ماذا يستفيد الشرق الأوسط من خسارة الإيزيديين | صابرة دوح | صحيفة العرب

  • 6/8/2020
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

صراع مستمر للبقاء، يبدو أن هذا قدر الإيزيديين في منطقة الشرق الأوسط، حيث لا تكاد هذه الأقلية الدينية تلملم جراحها من غارات وصولات المتطرفين، حتى يطل تهديد آخر يسعى لتصفيتها وطمس هويتها، وفي خضم ذلك لا يتوانى الكثيرون عن تحميل هذه الأقلية جانبا من المسؤولية لجهة ميكانيزمات الدفاع التي تبنتها على مر القرون والقائمة أساسا على الانغلاق والتقوقع الاجتماعي، ما جعل المخيلة الشعبية للمحيطين تنساق بعيدا في حياكة الأساطير من حولها. لا تزال الندوب التي خلفها تنظيم الدولة الإسلامية في صفوف الإيزيديين منذ ست سنوات تنزف، حيث أنه لا يزال أكثر من نصف عدد أبناء هذه الأقلية الدينية في المخيمات فيما لا يعرف بعد مصير الآلاف منهم. وكأن بذلك ما جرى غير كاف ليطل على الإيزيديين اليوم خطر إرهابي جديد وهذه المرة من شمال سوريا، وسط تساؤلات عن مستقبل هذه الأقلية ومصيرها في ظل مناخ شرق أوسطي مشحون، وأجواء دولية محتقنة لا مكان فيها للاهتمام بقضايا الأقليات الدينية والعرقية لاسيما الصغيرة منها في المنطقة. فيان دخيل: لا يمكن تخيّل الشرق الأوسط دون أكراد وإيزيديين وسريان وآشوريين وكلدانيين ويهود ومسيحيين.. فيان دخيل: لا يمكن تخيّل الشرق الأوسط دون أكراد وإيزيديين وسريان وآشوريين وكلدانيين ويهود ومسيحيين وصدم العالم في العام 2014 لتعرض الإيزيديين لمذبحة بشعة في كل من سوريا والعراق خصوصا في منطقة سنجار غربي الموصل على يد عناصر تنظيم الدولة الإسلامية الذين قتلوا حوالي 10 آلاف رجل إيزيدي، وخطفوا واستعبدوا 6 آلاف امرأة. هزت تلك الفظاعات التي ارتكبها داعش بحق هذه الأقلية حينها المجتمع الدولي، ولقيت قضيتهم تفاعلا واهتماما سرعان ما خبى لاسيما بعد إعلان نهاية الحرب على التنظيم الجهادي في العام 2019، ليترك الإيزيديون أو ما تبقى منهم، يواجهون مجددا مصيرهم بأنفسهم. تقول الناشطة السياسية والنائب السابق عن المكون الإيزيدي في البرلمان العراقي فيان دخيل “للأسف نشهد اليوم تراجعا في الاهتمام الدولي وفي دعم منظمات المجتمع المدني للقضية الإيزيدية رغم أنه ما يزال هناك أكثر من 80 في المئة من الإيزيديين يقبعون في المخيمات منذ أكثر من 5 سنوات، وما يقارب 3000 آلاف امرأة ورجل لا يعرف إلى حد الآن مصيرهم، فيما يوجد الكثير من أطفال الإيزيديين الذين اختطفهم التنظيم الجهادي وهم في عمر السنتين والثلاث سنوات لا يدركون هويتهم”. والإيزيديون هم مجموعة عرقية دينية صغيرة يقدر عددها بنحو نصف مليون شخص يتمركزون أساسا في العراق لاسيما في محافظة نينوى وفي سوريا وتركيا وأرمينيا ولديهم جالية مهمة في أوروبا (خصوصا ألمانيا)، ولطالما واجه الإيزيديون محنا وحملات تصفية على مر تاريخهم الذي يعود إلى أكثر من 4 آلاف عام، ما دفعهم إلى التقوقع على ذواتهم في محاولة للحفاظ على كيانهم ومعتقداتهم التي تعود جذورها، بحسب الأبحاث، إلى الزرادشتية. هذا الأسلوب الدفاعي الذي اعتمده الإيزيديون كان سلاحا ذا حدين حيث أن الانزواء وتجنب الآخر ساهم في حياكة أساطير من حولهم وفي تشكيل مفاهيم مغلوطة من قبيل اعتبارهم “عبدة للنار” و“عبدة