مجاراة تغير طبيعة الحياة بعد كورونا يسهل العودة إليها | | صحيفة العرب

  • 6/7/2020
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

ساهم تخفيف إجراءات الحجر الصحي في مختلف دول العالم في العودة إلى الحياة الطبيعية، حيث صار بالإمكان لقاء الأصدقاء والأسر الأخرى مجددا. لكن تغير المعايير الطبيعية للحياة بعد أزمة كورونا، ظل عائقا يؤرق الكثيرين على التأقلم، ما جعل الخبراء ينصحون بضرورة مجاراة تلك المتغيرات لتسهل العودة إلى الحياة الطبيعية. لندن ـ توقع تقرير نشرته صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية أن شكل الحياة في المرحلة التي ستعقب انتهاء الإغلاق العالمي الذي تسبب فيه فايروس كورونا سيكون مختلفا عما كان عليه قبل الجائحة، وعلى العالم التعود عليه. كما توقع التقرير أن تعود مباريات كرة القدم لكن بإجراءات خاصة غير مسبوقة، فمن المفترض أن يحمل القادمون لحضور المباراة إلى جانب التذكرة شهادة مناعة من كوفيد – 19، وهذه يمكن أن تكون محملة على الهاتف الذكي لدى الشخص، ويكون قد حصل عليها بعد أن تلقى اللقاح اللازم، وهو اللقاح الذي لم يتوصل إليه العلماء حتى اليوم. كما أنه سيتم تمرير المشجعين عبر طريق خاص نحو الملعب، يتضمن أجهزة للكشف عن درجات حرارتهم، وسيتم التأكد من أن كل شخص يرتدي كمامة طبية واقية على وجهه قبل أن يسمح له بدخول الملعب لحضور المباراة، وهو ما يعني أن الحياة ستكون مختلفة عما كانت عليه. كما لاحظ خبراء الصحة العقلية بزوغ ظاهرة جديدة ألا وهي القلق من الحياة ما بعد الإغلاق، حيث يخشى أولئك الذين ما زالوا يعيشون في ظل أكثر الإجراءات صرامة ما قد يحدث عند رفعها. وتقول أكانكشا ذات الـ25 عاما، وهي كاتبة وناشطة في مجالي الصحة العقلية وحقوق المرأة، في مقاطعة تشيناي الهندية، كانت تعاني من القلق حتى قبل فرض إجراءات الإغلاق “سيكون الوضع مزعجا للكثيرين منّا”. وما لبثت أكانكشا تبعث بمداخلات في منصات التواصل الاجتماعي تشرح فيها حياتها مع القلق وتناقش مع متابعيها أثر هذه الحالة على حياتها. ولا يختلف الأمر بالنسبة للموظفين الذين تكيفوا مع العمل عن بعد كأحد الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الدول لمواجهة انتشار فايروس كورونا. وقد وجد البعض منهم صعوبة في كيفية العودة إلى العمل بشكله الطبيعي مرة أخرى، وهو ما كشفت عنه خبيرة في علم نفس الصحة المهنية. وقالت بولا بروغ أستاذة علم النفس بجامعة جريفيث في أستراليا “إن التغيير المفاجئ من العمل في المنزل إلى العمل في مكاتب بوسط المدينة قد يثير صدمة ثقافية بين الموظفين”. وأضافت “هذا ما يخشاه العديدون عند العودة إلى العمل بعد انقطاع دام شهرين. ووجد كثيرون منهم ميولا إلى العمل عن بعد وبدأ التأقلم مع ساعات يومهم بناء على ذلك”. ويرى عدد من الموظفين أن التحديات الكبيرة التي ستحيط ببيئة العمل الجديدة التي فرضتها تداعيات كورونا أوجدت حالة من التوتر والقلق لديهم، خصوصا مع الخوف من أن يبقى المرض حاضرا بقوة انتشاره، وتساءلوا هل ستكون العودة إلى العمل مجددا سهلة بحيث يجلسون على مكاتبهم ويعملون كما كانوا سابقا؟ وقال أخصائي علم النفس الأردني الدكتور موسى مطارنة إن السلوك الإنساني يتبع المعطيات العامة في الأجواء الاجتماعية أو الظروف المحيطة بالحدث، وبالتالي فإن أزمة كورونا تسببت في المكوث في البيوت والانقطاع عن العمل لفترة طويلة، مما ولد حالة من التكيف الداخلي للبقاء في المنزل وخلق نمطا حياتيا أسريا مختلفا. وأضاف أنه رغم شوق الكثيرين للخروج والعودة إلى العمل، إلا أنه ستكون هناك حالة من عدم الاستقرار النفسي والسلوكي، بمعنى أن الشخص سيذهب إلى العمل، وبالتالي يتغير نمط حياة دام أكثر من شهرين، سواء في مواعيد النوم والسهر أو العمل، وأول مشكلة ستكون الاستيقاظ مبكرا. التحديات الكبيرة التي ستحيط ببيئة العمل الجديدة تحديات كبيرة ستحيط ببيئة العمل الجديدة وأشار إلى أن الإجراءات الاحترازية التي فرضتها الحكومة عند العودة إلى العمل كارتداء الكمامات والقفازات وضرورة الحفاظ على التباعد الاجتماعي ومسافة الأمان بين الموظفين وشروط الصحة والسلامة العامة، ستفرض على الموظف نوعا من القيود لم يعتد عليه، مؤكدا أن الموظف سيجد نفسه في المراحل الأولى في حالة من عدم التأقلم مع جو العمل والقيام بالمهام المطلوبة منه، لافتا إلى أن تراجع كفاءة الموظف ونشاطه وحيويته سيظهر في البدايات، وينتهي بعد ذلك. ويلفت مطارنة إلى ضرورة العودة إلى العمل بشكل تدريجي وإعطاء المساحة للموظف للعمل، بحيث لا تكون هناك ضغوطات كبيرة أو إجراءات حازمة، خصوصا مع بداية الدوام حتى يستطيع الموظف العودة تدريجيا، ويبدأ يتقبل نفسيا وجسديا وذهنيا النمط الجديد في العمل. ويتابع “في البداية ستكون هناك صعوبة كبيرة في التكيف، ولكن خلال أسبوع من الدوام تعود الأمور إلى نصابها الطبيعي ويبدأ الموظف يتقبل عودته تدريجيا”. بدوره أكد مفيد سرحان أخصائي علم الاجتماع الأسري الأردني أن الانقطاع الطويل عن العمل كان مختلفا، بل هو غير مسبوق من حيث السبب، وهو ضمن الإجراءات الوقائية للتعامل مع وباء كورونا، وتعطيل العمل لأسبوعين في المرة الأولى ولد شعورا بالقلق وربما الخوف، خصوصا أن الإعلان كان قبل ساعات من موعد بدء تطبيقه. ويشير سرحان إلى أن العودة إلى العمل بعد الانقطاع الطويل ربما تكون مربكة للكثير من العاملين والعاملات، لاسيما في ظل عدم معرفتهم بآلية العمل الجديدة بعد تداعيات أزمة كورونا. كما أكد سرحان أن العودة إلى العمل تعني من جهة أخرى أن الحياة بدأت تعود إلى طبيعتها، بما يحمله ذلك من دلالات، في مقدمتها أن الوضع الصحي جيد، وأن الوباء مسيطر عليه، وهو عامل مطمئن للجميع. وقال سرحان إن العودة إلى العمل تسمح بالتقاء الزملاء الذين ابتعدوا عن بعضهم قسريا وفي ظروف لم تكن معلومة النتيجة، وذلك له أثر كبير في النفوس، كذلك الإنجاز وخدمة الآخرين، والمشاركة في تحمل المسؤولية خصوصا في هذا الوقت، ونصح بضرورة مجاراة التغييرات التي طرأت على نسق الحياة الطبيعية بعد الإغلاق. وأضاف أن العودة إلى العمل تعني التخفيف من الضرر، والتفاؤل بأن البلد بدأ يتجاوز مرحلة حساسة، داعيا إلى أن ذلك لا يجب أن ينسينا أن الوباء لم ينته وأن الخطر لا يزال قائما، والعودة تتطلب الحذر والاستمرار في إجراءات الوقاية، خصوصا التباعد الجسدي، حتى يستمر العمل ولا يتوقف. وأشار إلى أن الابتعاد عن أماكن العمل لم يضعف علاقات الزملاء، بل زاد من متانتها وعمقها، كما أن العودة إلى العمل “تساعد على إنجاز المعاملات التي توقفت، وهي تحقق مصالح شريحة كبيرة من أبناء المجتمع وتساهم في تعافي الاقتصاد وتحسن الوضع المالي للجميع”. ويرى الخبراء أنه في ضوء التعريفات الثلاثة، التي أطلقها عالم الاجتماع ألان هورويتز على مفهوم الحياة الطبيعية فإن عودة الحياة إلى طبيعتها بعد انحسار وباء كورونا المستجد، تعني أن معظمنا سيعود إلى أنشطته المعتادة، وأن مجتمعاتنا ستتغير إلى الأفضل، وأن هذه التغيرات ستساعد على حماية مجتمعاتنا من الزوال.

مشاركة :