ماذا نأكل بعد كورونا | يمينة حمدي | صحيفة العرب

  • 6/4/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

معظمنا أصبح خلال هذه الفترة يجد صعوبة في الجلوس والاسترخاء من دون أن يفكر في ما بعد كورونا؟ والسبب في استمرار عقولنا في التفكير حتى عندما نحاول أن نبقي أذهاننا صافية، هو على الأرجح المشاعر السلبية التي تراودنا بشأن المستقبل. بعد أن اتخذت معظم الدول قرارا برفع إجراءات الإغلاق التي فرضتها بسبب انتشار وباء كورونا، بدأ القلق من الحياة ما بعد الحجر المنزلي يسيطر على نفسيات الكثيرين، ومعظم الناس يخشون خروج الأمور عن السيطرة. لاحظت من خلال حديثي هاتفيا مع بعض الأصدقاء والأقارب الذين ينوون العودة إلى العمل قريبا، أن التشوش الذهني والذعر يسيطران عليهم وينغصان حياتهم، وكل ذلك بسبب الخوف العام من العدو غير المرئي الذي سيواجهونه يوميا على طريق الخروج للعمل والعودة. أمس، عبّرت لي أختي عن شعورها بالرهبة والخوف من نوعية الأكل الذي ستتناوله خارج المنزل، وبدت مؤسسة العمل بالنسبة لصديقتي كمكان موبوء يعج بالأشخاص الحاملين للفايروس! عندما يعيش بعضنا وسط هذه الأجواء المرتبكة والمشحونة بالتوتر، يصبح عرضة أكبر لالتقاط عدوى القلق أكثر من عدوى كورونا، وهي علة نفسية ليس من السهل التغلب عليها. آثار ما بعد كوفيد – 19 ستخلق عالما جديدا مختلفا تماما عما كان ومجريات الحياة لن تسير على نحو عادي، وكأن شيئا لم يحدث، بل يبدو أن الجزء الأكبر من هذا العالم سيسيطر عليه الشعور بهذا الضرب من “الرهاب” الذي قد يتسرب إلى العقل الباطن ويؤثر على تصرفات الناس وأفكارهم ومشاعرهم وسلوكياتهم، بدءا من نظرتهم إلى العالم المحيط بهم، وصولا إلى علاقاتهم الاجتماعية، وربما يصل “التأثير المفسد” لكورونا إلى القيم والمبادئ الأخلاقية التقليدية التي يؤمنون بها. القلق يشتت الانتباه، ويؤثر على قدرتنا على التركيز، وبالتالي يغير أيضا الطريقة التي سنعيش بها هذا الواقع الجديد، والنتيجة هي أن العالم سيتغير بداخلنا وفي عيوننا بشكل جوهري، وخصوصا في نظر الأشخاص القلقين، وقد يصبح مكانا مرعبا، ولا يبعث على السعادة. هذا التغيير المتطرف في طريقة النظر إلى العالم، يمكن أن يحول انتباه المرء بطرق متطرفة، ما يولد لديه انطباعا سلبيا عن الناس عموما، وقد يصبح الجميع مصدر توجس وتهديد، وهو أمر بلا شك يساهم في تحطيم العلاقات الاجتماعية. ولمنع القلق من تشويه الواقع، وإثارة الخوف، وتغيير منظومات القناعات والأفكار والعلاقات، يقترح المعالجون السلوكيون ممارسة رياضات التأمل، التي تعتبر من الممارسات الروحية والدينية الموغلة في القدم، وبشكل رئيسي في الشرق كالصين والهند. لكن التأمل وممارساته المختلفة باعتبارهما إحدى وصفات التقليل من الضغط النفسي، ربما بمفردهما لن يجديا، إذا لم يصاحبهما وعي ذاتي، بالطريقة التي يؤثر بها القلق على حياتنا، فلم لا نحاول استكشاف اللحظة الآنية؟ لأنه في هذه اللحظة، كل شيء على ما يرام. يقول غوتاما بوذا مؤسس الديانة البوذية “إن سر صحة العقل والجسد يكمن في ألا تبكي على الماضي وألا تقلق بشأن المستقبل وألا تتوقع المصائب وإنما تعيش الوقت الحاضر بحكمة وبتعقل للأمور”.

مشاركة :