منح قانون التمرد، الذي يعرف أيضاً بقانون الانتفاضة، الرئيس الأميركي صلاحيات استدعاء ونشر قوات الجيش والحرس الوطني لإعادة الأمن وقمع الاحتجاجات والاضطرابات والتمردات التي تهدد البلاد. ومنذ بداية اعتماده، فعّل العديد من الرؤساء الأميركيين هذا القانون، وكان أهمها عام 1871 من الرئيس غرانت لقمع مجموعة "كو كلوكس كلان" العنصرية، وفي عام 1894 أثناء عهد كليفلاند لمجابهة "إضراب بولمان"، وعام 1957 عندما أمر الرئيس آيزنهاور فرقة المظليين "رقم 101" بالتدخل لحماية مجموعة طلاب ذوي أصول إفريقية بمدرسة ليتل روك بولاية أركنساس وآخرها في مايو 1992 من الرئيس جورج بوش الأب لإنهاء اضطرابات لوس أنجلس. ويعود تاريخ ظهور قانون الانتفاضة لأكثر من 200 عام حيث مرره الكونغرس أثناء عهد الرئيس توماس جيفرسون لكبح جموح طموحات نائب الرئيس سابقاً آرون بور الذي سعى لتكوين جيش وإنشاء دولة جديدة بمناطق لويزيانا أو المكسيك. ويصنّف بور كأحد أبرز أبطال حرب الاستقلال الأميركية وشغل هذا السيناتور عن ولاية نيويورك منصب نائب الرئيس أثناء الفترة الرئاسية الأولى لتوماس جيفرسون قبل أن يخسر مكانته وطموحاته السياسية عقب قتله لألكسندر هاميلتون، أحد الآباء المؤسسين، سنة 1804 خلال مبارزة بالمسدسات. وعلى الرغم من عدم قانونية مبارزة المسدسات، نجى آرون بور من الاعتقال والمحاكمة لكنه خسر في مقابل ذلك مستقبله السياسي بالبلاد. وأمام هذا الوضع، وجّه الأخير ناظره نحو كل من لويزيانا، التي حصل عليها الأميركيون عقب صفقة مع نابليون بونابرت، والمكسيك حيث سعى الأخير لاستغلال التوتر مع الإسبان لتنظيم جيش وشن غزوات غرباً وإنشاء دولة جديدة يكون هو قائدها على هذه الأراضي الجديدة. ولإنجاح مخططه، اتجه آرون بور للاعتماد على صديقه الجنرال جيمس ولكنسون الذي شغل منصب قائد الجيش الأميركي وأول حاكم لمناطق لويزيانا. لكن مع كشف الصحافة لهذا المخطط الغريب، راسل جيمس ولكنسون الرئيس جيفرسون ونقل إليه ما كان يحاك ضد الولايات المتحدة الأميركية غرباً. وبدل التحرك بشكل منفرد، رفض الرئيس جيفرسون تجاوز صلاحياته فراسل وزير خارجيته جيمس ماديسون للتشاور في الأمر واتجه لاستغلال الرسالة التي حصل عليها من الجنرال جيمس ولكنسون للحصول على تفويض من الكونغرس لاستخدام الجيش ضد بور. واعتماداً على رسالة ولكنسون، أصدر الرئيس جيفرسون في نوفمبر 1806 بياناً دعا من خلاله الجميع، وخصوصاً الجيش، لتوخي الحذر والتصدي لكل شخص يحاول المساس بأمن البلاد، كما حدد مكافأة للقبض على بور. وخلال الفترة التالية، هاجمت ميليشيات بأوهايو أحد معسكرات قوات بور وحجزت العديد من الأسلحة لكن الأخير تمكن من الفرار مثيراً بذلك انتقاد الفدراليين الأميركيين الذين سخروا من سياسة جيفرسون خصوصاً مع انتشار إشاعات حول استعداد آرون بور للتعاون مع البريطانيين لتحقيق طموحاته. في ديسمبر1806، طالب جيفرسون الكونغرس بسن قانون يسمح باستخدام جيش البر أو قوات البحرية لمواجهة أي تمرد بالبلاد. واستغرق الكونغرس 3 أشهر لإقرار القانون ووقّع يوم 3 مارس 1807 بعد نحو 11 يوماً من نجاح عملية القبض على آرون بور. بالتالي، ظهر قانون التمرد، لإنهاء مؤامرة بور لكنه لم يستخدم ضده واستخدم لأول مرة عام 1808 لمواجهة سفن تجارية أميركية استهانت بالحظر التجاري المفروض على البريطانيين، حيث اتهمهم جيفرسون بتنظيم تمرد على البلاد وطالب الجيش بالتدخل ضدهم. ولاحقاً، تم تعديل القانون مرتين فكانت الأولى عام 1861 في خضم الحرب الأهلية أثناء عهد الرئيس أبراهام لنكولن، حيث سمح التعديل باستخدام الجيش والحرس بالولايات دون الحصول على موافقة حكومة الولاية في حال أعلن مواطنوها التمرد على سلطة الحكومة الفدرالية. كما نقّح فصل آخر عقب نهاية الحرب الأهلية، لضمان حقوق الأقليات حسب ما يضبطه القانون.
مشاركة :