اختبار الجدية في المبادرة الفرنسية

  • 7/4/2015
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

تكشف مبادرة السلام الفرنسية الجديدة تحولاً له مغزاه بشأن القضية الفلسطينية وما كان يعُرف بالصراع العربي- الإسرائيلي، وهو تحول له بعدان؛ أولهما، أنه يعكس مزاجاً أوروبياً جديداً وليس فرنسياً فقط إزاء هذا الصراع، وهو مزاج له علاقة مباشرة بمسؤوليات في منطقة جنوب البحر المتوسط باتت أوروبا تراها تمس أمنها القومي وتستوجب التحرك إزاءها. وثانيهما، أنه يعبر عن تمايز أولي عن السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط التي تجري مراجعتها وتعديلها بدوافع أمريكية بحتة لا تراعي المصالح الأوروبية ولا تتم بمشاركة مع أوروبا، لكن يبقى السؤال ضرورياً عن ثلاثة أمور لها أهميتها ولها أيضاً ارتباطها بالمبادرة الفرنسية. أولها، مدى جدية فرنسا، وأوروبا من خلفها، في إلزام إسرائيل ببنود هذه المبادرة. ثانيها، مدى استعداد فرنسا وأوروبا لإنجاز مبادرة سلام من دون دعم أو مشاركة أمريكية. ثالثها، مدى استعداد إسرائيل للتعامل مع مثل هذه المبادرة. بالنسبة للأمر الأول المتعلق بجدية فرنسا وأوروبا للتمسك بما تنص عليه هذه المبادرة التي تطالب بمفاوضات إسرائيلية - فلسطينية في إطار مشروع حل الدولتين يرتبط بجدول زمني لعام ونصف العام، وإذا لم تنجح تلك المفاوضات بالتوصل إلى اتفاق سلام فإن الأمر ينقل إلى الأمم المتحدة للاعتراف بفلسطين دولة مستقلة في حدود عام 1967 مع تبادل أراضٍ، على أن تكون القدس عاصمة موحدة للدولتين، وتلعب فرنسا دور قاطرة أوروبا في هذا الاتجاه، ومبادرتها التي قام وزير خارجيتها بالتباحث حولها في القاهرة وعمان ورام الله ثم في تل أبيب تدعو إلى إنشاء دولة فلسطينية تستند إلى خطوط 4 يونيو/حزيران عام 1967، مع تبادل أراضٍ متساوية وبموافقة الطرفين، لكن أوروبا ليست بعيدة عن هذا التطور، ولكن ليس بالحماس الفرنسي، أو بالعمق الفرنسي، وهذه هي أولى نقاط الضعف التي تواجه المبادرة الفرنسية. ففي لقائها مع بنيامين نتنياهو، وحسب ما ورد في صحيفة هآرتس فإن فيدريكا موجيريني، وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي لم تعلق على مراوغة نتنياهو وتهربه من القبول بتفاوض على أساس حل الدولتين، وحديثه عن الاستعداد لاستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين من دون أي إشارة للسبب الأساسي الذي سبق أن توقفت المفاوضات من أجله وهو السياسة الاستيطانية، ودون تلميح إلى القبول بحل الدولتين أو التفاوض على حل الدولتين، ولكن التفاوض بهدف الوصول إلى تفاهمات على حدود الكتل الاستيطانية التي تضم إلى إسرائيل في إطار السلام المستقبلي كما أنها أبدت موافقتها على ما ورد على لسان نتنياهو حول ما سماه بمبدأ الدولتين للشعبين. فقد ردت موجيريني بتبني مصطلح أو مبدأ الدولتين للشعبين مع علمها أن إسرائيل تفضل هذا المصطلح الذي يتناول بشكل مباشر طلبها أن يعترف الفلسطينيون بها بوصفها الدولة القومية للشعب اليهودي. أما بالنسبة للموقف الأمريكي، فإنه غير راض عن دور فرنسي أو حتى أوروبي مميز في تولي مسؤولية إدارة الملف الفلسطيني - الإسرائيلي أو ملف السلام في الشرق الأوسط بمعزل عن الدور الأمريكي، كما أن الأمريكيين يعطون الآن كل الأولوية لإنجاح مفاوضات الملف النووي الإيراني دون عرقلة إسرائيلية، ومن ثم فإنهم ليسوا مع فتح ملف السلام في الشرق الأوسط الآن ويريدون إرجاءه إما لإحباط المبادرة الفرنسية وإما لتأمين مفاوضات البرنامج النووي الإيراني. لذلك اعترضت واشنطن على مشروع القرار الفلسطيني الذي قدم إلى مجلس الأمن نهاية ديسمبر/ كانون الأول 2014، الذي كان قد حصل على الدعم الفرنسي وكان ينص على التوصل