سبيلبيرغ: جفرسون كان ينوي وضع كلمة «مسلمين» ضمن قانون الحريات الدينية

  • 11/6/2013
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

واشنطن: محمد علي صالح تعتبر د. دينيس سبيلبيرغ واحدة من نجوم المناقشات الثقافية في الولايات المتحدة حول علاقة الولايات المتحدة مع الإسلام والمسلمين. وخصوصا بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) عام 2001، وإعلان الرئيس السابق بوش الابن «الحرب ضد الإرهاب». تعمل سبيلبيرغ أستاذة مساعدة في التاريخ ودراسات الشرق الأوسط في جامعة تكساس (في أوستن). وحصلت على الدكتوراه من جامعة كولومبيا. وهي مؤلفة كتاب: «السياسة والجندر وماضي الإسلام: قصة عائشة بنت أبي بكر». وقبل سنوات، دخلت في نقاش ساخن مع الروائية الأميركية شيري جونز، مؤلفة رواية «جويل أوف مادينا» (جوهرة المدينة). وقالت، إن «الرواية غير صحيحة تاريخيا، وإنها ستثير غضب المسلمين». واضطرت «راندوم هاوس»، دار النشر، لوقف نشر الرواية وهذه مقابلة معها عن كتابها الأخير. * في عصر «الحرب ضد الإرهاب»، وتدخل الولايات المتحدة في دول إسلامية، كيف كانت أول حرب أميركية ضد المسلمين، حرب القراصنة، قبل مائتي سنة؟ - في عام 1801، صار توماس جفرسون الرئيس الثالث (الأول: جورج واشنطن، والثاني: جون آدامز). وفي أول سنة، أعلن الحرب ضد القراصنة المسلمين في غرب البحر الأبيض المتوسط، وخصوصا ضد ليبيا كانت تسمى «دولة طرابلس الإسلامية». أول حرب أميركية في الخارج، وأول حرب ضد دولة إسلامية. كانت المغرب قد وقعت معاهدة مع الولايات المتحدة لحماية سفنها من القراصنة في المنطقة، لكن ليبيا ترددت، ووافقت على حماية السفن مقابل 80.000 دولار سنويا. غير أنها، في وقت لاحق، طمعت، وطلبت 250.000 دولار سنويا. وعندما رفض جفرسون، أعلنت ليبيا الحرب. فأعلن جفرسون «الحرب ضد البرابرة». وضغط على الجزائر وتونس، فألغتا تحالفهما مع ليبيا. وأرسل سفنا ضربت طرابلس لكن، حرص جفرسون ألا تكون الحرب ضد الإسلام والمسلمين، وسعى لحل دبلوماسي. وأشارت اتفاقية السلام وإنهاء الحرب التي عقدها مع ليبيا إلى الآتي: «بما أن حكومة الولايات المتحدة الأميركية لا تكن أي نوع من العداء لدين وقوانين وأمن (المسلمين)، لا يجوز لأي رأي أو تفسير ديني أن يؤثر على الوئام في العلاقات بين البلدين» * كيف كان جفرسون سيرد على هجمات 11 سبتمبر عام 2001؟ - أنا مؤرخة. ولهذا، لا أقدر على تقديم تحليلات لموضوع يظل راهنا مع بداية القرن الـ21. لكني أقدر على تقديم افتراضات، اعتمادا على تصرفات جفرسون في بداية القرن الـ19. وأقول نقطتين: أولا: كان سيفرق بين المواطنين الأميركيين وحقوقهم، وبين مجرمين أجانب قاموا بهجمات جبانة باسم الإسلام. ثانيا: كان سيفرق بين كلمة «إسلام» وكلمة «إرهاب». وكان سينظر إلى ما تسمى «الحرب ضد الإرهاب» بأنها حرب ضد مجرمين. وأن المشكلة سياسية، وليست دينية. * ماذا عن المستقبل؟ وماذا عن إمكانية التغلب على المشكلات التي تواجه المسلمين في أميركا اليوم؟ وماذا عن ظهور ونمو اليمين المسيحي؟ واضح أن من أسباب ذلك عداء مبطن وغير مباشر للإسلام والمسلمين؟ - قبل مائتي سنة، في عهد جفرسون، لم يخاف الأميركيون البروتستانت فقط من المسلمين، وخافوا، أيضا، من المسيحيين الكاثوليك واليهود. ولا بد من أن نتذكر أن حقوق الكاثوليك واليهود كانت معترف بها، ولو نظريا، مع نهاية القرن الـ18. لكن، مضت مائتا سنة تقريبا، حتى القرن الـ20، ليقدر الكاثوليك واليهود على التمتع الفعلي بهذه الحقوق النظرية. خلال تلك المائتي سنة، اتهم الكاثوليك واليهود بأنهم «غير أميركيين»، بل «أعداء لأميركا»، ليس لسبب سياسي، ولكن لسبب ديني، لأنهم كاثوليك ويهود. لهذا، يستعمل الذين يشنون في الوقت الحاضر حملات ضد المسلمين الأميركيين نفس اللغة والتكتيك. وليس سرا أن هذه الحملة منظمة، ومنسقة، وممولة تمويلا قويا من قبل متطرفين. * لماذا، وكيف، أصبحت مهتمة بموضوع جفرسون؟ - أنا أستاذة في التاريخ الإسلامي القديم. لكن، بدأ هذا المشروع صدفة. وجدت إعلانا عن إعادة تمثيل مسرحية معادية للإسلام كانت مثلت في بولتيمور (ولاية ميريلاند) في عام 1782. في الحقيقة، لم أتوقع أبدا أن الأميركيين، في ذلك الوقت (بعد أقل من 10 سنوات من الاستقلال) كانوا يعرفون أي شيء عن الإسلام، أو عن النبي محمد، «الذي ينشر بالسيف دينا مزيفا، كما ادعت المسرحية». وبدأت أسأل نفسي: ما هي أبعاد هذه الصورة السلبية عن الإسلام في أميركا وأوروبا؟ هل كان المسلمون دائما أعداء في نظر الأميركيين الأوائل؟ هل كانت هناك استثناءات لهذه النظرة السلبية؟ بعد ذلك بعامين، وجدت أدلة جديدة أثارت اهتمامي. وجدت أنه، في عام 1788، خلال مناقشة الدستور الأميركي، دعا وفد ولاية نورث كارولينا إلى وضع مادة تحدد مؤهلات رئيس الجمهورية، ومنها أن يكون مسيحيا. وحذر الوفد بأنه، إذا لم توضع هذه المادة، سيأتي يوم يكون فيه الرئيس الأميركي من اتباع «مهومتانز» (محمديين. لم يكونوا يسمونهم مسلمين بالله. كانوا يسمونهم أتباع محمد، مثل «كريستيانز»، أتباع المسيح. في ذلك الوقت، كان المسيحيون البروتستانت هم الأغلبية الكبرى في الولايات المتحدة، وهم المسيطرون عليها، وكانت فقط 13 ولاية. وكانت المناصب السياسية ممنوعة على المسيحيين الكاثوليك، ولليهود، وضمنيا، للمسلمين. خلال بحثي في وثائق المناقشات الدستورية، وجدت أن محاميا في وفد ولاية نورث كارولينا، اسمه جيمس إيردل، جادل لفتح الباب أمام الأديان الأخرى. وقال إن «الدستور يجب ألا يستثنى أتباع الأديان الأخرى»، وأشار إلى المسلمين. وسألت نفسي: من أين جاء بهذه الفكرة التعددية الشاملة؟ وعاد بي البحث الأكاديمي إلى أوروبا في القرن الـ16. ورغم العداء للإسلام والمسلمين (عقود الحروب الصليبية، ثم عقود سقوط الأندلس)، كانت هناك أصوات تدعو للتسامح مع المسلمين. لكنها، مثل المحامي إيردل، كانت قليلة * لماذا، وكيف، صار جفرسون مهتما بالإسلام والمسلمين؟ - اشترى جفرسون مصحفا، وكان يتكون من جزأين، في عام 1765، قبل 11 عاما من إعلان الاستقلال. في ذلك الوقت، كان طالبا في كلية الحقوق في جامعة فرجينيا. نظر إلى القرآن كمصدر لقانون مقدس. واشترى نسخة من المصحف الذي ترجمه البريطاني جورج سيل، الذي كان أول من ترجم القرآن مباشرة من العربية إلى الإنجليزية. ومع الترجمة، كتب سيل مائتي صفحة عن تاريخ الإسلام، وعن عبادات، ومعاملات، وعادات المسلمين. وكانت هذه أكثر دقة من معلومات سابقة عن الإسلام والمسلمين كتبها غربيون. خلال بحث جفرسون في القوانين الأوروبية، وجد قوانين كثيرة تصف المسلمين بأنهم «أعداء الحياة». وكانت الإشارة الرئيسة هي إلى الخلافة الإسلامية التركية. (اسمها الرسمي: الدولة العثمانية. وقت اكتشاف أميركا في القرن الـ16، كانت سيطرت على بلغراد. ووقت استقلال أميركا في القرن الـ18، كانت تحارب روسيا بعد أن اقتربت من كييف). لكن، خلال بحث جفرسون في القوانين الأوروبية، وجد قانونا بريطانيا يدعو إلى التسامح مع المسلمين. وفيه الآتي: «يجب ألا يكون هناك اختلاف بين ديننا ودينهم. ويجب ألا نكون أعداءهم. هم مخلوقات الله وبشر مثلنا». أثرت هذه الكلمات على رأي جفرسون في المسلمين. وفي عام 1776، بعد شهور من كتابته وثيقة إعلان الاستقلال، خلال دراساته، عبارة من عام 1689، كتبها الفيلسوف البريطاني جون لوك عن التسامح الديني. وفيها الآتي: «يجب عدم استثناء «المحمديين» (المسلمين) واليهود من الحقوق المدنية بسبب الدين». اليوم، توجد هذه العبارة بخط جفرسون في مكتبة الكونغرس. وفي وقت لاحق، عندما كتب دستور ولايته، ولاية فرجينيا، فتح الباب أمام الحرية الدينية والمساواة السياسية للمسلمين. * بصورة عامة، ماذا كان رأي جفرسون في الإسلام والمسلمين؟ - كان رأي جفرسون الأول في الإسلام سلبيا، وغير صحيح. وأعتقد أنه تأثر بكتابات الفيلسوف الفرنسي فولتير، خصوصا قوله، إن «الإسلام يكبت البحث العلمي». وأعتقد أنا أن هذا أثر على قرار جفرسون بفصل الدين عن الحكومة في ولاية فرجينيا، ثم في الدستور الأميركي. وهكذا، أيد جفرسون حق المسلمين في أن يكونوا، يوما ما ونظريا، مواطنين أميركيين. وطبعا، في ذلك الوقت كان هذا الرأي مرفوضا وسط الأميركيين وفي عام 1821، قبل خمس سنوات من وفاته، قال، إنه «كان ينوي وضع كلمة (مسلمين) مباشرة في قانون الحريات الدينية، وإن الرئيس الأول جورج واشنطن، والرئيس الرابع جيمس ماديسون كانا سيتفقان معه على ذلك». * كيف تعامل جفرسون مع المسلمين عندما كان وزيرا للخارجية، ثم رئيسا؟ - تفاوض مع سفيرين مسلمين. الأول من ليبيا (دولة طرابلس)، والثاني من تونس، خلال الحرب الأميركية على القراصنة العرب في غرب البحر الأبيض المتوسط. كوزير للخارجية، قابل الأول في لندن عام 1786. وكرئيس، قابل الثاني في البيت الأبيض عام 1805، كأول سفير مسلم في واشنطن. وأمر جفرسون بنقل وقت المأدبة الرسمية من بعد الظهر إلى بعد غروب الشمس، وذلك لأن الوقت كان شهر رمضان. * ما الصلة بين رأي جفرسون في الإسلام، ورأيه في المسيحية؟ - في خطاباته إلى حكام ليبيا وتونس، وكانوا من أعداء الولايات المتحدة، استخدم معرفته بالإسلام في الدبلوماسية. وكرر فكرة وجود الله، والإيمان المشترك به. وفي رسالة إلى حاكم ليبيا، دعا الله أن يحفظه، ويحميه بحمايته المقدسة. وحسب المعلومات التي جمعتها، لم يكن جفرسون يتوقع أن يقرأ الأميركيون هذه الخطابات. وطبعا، كان يعرف أن كثيرا منهم يعارض حتى مجرد استعمال الدبلوماسية مع المسلمين. وأيضا، لم تكن الولايات المتحدة دولة عملاقة، خصوصا في الجانب العسكري، كما هي اليوم. * هل كان جفرسون يريد فقط حل المشكلة أم كان ذلك تحولا حقيقيا في رأيه في المسلمين؟ - يجب أن نتذكر أن جفرسون، في ذلك الوقت، نظر إلى الإسلام كدين سماوي، ودين موحد. وبعد أن تحول من الكنيسة البروتستانتية إلى عقيدة «يونيتاريانيزم» (التوحيد)، عارض التثليث (الأب، الابن، الروح القدس). وعارض ألوهية عيسى بن مريم. * ماذا كانت آراء الآخرين؟ - كانت الأغلبية العظمى من الأميركيين تنظر نظرتين إلى الإسلام: الأولى تعتبره «دينا مزيفا»، والثانية، تنظر إليه كدين مخيف. وخلال الحرب الأميركية ضد قراصنة غرب البحر الأبيض المتوسط، وتردد أسماء دول إسلامية مثل تونس وليبيا والجزائر، وأسماء قراصنة مسلمين، صارت الحرب دينية. وكان هذا رأي الرئيس الثاني جون آدامز. لكن الرئيس الثالث جفرسون قال، إنها «حرب اقتصادية وسياسية». وبمجرد أن ترك آدامز البيت الأبيض، اشترى مصحفا، عام 1806، بعد 40 سنة من شراء جفرسون مصحفه. لكن، طبع مصحف آدامز في الولايات المتحدة. ولم تكن ترجمته دقيقة، وكانت فيه أخطاء وإساءات إلى الإسلام. * هل كان هناك وجود فعلي للمسلمين في الولايات المتحدة في ذلك الوقت؟ - اعتقد جفرسون أن قانون «مكانة الدين في الولايات المتحدة»، الذي كتبه، وظل يفتخر به، يعترف بحقوق المسلمين اعترافا نظريا. لكنه لم يعلم بوجود مسلمين وسط الرقيق الذين جلبوا من غرب أفريقيا في الحقيقة. ولكن ليس فقط بالنسبة لجفرسون، ولكن، بصورة عامة، حجبت تجارة الرقيق والتفرقة العنصرية ضد الزنوج النظرة الصحيحة للمسلمين، وبالتالي للإسلام. ويقدر مؤرخون وجود آلاف، أو حتى عشرات الآلاف، من العبيد المسلمين مع بداية القرن الـ19، وقت رئاسة جفرسون، لكن بالنسبة لجفرسون، هناك نقطتان. أولا: لم يكن يعرف ذلك. ثانيا: أعتقد أن المسلمين الأميركيين في المستقبل سيكونون بيضا وحسب الأبحاث التي أجريتها، لا يوجد دليل بأنه امتلك عبدا مسلما، أو قابل عبدا مسلما، رغم وجود دليل بأن الرئيس الأول واشنطن امتلك، على الأقل، مسلمتين: «فاطمار» (فاطمة)، و«ليتيل فاطمار» (الصغيرة). ولا بد من الإشارة إلى أن الرئيس واشنطن كان يعطف على حقوق المسلمين عطفا نظريا. لكنه لم يكتب ويبحث في الموضوع مثل جفرسون. * كيف يمكن توضيح التناقضات بين أفكار وأفعال جفرسون، بين أبي الليبرالية ومالك الرقيق، مسلمين أو غير مسلمين؟ - كان جفرسون رجلا من زمانه فيما يتعلق بامتلاك الرقيق، وبيعهم، وشرائهم. هكذا كان الناس يفعلون (من دون التفكير كثيرا في أخلاقيات الموضوع. إما لأنهم لا يعرفونها، أو يعرفونها ولا ينفذونها). ورغم أن واشنطن حرر رقيقه عند وفاته، لم يفعل جفرسون ذلك. ولا بد من القول بأن هذا تناقض مأساوي.

مشاركة :