الشيطان”، وتكرست هذه الصور المشوهة في المخيلة الشعبية للعديد من سكان المنطقة، كما لعبت الأنظمة المتعاقبة دورا بارزا في الإضرار بهذه الأقلية سواء من خلال التحريض ضدها أو تهميشها حتى في العصر الحديث. ولا تخفي فيان دخيل امتعاضها من الحكومات العراقية المتعاقبة التي لطالما تعاطت بلامبالاة مع قضية الإيزيديين، على خلاف إقليم كردستان الذي قالت إنه تبنى قضيتهم منذ البداية وسعى إلى التخفيف من معاناتهم وقدم المساعدات على كل الأصعدة والنواحي، و”إن كان ذلك يبقى غير كاف دون الدعم الدولي”. وتحذر الناشطة السياسية الإيزيدية من أن تراجع الاهتمام الدولي بقضيتهم لا يضر فقط بالمهجرين وأولئك الذين لا يعرف مصيرهم بعد بل وأيضا من شأنه أن يحفز قوى لا تقل تطرفا عن داعش للعودة والضغط على الجرح النازف، لاسيما في ظل الأنباء الواردة من سوريا. الإنكشاريون الجدد عبدالرحمن الشمري، نخاس داعش عبدالرحمن الشمري، نخاس داعش يطرق اليوم أبواب أبناء هذه الديانة في شمال سوريا خطر لا يقل عدوانية عن تنظيم الدولة الإسلامية خصوصا في رأس العين من محافظة الحسكة وعفرين من محافظة حلب. ومنذ اجتياح تركيا بدعم من الفصائل الإسلامية السورية لعفرين في مارس 2018 يواجه الإيزيديون حملة تنكيل ممنهجة من خلال إجبارهم على تغيير ديانتهم والانتقال إلى الدين الإسلامي، وخطف الممتنعين من أبنائهم وسبي بناتهم وافتكاك أراضيهم ومحاصيلهم، وتكرر ذات السيناريو مع سيطرة أنقرة ومواليها من التركمان والعرب السنة في سوريا على مدينة رأس العين في الحسكة في أكتوبر 2019. ومع الانشغال الدولي بأزمة تفشي وباء كورونا وبالمشاحنات بين القوى الكبرى تصاعدت الحملة على الإيزيديين لاسيما في عفرين من قبل تلك الفصائل أو كما يحلو للبعض تسميتهم بـ“الإنكشاريين الجدد”، وسط مخاوف من تعرض تلك الأقلية لحملة تصفية جديدة، في سياق نوازع تركيا لتغيير الطبيعة الديموغرافية لمنطقة شمال سوريا، من خلال إحلال المكون العربي السني والتركماني مكان السكان الأصليين (أكراد، وإيزيديين، وآشوريين، وسريان..). ويقول المتحدث باسم مجلس إيزيديي سوريا عدنان حسن لـ“العرب” “منذ التدخل التركي في عفرين تم إخلاء 28 قرية إيزيدية من سكانها، من بينها قرية باثلوم الواقعة بالقرب من قرية قسطل المحاذية لمدينة أعزاز، وتم تحويل القرية إلى قاعدة عسكرية تركية، يمنع على الأهالي زيارتها أو الاقتراب منها”. ويلفت حسن إلى أن ممارسات الفصائل الإسلامية السورية في منطقة عفرين شبيهة إلى حد التطابق بممارسات تنظيم داعش، لناحية إجبار الإيزيديين على تغيير ديانتهم، ويستحضر حادثة جدت قبل نحو أسبوع في قرية الغزاوية حيث تم اختطاف فتاة، واشترطوا على أمها الدخول في الدين الإسلامي لإطلاق سراحها. ويشير المتحدث باسم مجلس إيزيديي سوريا إلى تكرار عمليات خطف النساء وسبيّهن في الأشهر الأخيرة، وعلى سبيل الذكر لا الحصر جرى قبل أسابيع سبي امرأة وابنتها في إحدى القرى الفقيرة، وأمام ضغط الأهالي تم إخلاء سبيل الفتاة، فيما بقيت الأم بحوزتهم. ويعتبر عدنان حسن بأن ما يحدث من قبل الفصائل هو ممنهج ويندرج في سياق مخطط تركيا لتغيير الوضع الديموغرافي للمنطقة، ليس فقط لجهة إجبار الناس على الرحيل، بل وطمس هوية الأقليات في تلك الرقعة الجغرافية عبر تدمير الآثار وهدم