بينالي الشارقة.. أسئلة تنتظر مخيّلة الفنان

  • 11/21/2017
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

الشارقة: عثمان حسن تشتغل مؤسسة الشارقة للفنون ضمن برامجها الفنية، على مجموعة من الثيمات التي تشكل في مجموعها، موضوعات حيوية لها علاقة بالإنسان والبيئة. من هنا، ينطلق الأساس الذي تتمحور حوله الأفكار الفنية المطروحة بالنسبة لهذه المؤسسة، من دراسة أبعاد الفن في صلته بمختلف التحولات الاجتماعية والثقافية والسياسية، بوصف هذه الأبعاد ترسم علاقة الفرد بمحيطه، وأبعد من ذلك مناقشة تأثيرات الفن في المستقبل، ودراسة مدى استجابة هذه التحولات مجتمعة على الإنسان حيثما وجد، حيث تبرز أهمية المشاريع التي يختارها قيّمون معروفون بالخبرة والكفاءة، وشاركوا في بيناليات ومؤتمرات دولية عدة، وهم مؤهلون لنقل الخبرة إلى الأماكن التي يزورنها، ويقدموا اقتراحاتهم لبلورة مشاريع يمكن التأسيس عليها لغد أفضل.وكانت الدورة 13 من بينالي الشارقة للفنون، التي انطلقت تحت شعار: «تماوج»، من الدورات المهمة التي طرحت مقاربات جمالية للفنون في عدة مشاريع، توزعت بين مدن خمسة، وشكلت الشارقة نقطة الارتكاز الرئيسية للمدن الأخرى، وهي: بيروت، وإسطنبول، ورام الله، وداكار.وما لبثت دورة «تماوج» أن انتهت، حتى أعلنت المؤسسة عن ثيمة البينالي 14 المقبل، المقرر أن تنعقد في مارس/‏آذار 2019، والتي اختير لها عنوان: «خارج السياق»، وإعلانها كذلك عن أسماء القيّمين الثلاثة الجدد على هذه الدورة وهم: زَوي بُت، وعمر خُليف، وكلير تانكونس.وتطرح الدورة الجديدة تساؤلات حول إمكانية إنتاج الفن، خاصة حين تصبح الثقافة المادية تحت تهديد التدمير البشري المستمر، وتدهور المناخ. ومهم هنا، التوقف عند مصطلح الثقافة المادية الذي يتردد كثيراً، وهو أصلاً مصطلح يدخل في باب العلوم الاجتماعية، ظهر أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، ويشير في أحد جوانبه إلى الأعمال الفنية وعلاقتها بالواقع المادي.وهذا يشكل إشارة أولى للوقوف على كثير من الثقافات البشرية، في أزمان مختلفة، ورصد ما لها من هوية ، ورصد تداعيات ذلك كله على الزمن المعاصر. أما قيمو البينالي الجدد، فينحدرون من مؤسسات بلدان مختلفة، وهم كما جاء في سيرهم الذاتية استكشفوا مواضيع البينالي بكل تنوعاتها مثل تغير المناخ، والزراعة، والصراع السياسي.عودة إلى مقترح شعار البينالي 14 وهو «خارج السياق»، وهي مهمة جديدة ترصد مسارات الفن في أزمان مختلفة، تبعاً للتغيرات الحاصلة في البيئة بإثر المناخ، وما يلحق ذلك من تأثيرات خارجية كالحروب والدمار الذي يصيب هذه البيئات، هنا، تطرح الأسئلة، وهنا، يجتهد الفنانون الذين سيتم اختيارهم من قبل القيّمين ليوجهوا اقتراحاتهم الفنية، في ضوء هذا الموضوع الحيوي، وهو موضوع معاصر بامتياز، ويشغل حيزاً كبيراً، في بعده الثقافي والاجتماعي، تمهيداً لتحفيز مخيّلة المتلقين والمشاهدين، وكذلك لطرح أسئلة واقتراحات تردم الهوة بين الفن والبيئة، وتقدم مقترحات جمالية جديدة، تعكس مفهوم الفن في بعده المادي.ومما لا شك فيه أن الدخول في مواجهة صريحة مع هذا الموضوع المقترح، ليس أمراً يسيراً في كل الأحوال، فمهمة الفن تظل دائماً وأبداً هي الإيحاء، وهنا تظهر مسؤولية أخرى مضاعفة أمام الفنانين، الذين سيحاولون مقاربة الواقع، في مسارين متوالين؛ الأول خبرة الفنان نفسه والتحدي الذاتي الذي يجب أن يتجاوزه، وهو يحاول عرض مقترحه الجمالي، وثانياً حساسية المتلقي الذي سيشاهد هذه الأعمال ويتفاعل معها.وتطرح ثيمة بينالي 14 التدمير الحاصل في البيئة، وهو تدمير سببه الإنسان أولاً وأخيراً، ونتائجه تطال الإنسان والحيوان والطبيعة والمخلوقات، وهو سؤال سبق طرحه في مقدمات الثورة الصناعية ونتائجها الكارثية على البيئة، ببحرها وبرّها وصحرائها، وهو من جهة أخرى تدمير يطال التنوع الحيوي، ويطال مصادر الأغذية والمياه والمحاصيل، وكأننا في هذا التدرج الذي اختاره البينالي في دورته الجديدة، نعود إلى أحد عناوين بينالي 13، والمشاريع والعناوين التي صاحبت تلك الدورة ومنها «الأرض» و«المياه» و«التربة» و«المحاصيل».. أليست تلك العناصر هي مكونات رئيسية في البيئة، التي يتم تخريبها تباعاً؟.هي أسئلة في انتظار مخيّلة الفن المطلوب منها مجابهة هذا الخراب، الذي هو بمثابة كارثة حقيقية، ربما تهدد الكائنات بالانقراض.التكنولوجيا المعاصرة، بوصفها أداة استثمار قوية متاحة أمام الفنانين المشاركين، ستشكل مجالاً خصباً، لاستثمار فضاءات الفن في مشاريع وتراكيب ومنحوتات ونظم وأعمال مهمة، لجهة تقديم مقترحات فكرية وفنية، والسينما وكافة أدوات العرض الفني، مجال خصب هو الآخر لتقديم معلومات مقترحة ، وهو بالضرورة مجال افتراضي يعتمد على التخييل، ومجال التخييل في الفن، مجال يستثمر الزمان والمكان، والموقع، ويدخل نوافذ وبوابات الشتات البشري، والبيئي، ويترك مساحة للتأمل مهمة لجهة تقديم المعلومة من مصادرها المختلفة، ولعلها تشكّل واحدة من الإجابات المطروحة على سؤال «خارج السياق»، حيث ثيمة المشروع الجديد للبينالي، الذي يعوَّل عليه كثيراً عبر تجوال الفنون في عوالم وأمكنة مختلفة، لتحط الرحال في الشارقة من جديد.. فالقيّمة زوي بوت ستشرف على معرض «رحلة تتخطى المسار»، التي تقترح من خلالها رصداً أعمق للحراك البشري في رحلة من الطقوس الروحية إلى الأعراف الثقافية.أما القيّم عمر خُليف فيعاين معرض «صياغات لزمن جديد»، منطلقاً من الزمن بوصفه مقياساً للخبرة الفردية والجماعية في آن واحد، في ضوء رحلة من الفوضى والاحتمالات. أما كلير تانكونس، فتعاين بدورها معرض «ابحث عني فيما تراه»، الذي يطرح أسئلة الغموض، فيما إذا كان نذيراً للمستقبل، وما إذا كان الظلام محلاً للرؤية؟.

مشاركة :