تموين ... بقلم الأستاذ/ محمد الرياني

  • 6/7/2020
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

قال لها عبر…….. لاأزال طفلًا، دكان عمي (عبده) يفتح بابه على الزقاق الترابي ليبيع للعيون المشكوكة من النوم والرّمد حباتِ التمر وقطعَ الحلوى البيضاء، ويلفُّ في قراطيس مخروطية من الأوراق القديمة حبات الفصفص والشاي والسكر، قالت له: أصحيح ذلك؟! لقد مضى على ذلك زمن طويل، كنتُ أظن الدكان القديم قد زال، لم يدعها تكمل…. قال لها: أخبرك أنني لاأزال أمرُّ على بائع السمك ليضع لي ثلاث قطع مملّحة ثم يربطها بشريحة من سعف النخل ، وعند بائع الحوت يجلس بائع الفجل والخضار، يحزم لي حزمة الفروع الخضراء ويضع الطماطم في الزنبيل ، لم يتركها تكمل…. أخبرها أنه لم يغير الحذاء الأخضر الذي اشتراه من الدكان الحجري الوحيد باستثناء رقعة من الجلد الأسود وضعها أسفله بعدما انقطع شراكه، ردتْ عليه بأنها لاتصدقه، وأنه يمزح كعادته، سألته وهل لاتزال تبحث عن النقود في مواسم الغبار؟ انتبه من نومه قبل انتهاء الحلم ، تحسس شاربه ولحيته البيضاء، نظر إلى وجهه في المرآة ليرى وجه الطفولة الذي فقده منذ زمن، ترحَّم على عمه عبده وعلى بائع الخضار والسمك، تذكر الشارع الترابي الذي غطته الحضارة، تنهد على القروش السوداء المدفونة التي أخرجتها الأعاصير في ملاعب الصبا ، تلفتَ حوله وهو يسترجع الحلم، لم يعد في الحي قراطيس هرمية يباع فيها أو سعفات يربط بها فروع الفجل وقطع السمك، أعاد رأسه إلى المخدة، مد رجليه على السرير الناعم من الفرح ، غطّى نفسه بلحاف مخملي ثم أغمض عينيه لعله يقرأ في الأحلام السطور التي بيع في أوراقها التموين.

مشاركة :