المعابد والمزارات في مشهد يعيد التذكير بما قام به داعش في الموصل وتدمر، وقبله طالبان في أفغانستان. ويلفت إلى أن “حتى القبور لم تسلم من تلك الميليشيات حيث جرى في قريتي عرش قيبار القريبة من عفرين العبث بكل القبور بحجة أننا كفار وملحدون”. وتقول فيان دخيل إن ما يحصل في عفرين هو نسخة أخرى لما حصل في العام 2014، ومن نفس التطرف ولكن بأسماء مختلفة، منتقدة صمت المجتمع الدولي التي قالت إن عليه التحرك بسرعة حتى لا تتكرر مأساة سنجار ويتم إيقاف تلك الجماعات كي لا يتمدد خطرها أكثر. حقبة سوداء تطل من جديد جرح نازف جرح نازف استهداف نظام العدالة والتنمية التركي وأتباعه من الإسلاميين للإيزيديين ليس وليد غايات سياسية فقط بل دينية أيضا فقد سبق وأن وصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الإيزيديين بأنهم طائفة غير مؤمنة. وتلفت النائب السابق في البرلمان العراقي إلى أن مواقف الرئيس أردوغان المعادية للإيزيديين ليست بالغريبة بالنظر إلى خلفيته العقائدية والأيديولوجية، المسكونة بهوس إحياء الخلافة العثمانية، معيدة التذكير بأن معظم الإبادات الجماعية التي تعرضت لها الأقلية الإيزيدية جرت خلال ذلك العهد الذي يسعى اليوم لإعادة إحيائه. وواجه الإيزيديون نحو 72 حملة إبادة جماعية جلها في فترة الخلافة العثمانية، وعلى سبيل الذكر لا الحصر حملة حسن باشا (1715)، وحملة أحمد باشا (1733)، وحملة سليمان باشا (1752)، وحملات نادر شاه (1732 – 1743)، وحملة علي باشا (1802)، وحملة سليمان باشا الصغير (1809)، وحملة إينجه بيرقدار (1835)، وحملة حافظ باشا (1837)، وحملة محمد شريف باشا (1844-1845)، وحملة الفريق عمر وهبي باشا (1892)، وحملة بكر باشا (1894)، وحملة محمد باشا أمير سوران المعروف بـ“ميري كور” (1832 – 1834)، وحملة بدرخان بك (1844). ولعل من أبشع الحملات تلك التي قام بها محمد باشا حيث يقول بعض المؤرخين إنه جمع نحو مئة ألف رأس في موقع ثم قام بالأذان فوقها، وكانت الدوافع من تلك الحملات هو إخضاع ذلك المكون وطمس هويته الدينية والعرقية. ورغم فقدان نحو 3 أرباع أعدادهم خلال فترة حكم العثمانيين بيد أنّ الإيزيديين نجحوا في تجاوز ذلك التاريخ وفي الحفاظ على هويتهم، واليوم مع التحولات العاصفة في المنطقة وتفجر التطرف الإسلامي بظهور داعش الذي تناسلت عنه العشرات من التنظيمات التي احتوتها قوى إقليمية على غرار تركيا تجد هذه الأقلية نفسها مجددا أمام صراع البقاء. وتعتبر فيان دخيل “أنه لا يوجد كره أو عداء من المسلمين المحيطين بنا فهم جيران وأصدقاء منذ آلاف السنين، لكن هناك مجموعات متطرفة اليوم تحمل أفكارا عدوانية ليس فقط للإيزيديين بل حتى للمسلمين الذين لا يشاطرونهم الرأي”. وتلفت الناشطة الإيزيدية إلى أن استهداف الأقليات الدينية والعرقية المستمر يهدد جوهر عظمة وجمالية الشرق الأوسط، مذكرة بما خلفه تهجير يهود العراق، وقمع مسيحيي لبنان، وتهميش الأكراد والإيزيديين في سوريا. وتقول الناشطة الإيزيدية “إن الشرق الأوسط قام أساسا على التنوع وهو مهبط الرسل والأنبياء ومهد الحضارات التي بدأت كلها على هذه الأرض، ولا يمكن تخيل الشرق الأوسط دون أكراد وإيزيديين وسريان وآشوريين وكلدانيين ويهود ومسيحيين، فهذه الفسيفساء هي سر قوته وأصالته”.

مشاركة :