مسرحيون مصريون يقترحون العودة إلى الخشبات | شريف الشافعي | صحيفة العرب

  • 6/4/2020
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

مع شروع القاهرة في تخفيف قيود الحظر تدريجيّا وإعادة بعض الأشغال والقطاعات، سيطرت على أطياف من المسرحيين المصريين رغبة جادة في إضاءة أنوار المسارح خلال فترة وجيزة، مع توخّي شروط السلامة، والاعتماد على الساحات المفتوحة. القاهرة- يبدو أن عشق المسرح يفوق كل تصور، فلم يمنع تزايد حالات الإصابة بفايروس كورونا في مصر من الدفاع عن “أبوالفنون” بآليات جديدة تناسب المرحلة الحالية. وتبلورت آمال المسرحيين في صيغة مقترحات منهجية تبنتها لجنة المسرح بالمجلس الأعلى للثقافة وطرحتها رسميّا كتصورات يمكن تحقيقها من أجل إحياء الحفلات المسرحية قريبا على الأرض بضوابط معيّنة، وعدم الاكتفاء بالعروض الرقمية والافتراضية التي لم تحقق إشباعا كافيا للجمهور، ولم تحلّ بطبيعة الحال مشكلات العاملين في القطاع بعد التوقف الكامل للعروض الحية. ضوابط وشروط “إلى كل المسرحيين الذين افتقدوا المسرح جدّا”، أهدى الفنان محمد مصطفى أغنيته الجديدة “راجعين” التي طرحها على اليوتيوب قبل أيام قليلة، وهي من كلماته وألحانه وتوزيعه، وتناول فيها بصدق وحميمية مشاعر المسرحيين الحالمين بلمس الخشبة بشوق بعد طول تعطش وانتظار، وفيها يقول “واحشانا اللمة الحلوة وأيام البروفات، فاكر؟ ده أنا أنسى اسمي وما أنساش التمثيل، من تاني أكيد راجعين، وهيرجع ناس تانيين، ويّانا في كل مكان”. بالنظر إلى المشهد المسرحي المصري في الوقت الراهن، يتضح أن هذه الأغنية وغيرها من هواجس محبّي المسرح وخواطرهم وإلهاماتهم ليست ترجمة لحلم عابر أو رغبة مستحيلة، فالمسرح ينادي مناصريه بالفعل، وهؤلاء بدأوا يفكرون في مخططات واستراتيجيات لاستعادة النشاط المسرحي الجماهيري، كمعبّر حقيقي عن هذا الفن العريق، دون إهدار للعروض الافتراضية والرقمية لزيادة إثراء الساحة، لكن مع الاعتراف بأن هذه العروض البديلة على الشاشات ليست مسرحا كاملا، وذات أهمية ثانوية في تمرير المسرحيات إلى الجمهور، وإن حققت آلاف المشاهدات. يعتمد الدور الذي يجب أن يؤديه المسرح، فنيّا وثقافيّا واجتماعيّا، على انفتاح المسرح على الشعب، وعلى استخدام فضاءات أخرى غير مسرحية للاشتباك مع الثقافة التقليدية للناس. من هذا المنظور، انطلقت لجنة المسرح التابعة لوزارة الثقافة المصرية بتشكيلها الجديد، وفق مقررها الكاتب المسرحي حاتم حافظ، في وضع سياسات استشارية للعمل المسرحي، وذلك بمراعاة رغبة المسرحيين الذين حرصوا على إمداد اللجنة بالآراء والمقترحات والخطط التي يمكن أن تتحول إلى مشاريع قيد التنفيذ. بالقياس إلى تجارب بعض الدول التي قررت استئناف النشاط العام، ومنها ألمانيا وإسبانيا وسنغافورة، وفي إطار منظومة “العادي الجديد”، ومع مراعاة خصوصية مؤسسات إنتاج النشاط المسرحي بمصر، انبنت تصورات لجنة المسرح بشأن استعادة النشاط حول أمور عدة، منها: استغلال الفضاءات المفتوحة في عروض مناسبة، مع وضع الشروط الفنية المناسبة لحماية العاملين بالمسرح وجمهوره. المسرح ينادي مناصريه وهؤلاء بدأوا يفكرون في مخططات واستراتيجيات لاستعادة النشاط المسرحي الجماهيري في مصر المسرح ينادي مناصريه وهؤلاء بدأوا يفكرون في مخططات واستراتيجيات لاستعادة النشاط المسرحي الجماهيري في مصر في طرحه الذي قدّمه حاتم حافظ، أشار إلى أنه بالنسبة إلى المسارح المغلقة، يمكن تنظيم عروض الممثل الواحد وعروض الممثلين الأربعة بحد أقصى، تبعا للمساحة، فخشبة مسرح كبيرة نسبيّا مثل مسرح السلام تقام عليها عروض بأربعة ممثلين، أما خشبة صغيرة كخشبة الغد تقام عليها عروض مونودراما. وفق هذا التصور