إلى اتفاق سلام خلال 12 شهراً وعلى انسحاب إسرائيلي من الأراضي المحتلة قبل نهاية 2017، ولم تتردد واشنطن في استخدام الفيتو ضد هذا المشروع، كما أن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري طلب من لوران فابيوس وزير الخارجية الفرنسي إرجاء المسعى الفرنسي وتأجيل عرض المبادرة الفرنسية على مجلس الأمن لحين الانتهاء من مفاوضات البرنامج النووي الإيراني. يبقى التحدي الأهم وهو التحدي الإسرائيلي. فرئيس الوزراء الإسرائيلي يعارض مبدئياً قيام دولة فلسطينية، وعندما يلمح إلى قبول مفاوضات سلام، فإنه يراوغ للهروب من استحقاقات معينة، هو مع المفاوضات من أجل المفاوضات دون تحديد أي هدف مسبق ودون أفق زمني، ويربط أي حديث عن حل الدولتين وعن السلام ب أمن إسرائيل، وعن حدود تستطيع إسرائيل أن تدافع عن نفسها من داخلها، وهو من ناحية ثانية لا يرى أي دافع قهري يجبره على الانسحاب من أية أراض، وهو يخطط الآن لسلام وشراكة سياسية واستراتيجية مع دول عربية تتجاوز عقبة المشكلة الفلسطينية من خلال تركيز الاهتمام على محاربة عدو يراه عدواً مشتركاً مع بعض الدول العربية وهو إيران، ويريد أن يجعل الصراع مع إيران ليس مدخلاً لتصفية أولوية القضية الفلسطينية بل كمدخل لتطبيع العلاقات مع دول عربية على قاعدة عدو عدوي صديقي. فقد تعمد نتنياهو أن تصل رسالته كاملة إلى فرنسا قبل أن يلتقي وزير خارجيتها في تل أبيب، على الرغم من كل التطمينات التي حرص فابيوس على إعلانها في القاهرة ورام الله لتيسير مهمته في تل أبيب. فقد انتقد نتنياهو بشدة نيّة فرنسا تقديم مشروع إلى مجلس الأمن الدولي قريباً، واعتبر ذلك محاولة لحشرنا في حدود غير قابلة للدفاع عنها، ووصف نتنياهو خطة أو مبادرة فابيوس بأنها إملاء معتبراً أنها تضر بإسرائيل وأمنها. ما يشغل نتنياهو الآن ليس الشأن الفلسطيني، ولا حتى خطر الإرهاب التكفيري من داعش أو من جبهة النصرة ولكن إيران، انطلاقاً من قناعة مفادها أن حجم الخطر الذي تشكله إيران وحلفاؤها أشد بأضعاف من الخطر الذي تمثله تنظيمات مثل داعش والتيارات التكفيرية بالمنطقة. وضمن هذا الإطار تندرج التقديرات الإسرائيلية التي ترى في الدور الذي يلعبه تنظيم داعش والنصرة تنفيذاً في الواقع لأجندة إسرائيلية كونها تستنزف العدو الأول لإسرائيل، في حين تتبنى التيارات التكفيرية وفي مقدمتها داعش أولوية مواجهة المذاهب والأديان الأخرى كافة بل كل من لا يتبنى عقائدها ورؤيتها ونهجها وفقهها، أما إسرائيل فهي في أحسن الأحوال مؤجلة إلى مرحلة لاحقة قد لا تكون غير منظورة. وانطلاقاً من هذا الإدراك تعطي إسرائيل جل اهتمامها على مواجهة ما تعتبره خطراً عاجلاً وهو إيران، دون حديث عن خطر التنظيمات التكفيرية التي قامت بأدوار كانت من مسؤولية الجيش والمخابرات الإسرائيلية في سنوات مضت وهي تدمير الجيوش والقدرات العسكرية العربية، ومن ثم فلا مكان الآن لحديث عن أولوية خوض معركة سلام مع الفلسطينيين لا مبرر لها، ولذلك بعث نتنياهو بوفد عالي المستوى برئاسة يوسف كوهين إلى فرنسا وبريطانيا مؤخراً من أجل إجراء محادثات تهدف إلى محاولة تحسين الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة دول 5+1 بما يلبي الشروط والمطالب الإسرائيلية وفي ذات الوقت رفض نتنياهو التجديد لرئيس الموساد تامير بارود الذي من المقرر أن تنتهي ولايته قريباً لسبب محدد أنه تورط في الإدلاء بأقوال مع رجل أعمال صرح فيها أن إيران لا تشكل تهديداً وجودياً لإسرائيل، وأن التهديد الجوهري هو "غياب حل للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي". تحديات صعبة من شأنها أن تغلق أفق نجاح المبادرة الفرنسية وتفقدها جديتها اللازمة التي ما زالت مرتكزاتها مفتقدة.

مشاركة :