوم والتهديدات المستمرة، وقد مارسوا ضغوطاً شديدةً عليها لتعترف وتقوم بإجراء مقابلات ضد المقاومة الإيرانية. وأخيرًا، بعد ثلاثة أشهر، سمعت أنه تم نقلها إلى سجن قرجك سيء السمعة في ورامين. يعتبر سجن قرجك كجهنم بالنسبة للنساء السجينات، وذلك لإنتشار فيروس كورونا هناك، بالإضافة إلى مرض القلب، تعاني أختي من مرض السرطان وأجريت لها عملية جراحية مرة واحدة، وقد أدى ذلك إلى إرهاقها بشدة في السجن. بالطبع، يجب أن نلاحظ هنا أن عائلتي وأختي ليسوا الوحيدين الذين يخضعون لضغط وتعذيب وقمع هذا النظام المختلف. في الآونة الأخيرة، زاد النظام الإيراني من القمع الداخلي من خلال اعتقال المعارضين، وفي ذات الوقت مع تفشي فيروس كورونا في إيران، بدأ النظام موجة جديدة من الاعتقالات والإعدامات، بدلاً من مساعدة الناس في مواجهة هذا الفيروس المدمر. ومؤخراً، اعترف المتحدث بإسم السُلطة القضائية للنظام بإلقاء القبض على طالبين إيرانيين من النخبة، أمير حسين مرادي وعلي يونسي، حيث تم احتجازهما لمدة شهر تقريباً. وعقب ذلك، أعلنت منظمة مجاهدي خلق الإيرانية عن أسماء 18 آخرين اعتقلهم النظام ردا على الاحتجاجات والمظاهرات التي اندلعت ضد النظام العام الماضي، هؤلاء العشرين شخصًا حالهم كحال الآلاف من المعتقلين الآخرين، وكانوا قد اعتقلوا خلال حملة النظام القمعية خلال الاحتجاجات التي اندلعت العام الماضي حتى الآن، بالإضافة إلى منظمة العفو الدولية ووزارة الخارجية الأمريكية، أصدرت العديد من المنظمات والهيئات الدولية بيانات تطالب بالإفراج عنهم. في الآونة الأخيرة أصدر 78 برلمانيًا وشخصية عربية بارزة من الأردن ومصر والمغرب والمملكة العربية السعودية والبحرين والجزائر ولبنان وتونس واليمن والعراق وسوريا وفلسطين بيانًا مشتركًا يدين بشدة اعتقال هؤلاء الطلاب النخب، واستنكروا أي إجراءات قمعية للنظام وعمليات تفتيش العقائد على غرار محاكم التفتيش في القرون الوسطى التي تتعارض مع اتفاقيات جنيف والقانون الدولي، واصفين إياها انتهاكاً واضحاً لحقوق الإنسان وطالبوا بالإفراج عن جميع المعتقلين حديثًا والمعتقلين الآخرين والنشطاء السياسيين، خاصة في أعقاب الأزمة الكارثية لفيروس كورونا في السجون الخاضعة للنظام الإيراني. ودعوا المنظمات الدولية إلى زيارة وتفقد أوضاع المعتقلين بإرسال بعثات دولية لتقصي الحقائق إلى إيران وزيارة سجون النظام، وقالوا: إن المجتمع الدولي لا يستطيع ولا ينبغي أن يسمح للنظام باستخدام أزمة فيروس كورونا في جميع أنحاء العالم كغطاء لتكرار الجرائم ضد الإنسانية وقمع وتعذيب وقتل السجناء السياسيين. بما أنني كنتُ سجينًا سياسيًا اعتقلت لمدة 12 عامًا، يمكنني تخيل وتصور ما سيحدث لهم. لقد رأيت في سجون نظام خميني كيف يتم تهديد السجينات بالاغتصاب، كيف عذبوا الطفل أمام عيني أمه، وبالطبع استخدموا نفس الأساليب لتعذيب أختي. ٣- هل هناك تَكتُم إعلامي عن ما يحدث داخل إيران و حصار لأصوات المعارضين ؟ ما يجري في السجون الإيرانية مخفي تماما عن الإعلام في إيران، وليس لدىَ خصوم النظام مساحة لرفع أصواتهم. وتخضع جميع المنافذ الإعلامية لسيطرة وزارة المخابرات و وزارة الإرشاد التابعة للنظام، فقد حاولوا خنق كل الأصوات المعارضة. وبالطبع في السنوات الأخيرة، بفضل الإنترنت والشبكات الإجتماعية تم كسر هذا الإحتكار وحصار الأخبار وهناك الآن أخبار محدودة للغاية تخرج من السجون والمعارضة إلى الخارج، ومع ذلك، فإن نظام الملالي يقطع الإنترنت حيثما أمكن ذلك وحيثما شعر بالتهديد، خلال انتفاضة نوفمبر ٢٠١٩، على سبيل المثال، في الأيام الأولى من الانتفاضة، أغلق النظام الإنترنت بالكامل، وقمع المتظاهرين، ونفذ مذبحة غير مسبوقة من الأرض والجو، مما أسفر عن مقتل أكثر من 1500 شخص بإطلاق النار المباشر، والصور والفيديوهات والوثائق متوفرة و نشرت منظمة مجاهدي خلق أسماء 765 من هؤلاء الشهداء. وفي الآونة الأخيرة أشار وزير داخلية النظام في الوقت الذي اعترف فيه بقطع الإنترنت، إلى الأبعاد الضخمة لانتفاضة نوفمبر وقال: " يُقال أن رحماني قطع الإنترنت في تلك الليلة. حسنًا، سأقطعه بالتأكيد. الحفاظ على الأمن مهم لنا جميعًا. الأمن هو أساس كل الأنشطة ". رحماني فضلي هو نفس المجرم الذي تم استجوابه في ديسمبر الماضي عندما سأله عضو في البرلمان: "قتل شخصان في دائرتي الانتخابية برصاصة في الدماغ. ألم يكن من الممكن إطلاق النار، على الأقل على الساق أو أسفل الظهر ؟ و أجاب بوقاحة: " حسنًا، لقد تم إطلاق النار على الأقدام أيضاً". أريد أن أستنتج أن النظام يبذل قصارى جهده لإسكات أصوات المعارضة، وخاصة السجناء، وعدم السماح لها بالوصول إلى العالم الخارجي، لكن لحسن الحظ الناس مستيقظون وواعون ولا يصمتون عن مواجهة قمع النظام. كذلك خلق أبناء الشعب الإيراني مقاومة قوية على الصعيد الوطني لا يستطيع النظام إسكات أصواتهم ببساطة، وأيام النظام معدودة.
مشاركة :