من الأفضل تشجيع مهرجانات فنية تضم أكبر عدد من العروض الصغيرة في فترة زمنية قصيرة، مع مراعاة التباعد الاجتماعي داخل الصالات، وضرورة ارتداء الكمامة، وتوفر الاشتراطات الصحية. ومن بين الشروط المقترحة، ألا تزيد مدة العرض على ساعة، ويتبع الممثلون قواعد المباعدة الجسدية أثناء الأداء، بحيث يستعيض مخرج العمل عن التلامس والمواجهة والاحتكاك إلى آخر هذه الأشكال بحيل مسرحية جديدة تحافظ على البناء والمعنى. جرى الاتفاق على أن الحياة في ظل الوباء تختلف عما سبق، وبالتالي فإن وجود مسرح مقيّد نسبيّا وتحت أي شروط أفضل من التوقف الكامل، ولذلك لقيت هذه الدعوة استجابة من عدد غير هيّن من المسرحيين الذين لم ينكروا وجود قدر من الخطورة في إقامة التجمعات، لكنهم ينظرون إلى حجم الضرر المادي الذي انتاب العاملين في المسرح، والتضرر المعنوي لتوقف هذا الفن عن أداء دوره التثقيفي. لعل من أسباب حماس المسرحيين لهذه التوصيات، أنه قد داعبت خيالاتهم إمكانية أن تلهم هذه الاشتراطات المسرحية الجديدة الفنانين أفكارا غير نمطية من حيث النص والإخراج والأداء والسينوغرافيا والزمان والمكان، بما يعني أن يؤدي مسرح التباعد الاجتماعي إلى ثيمات مبتكرة قائمة على التحدي والمغامرة والتجريب. مقاومة الذبول هذه العودة المقترحة للمسرح المصري، هي الخطوة الأكثر عملية في مسيرة الخطوات التي قام بها مسرحيون منذ بداية الجائحة، من أجل أن يقاوم “أبوالفنون” الذبول بالقدر المتاح، لكن تعيبها المجازفة الصحية. وإلى حين الانتهاء من دراسة أبجديات تفعيل هذه الخطوة الجريئة، يبدو جليّا في المشهد أن المسرحيين لا يزالون يمضون في طرقهم الأخرى الثانوية لإنعاش فن المسرح، وربط الجمهور بالخشبة عبر قنوات اليوتيوب والعروض الافتراضية واستعادة ذاكرة المسرحيات الحية. في هذا الصدد، أدلى مهرجان شرم الشيخ للمسرح الشبابي، بدلوه مؤخرا بالبدء في بث عروض دوراته السابقة عبر قناته على اليوتيوب، كتعويض عن تأجيل إقامة دورته الخامسة التي كان من المقرر انطلاقها مؤخرا. "المونودراما" تعتبر الأنسب لمسرح التباعد الاجتماعي الذي يدعو المسرحيون إلى انتشاره إلى حين انتهاء الأزمة على الرغم من انتقاد الغيورين على المسرح آلية بث المسرحيات إلكترونيّا، عبر قنوات وزارة الثقافة وغيرها، على اعتبار أن المسرح لا يكون بلا خشبة وممثلين وجمهور ورد فعل، إلخ. فإن هذه الطرق الثانوية للعروض حافظت على الحد الأدنى من ربط المتلقي بفنه المفضّل، وفتحت الباب لمشاهدة هذه العروض في أي مكان وزمان. من أحدث العروض التي جرى بثها المسرحية السورية “اليوم الأخير”، وهي مونودراما من تأليف وإخراج يزن الداهوك، وبطولة مروة الأطرش، وعُرضت للمرة الأولى ضمن الدورة الأخيرة لمهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي. إذا كانت عروض “المونودراما” الأنسب لمسرح التباعد الاجتماعي الذي يدعو المسرحيون إلى انتشاره إلى حين انتهاء الأزمة، فإن هذه العروض الصغيرة كذلك هي الأسهل حال نقلها بالكاميرا وعرضها على شاشة الموبايل أو الكمبيوتر الصغير، لكون الصورة تتركز على ممثل واحد، ويمكن إبراز حركته وملامحه بلقطات قريبة. اتضح ذلك في عرض “اليوم الأخير” عبر اليوتيوب، إذ تمكن المشاهد من ملاحقة أداء مروة الأطرش في العرض الصعب المركّب الذي يشرّح الأزمة السورية في ظل البارود والعزلة والتمزق وسوء الأحوال على المستويات الجماعية والفردية. يقول الواقع إن الأمْرَين: أحلاهما مُرّ، فإما أن يبقى المسرح مغلقا فترة أخرى لمنع المجازفة، وإما أن يتم الفتح بشروط للتنفيس عن المسرحيين والجمهور، لكن التبعات المحتملة لذلك القرار قد تجعل الموافقة النهائية على تنفيذه مهمة ثقيلة وبطيئة.

مشاركة :