في مشاهد المدن التي يتخيلها الفنان الإيطالي، جياكومو كوستا، تكون المباني الخرسانية مظلمة، وشاهقة، وخالية من الوجود البشري. وفي صور أخرى، يعكس كوستا الواجهات التالفة لناطحات السحاب، ويغطيها بالنباتات الخضراء الكثيفة. توحي صور كوستا بالقلق، وتذكرنا ببعض المواقع التي ينطبق عليها الإغلاق التام جراء تفشي فيروس كورونا المستجد. ولكن، يتخيل الفنان الإيطالي هذه المدن الفارغة منذ عام 1996. بدأ بتجميع الصور رقمياً عام 1996، ولكن تقدمت التكنولوجيا بما يكفي، عام 2002، ليتمكن من تخيل مدن بأكملها من نقطة الصفر. وهذا العام، أصدر كوستا كتاباً، يعرف باسم "A Helpful Guide to Nowhere"، ورغم تجنبه الإشارة إلى ناطحات سحاب مألوفة، إلا أن الفنان يستخدم العمارة المهدمة كمجاز للضرر الذي يلحقه البشر. وقال كوستا عبر مكالمة فيديو في مارس /آذار من شقته في فلورنسا: "يعتمد عملي على العلاقة المستمرة بين المدن وسلوكياتنا والطبيعة"، مضيفاً: "أنا لا أتحدث عن أماكن أو مدن محددة، ولكن عن شيء أكثر عالمية، إنها قصة تصف عالمنا". وعند تطبيق قرار الإغلاق التام في إيطاليا، قال الفنان الإيطالي: "الغريب هو ليس عدم وجود الناس في الشوارع، بل الصمت، إنه أمر لا يصدق". ولا يعد الوباء أول تهديد يواجهه كوستا في حياته. ففي مراهقته، يستذكر بقاءه بالمنزل بعد كارثة تشيرنوبل، وتجنب تناول الفواكه والخضروات للتهرب من الإشعاع الذي انتشر عبر أوروبا من الاتحاد السوفيتي. كما يستذكر أيضاً نشأته خلال الحرب الباردة، التي تركت مشاعر القلق في داخله، إذ قال: "كانت هناك فكرة أن العالم يمكن أن ينتهي في أي لحظة، بسبب حرب خاضها أعداء بعيدون عني ولأسباب غير مفهومة". ورغم رؤية الفنان الإيطالي للمستقبل، الذي يسوده طابع الخراب والدمار، إلا أن كوستا يبدو متفائلاً، حيث قال: "يجب أن نعتني بأنفسنا وبأقاربنا وبجميع الأشخاص من حولنا".
مشاركة :