يسعون إلى وأد وهتك كل منجز ديمقراطي مدني حر في العالم العربي كثيرة هي الخطابات والمواجهات والمرافعات التي يتصدى لها أهل الشأن الفكري والسياسي للدفاع عن قضية وطنية ما، أو عن موقف سياسي تقدمي التوجه في فحواه ومرماه، أو عن رؤية استراتيجية استنارية تروم الإصلاح الاجتماعي المستقل عن أي تبعات ولائية استقوائية عقائدية ظلامية لهذا الحزب أو ذاك البلد، ولكنها قليلة ونادرة تلك الخطابات والمواجهات والمرافعات التي تترك في النفس والعقل والذاكرة أثرا قويا يتجاوز حدود خارطته الجغرافية والوطنية، لينثال في مدى الوعي المجتمعي الأوسع بوصفه سياجا متينا مانعا يحمي هذا الوعي من كوارث ومآرب ومؤامرات ودسائس قوى الولاء الإستقوائي الظلامي ممثلة في الإسلام السياسي الذي يزحف ويتمدد على هذه الخارطة بأفعوانية حربائية لئيمة بغية وأد وتصفية كل ما من شأنه الانتماء للحريات العامة والحقوق المدنية والدولة الحداثية. وتعتبر النائبة المحامية السياسية المناضلة التونسية عبير موسى رئيسة الحزب الدستوري الحر واحدة من قامات العصر الجديد والتي تركت بمرافعتها الاستثنائية المغايرة ومواجهتها الجريئة النّدية الشرسة لرئيس البرلمان ورئيس حزب النهضة (الاخونجي) الاستقوائي بامتياز راشد الغنوشي أثرا قويا في نفوس وعقول وذاكرة أهل الشأن الفكري والسياسي والاجتماعي في العالم العربي، بل وما يتجاوزه، وليس في المجتمع التونسي فحسب، هذه المرافعة التي أزعم أنها رفعت من سقف الحريات في تونس نظرا لقدرة المتصدية لها وأعني النائبة عبير موسى على خلخلة وتعرية وكشف وفضح كل المآرب والمؤامرات (الغنوشية) الظلامية التي تحاك ضد تونس الحرية والمدنية في الخفاء والعلن من داخل تونس وخارجها، سواء في بعض دول المغرب العربي أو بالتفاوض المصلحي الابتزازي اللئيم مع ولاة الأمر في تركيا وقطر ومن آزرهم الهم المشترك في إيران وأعوانها وأذيالها، هذه المرافعة (الحامية) قلصت الغنوشي وأربكت ردوده ودفاعه وأوشك أن يصبح كالطريدة التي خانتها حيل الهروب من لبؤة الميدان في النزال بعد أن ظنت أنها نسر الجبال والبراري، فأضحت منكمشة على نفسها، ملاذها الصمت المهزوم وبعض (تلبثات) محبوسة الأنفاس. إن مرافعة النائبة الحرة الجسورة عبير موسى الجريئة والاستثنائية هي اختزال عميق لتاريخ الحراك السياسي التونسي المدني الحداثي الحر منذ الانطلاقة الأولى لتأسيس الدولة الحداثية بقيادة الرئيس الراحل بورقيبة والتي انطلقت على ضوئه الأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني وأصبحت تونس الخضراء نموذجا فكريا تقدميا مشعا تحتذي به أغلب الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني في الوطن العربي وتستعير مشروعاته الحداثية في مختلف الرؤى السياسية والحقوقية والاجتماعية والمعرفية والثقافية، وكما لو أن النائبة عبير موسى تذكِّر بمرافعتها هذه كل الفعاليات السياسية والحوكمية في تونس والعالم العربي ما تم تجاهله ونسيانه من مكاسب حداثية مهمة أوشكت قوى الاستقواء الظلامي على أن تقضي عليها تماما في ظل غفلتها شبه الطويلة عن ما تحقق منها على صعد اجتماعية وسياسية شتى. إنها مرافعة اختزالية فاضحة وبليغة لا تقبل الاعتذار و(الطبطبة) و(الغنوشة) على جرائم لا يمكن السكوت عنها كالتي ارتكبها راشد الغنوشي في حق وطنه الذي لا يقبل بمثله متآمرا عليه وعلى شعبه، وما أبلغ مواجهة الكشف الأولى للنائبة عبير موسى في هذه الجلسة التاريخية وهي تنسف وبجرأة متناهية هذا الاعتذار المهادن للمتآمر الغنوشي، وكما لو أنها تعيد الأمور إلى نصابها حيث لا ينفع الاعتذار (بعد خراب مالطه) وحيث الاعتذار باطل المفعول وفاسد الصلاحية بعد أن عرض وطنا وشعبا وتاريخا بأكملهم إلى مساءلات سياسية دولية هم براء منها كبراءة الذئب من دم يوسف وذلك بتجاوزه حدود الصلاحية في البرلمان وحدود الوطن عندما رمى ولاءه في حضن أردوغان في وقت سياسي وعسكري عصيب تعاني منه الجارة ليبيا أشد المعاناة من الاعتداءات العسكرية التركية، وعندما راوغ وطنه وشعبه بمغازلاته المفضوحة ليوسف القرضاوي أحد زعماء الأخوان في دولة قطر والوطن العربي والذين لا يزالون وبدموية مفضوحة تارة ومبطنة تارة أخرى يسعون إلى وأد وهتك كل منجز ديمقراطي مدني حر في العالم العربي وخاصة في تونس بوصفها إحدى أهم مشاعل الديمقراطية المضيئة والمؤثرة في عالمنا العربي، إذ ما أكثر ضحاياهم من أهل التنوير فيها، فهل ينفع الاعتذار؟ أليست النائبة عبير موسى على حق عندما رفضت مثل هذا الاعتذار واتخذته بوابة للهجوم الفاضح على الغنوشي و(أخوة الدم) في تونس والعالم العربي؟. إن النائبة موسى وهي تفضح وتعري الغنوشي (رئيس) المؤامرات في البرلمان التونسي وكما لو أنها تفضح كل المؤامرات والدسائس التي ارتكبها (الاخونجيون) وأقرانهم الصفويون في حق أوطان وشعوب كثيرة في عالمنا العربي والإسلامي والدولي، وما أكثر ما عانت بعض دول الخليج العربي وبعض الدول العربية ومنها بجانب تونس مصر والجزائر وليبيا وغيرهم، لذلك كانت هذه المرافعة (الموسوية) استثنائية حقا ولن ينساها التاريخ يوما، لأنها جابت كل تضاعيف وأروقة المؤامرات التي (تَنَمْذَجَ) الغنوشي فيها بامتياز. إنها مرافعة ومواجهة تقرأ وتستبر وتجوس عمق المرحلة الراهنة وما ينبغي على أهل الشأن السياسي التقدمي خاصة إدراكه واستيعابه من أجل إدارة دفة هذه المرحلة نحو الحداثة الخلاقة، مرافعة تشاخص كل التجاوزات الغنوشية الإخونجية وتسلط عليها عين المجهر دون هوادة كي تبدو أكثر الذرات قدرة على الاختفاء والتلاشي مكشوفة ومفضوح أمرها مهما حاولت الانزلاق عمدا نحو أسربة أو (سربان) اللامرئي. في هذه المرافعة بدت النائبة عبير موسى وهي تتدرج في الكشف عن مآرب الغنوشي والإسلام السياسوي تتجلى بأسانيدها وأدلتها ومرئياتها، حتى بت أراها في جملة هذه المرافعة الحاسمة وكما لو أنها تختزل تاريخ تونس كله لتصبح هي ذاتها تونس التي تدافع وتنافح عن تاريخها وكرامتها وحريتها وعزتها ومجدها، إنه التماهي في أبهى صوره وتجلياته ورؤاه بين تونس والنائبة موسى، إنها الحرقة المشروعة على وطن لا يمكن أن ينتمي إلا للحرية وكما لو أنها وكل التونسيين ولدوا من سلالة جيناتها الحرية ذاتها، فهل يسهل على من لاذ خارج هذا الرحم، وأعني تونس الحرية، بحثا عن رحم شيطاني مهجن يحتويه، أن يكون جديرا بسلالة الحرية؟ إن النائبة عبير موسى، سليلة تونس الحرية، أسهمت بخطابها التفكيكي العميق لخطاب الغنوشي والإسلام السياسوي والوضع السياسي بشكل عام في إعادة قراءة وتصحيح الخطاب السياسي الراهن في تونس والوطن العربي بشكل عام، وذلك عبر ما اكتنزته من تجارب وخبرات سياسية وحقوقية وحزبية في عهود أكثر من رئيس لتونس، والتي وإن اختلف البعض معها في بعض المواقف السياسية إبان عهد الرئيس زين العابدين بن علي، فإنها وبرؤيتها الشاخصة تدرك بأن هذا العهد وإن انحاز لمواقف لبعض الساسة لهم رأي فيها، إلا أن الجوهر المدني الحداثي ظل ماثلا في التوجه العام حتى فضح آخر للغنوشي وأخوة الدم والشوك الذين حاولوا وبكل ما أوتوا من حقد ومقت وضغينة وأد أول ياسمينة استنشقها الشعب التونسي إبان ثورته الربيعية.. سجل يا تاريخ.. لحظة لم يجرؤ بعدها الغنوشي على الرد على أي إدانة أطلقتها المناضلة التاريخية عبير موسى، بالرغم من ترك المجال حرا أمامه للرد بعد أن أدارت أذن مايكرفونها باتجاهه وباتجاه كل من يناصره في البرلمان.. لقد أشعلت الضوء وبات الظلام في السديم.. سجل يا تاريخ.. من لا يخشى الموت لا يقبل بغير الحرية بديلا.. ولن يقبل أن يكون رهينة الكذب والزيف.. كلمة أخيرة تصدر من ابن البحرين حرة.. فاسمحي لي أقبل جبينك أيتها النائبة البرلمانية التونسية الحرة الأبية الجريئة المنتصرة لكرامة وحرية تونس المجد والإباء في مواجهتها الفاضحة بكل مسئولية لكل ألاعيب وتجاوزات رئيس البرلمان راشد الغنوشي.. أقبل رأسك ثانية وانحني حبا وكرامة لكل حرف صدر من روحك النبيلة وعرى خفايا ومرايا المؤامرة الغنوشية الاخونجية الدنيئة التي تستهدف تاريخ تونس الحر العظيم.. مواجهة ومرافعة لم أسمع مثلهما وبنفس جرأتهما منذ زمن طويل.. فليتعلم نوابنا ونائباتنا من هذا الخطاب الذي اختزل تاريخ الحرية ومحاولات وأدها وطمسها في تونس درسا لن يضلوا بعده أبدا.. إنك امرأة بألف رجل..
مشاركة :