النائبة البرلمانية التونسية عبير موسي: الظاهرة والدلالة

  • 2/3/2021
  • 01:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

عشر سنوات مرت على الانتفاضة التونسية التي انطلقت في 14 يناير 2011 وانتهت بتغير النظام السياسي وحلول نظام جديد معبرا عن المرحلة الجديدة وحاملا معه شعارات الخبز والحرية والكرامة الوطنية بل نكاد نقول إن هذه التجربة الوحيدة التي لم تؤد إلى صراع اجتماعي أو عسكري مثلما حدث في ليبيا وسوريا واليمن ولذلك اعتبرت نتيجة هذه الانتفاضة تحولا سياسيا وديمقراطيا، حيث كانت تونس أيام الراحل زين العابدين بن علي تتميز بثلاث ميزات: الأولى: الاستقرار الاجتماعي والأمني بحيث كانت تونس مثالا يحتذى به في هذا الجانب.الثانية: النمو الاقتصادي المرتفع حيث كانت نسبة النمو خلال أكثر من عشر سنوات تتجاوز 5% كما أن نسبة الفقر كانت محدودة وفقا للمعايير الدولية.الثالثة: إن هذا المجتمع الناهض كان فيه مجتمع مدني قوي جدا يتمثل في وجود الاتحاد العام التونسي للشغل كقوة اجتماعية كبيرة ووجود جمعيات مجتمع مدني أخرى قوية ومؤثرة، ولكن في المقابل كانت تجربة تونس في المجال الديمقراطي والحريات محدودة، ولذلك وصف النظام السابق بالرغم من إنجازاته الاقتصادية والاجتماعية بكونه نظاما استبداديا لأنه كان يحاصر الأحزاب السياسية ويضيق على الحريات السياسية بوجه خاص.وعليه، فإن الانتفاضة التونسية جاءت لتصحح هذا الوضع وبالفعل تمكن التونسيون بشكل سليم من تشكيل مجلس تأسيسي انتهى بإعلان دستور جديد عام 2014 تضمن المبادئ الأساسية للجمهورية التونسية الثالثة، كما أطلق عليها، وجرت بعد ذلك انتخابات برلمانية ورئاسية وبلدية حظيت بالمقبولية بوجه عام في الداخل والخارج على حد سواء.إلا أن السنوات العشر الماضية التي تصدر الحكم فيها حزب حركة النهضة الإسلامي مع عدد من حلفائه لإدارة شؤون الدولة، حيث كان اثنان من رؤساء الوزارة من بين حزب النهضة إلا أنه خلال هذه السنوات العديدة نسبيا لم ينجح النظام السياسي في تحقيق أي من الوعود التي وعد بها، بل إن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية انهارت بشكل مفجع وأصبح الوضع الاقتصادي على حافة الإفلاس والوضع الاجتماعي يغلي بالاحتجاجات اليومية ويشعر الأغلبية العظمى من التونسيين بأن هذه الثورة التي وعدت بالحرية والديمقراطية والازدهار والكرامة الوطنية لم تتحقق لهم سوى الفوضى والاضطرابات والانهيار الاقتصادي فلا هم حققوا الديمقراطية الحقيقية التي تؤسس لنظام سياسي مستقر وقوي ولا هم حققوا النمو الاقتصادي الذي يوفر للناس قوت يومهم على الأقل والخدمات الأساسية التي كانوا يتمتعون بها في ظل النظام السياسي السابق، ولا هم حققوا الاستقرار الاجتماعي والأمني الذي كان موجودا في السابق واختفى اليوم وعمت البلاد الاحتجاجات والاضطرابات والإرهاب.وفي ظل هذه الحصيلة شعر الشعب بخيبة أمل كبيرة وأدرك بوجه عام حقيقتين مؤلمتين:الأولى: أن النظام السياسي الجديد الذي قام على أساسه الدستور الجديد هو نظام لا يخلق ولا يساعد على الاستقرار، بل أخذ السلطة ووزعها على ثلاث رئاسات هي رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزارة ورئاسة البرلمان، ولذلك لا أحد منهم يحكم بالفعل طالما أن السلطة الموزعة وأن النظام الجديد أشبه ما يكون بنظام طائفي على غرار لبنان تتعطل فيه الأمور وترتبك ولا تتقدم.الثانية: أن الصراع بين الأحزاب السياسية، وخاصة بين حزب حركة النهضة وحلفائه الذين يمثلون تيارات الإسلام السياسي والأحزاب المدنية الديمقراطية أصبحت تصيب البلاد بنوع من الشلل السياسي، حيث تتصارع الأحزاب على السلطة والغنائم الاقتصادية والسيطرة، وأصبح الشعب مهملا ولا يجد من يستمع إلى صوته أو أناته ومعاناته، ومن هنا جاء الحزب الحر الدستوري الجديد الذي تتزعمه المحامية عبير موسي ليترجم كل هذا الغضب على النظام السياسي الذي يدعي الحرية والديمقراطية، لكنه لا يفعل شيئا لصالح الشعب الذي يعاني الأمرين، حيث جاء هذا الحزب الذي نشأ في ظل أجواء الحرية والديمقراطية التي تعرفها تونس ليعلن فشل النظام السياسي الجديد وانه لم يعد صالحا للتقدم إلى الأمام سواء من حيث النظام الانتخابي الحالي الذي يجعل من البرلمان مجموعات حزبية يستحيل معها تشكيل حزب أغلبية يمكن أن يقود البلاد أو من حيث النظام الحالي الذي لا يحكم فيه أي أحد بشكل كامل ولا يترك من يحكم؛ ولذلك شهدت تونس خلال عشر سنوات عددا كبيرا من التشكيلات الوزارية وهو عدد يفوق ما شهدته تونس خلال 23 سنة التي حكم فيها بن علي، فحزب عبير موسي الذي تقول استطلاعات الرأي إنه سيكون الحزب الأول في أي انتخابات برلمانية جديدة تجرى الآن بنسبة 41% واحتل المكانة التي كان يحتلها حزب حركة النهضة في الانتخابات السابقة وهو تعبير عن غضب الشارع التونسي على الحكام الجدد، ولكن ظاهرة عبير موسي ليست فقط ظاهرة تعبير عن الغضب والحنين إلى المرحلة السابقة مثلما يقول البعض، وإنما هي أيضا تعبير عن حاجة المجتمع إلى الاستقرار وإلى النمو الاقتصادي والاجتماعي ولذلك لا يجب النظر إلى هذه الظاهرة على أنها ظاهرة بسيطة أو عرضية ومؤقتة بل هي ظاهرة على الأرجح قوية، ولن تتوقف طالما أن الوضعين السياسي والاقتصادي الحاليين على ما هما عليه.وبناء عليه، فإن العقلاء في تونس يتحدثون اليوم عن أمرين أساسيين لتصحيح مسار هذه الثورة:الأول: إصلاح النظام السياسي من خلال البدء في تعديل الدستور نفسه لتحويل النظام السياسي إلى نظام رئاسي وإما تحويله إلى نظام برلماني حيث لم يعد من الممكن الإبقاء على الوضع الحالي الذي لا هو برلماني ولا هو رئاسي.الثاني: إصلاح النظام الانتخابي بما يمكن أن يؤدي إلى ظهور أغلبية حزبية قادرة على الحكم وقادرة على تشكيل حكومة مستقرة هذا هو الحل الذي يتحدث عنه العديد من السياسيين والمثقفين التونسيين، وأنه من الواضح أن حركة النهضة الإسلامية وحلفاءها يعارضونه لأنه ليس في مصلحتهم في النهاية.

مشاركة :