على غرار القطاعات الصناعية والزراعية العالمية، وكما حدث للقطاعات المالية والتجارية الدولية، ومع مسار الاقتصاد الكوني، وما أصابه من تداعيات ومصاعب، نال فيروس كورونا من صناديق التحوط العالمية. ومرت صناديق التحوط بعديد من منحنيات الصعود والهبوط منذ الأزمة المالية عام 2008، إلا أن المشهد الناجم عن جائحة كورونا مثل لحظة استثنائية. فالشعور العام لدى أغلب أو معظم المستثمرين، يكشف عن تفهم لأداء محافظهم في صناديق التحوط الخاصة بهم، حتى منتصف آذار (مارس) الماضي على الأقل. اتسم أداء أغلب صناديق التحوط بالقدرة على جني الأموال، ويعود ذلك في جزء منه إلى زخم النجاحات المحققة في الأشهر الأخيرة من العام الماضي. لكن بعض الخبراء يشككون في أن تظل تلك الصورة قائمة، إذا أخذ في الحسبان أداء الاقتصاد العالمي في نيسان (أبريل) وأيار (مايو)، ويتوقع البعض أن تتراجع أصول صناعة صناديق التحوط بما يراوح بين 10 و15 في المائة. مع هذا يشير سيمون همفريز الخبير الاستشاري في عدد من صناديق التحوط البريطانية إلى "بعض صناديق التحوط أفلحت خلال أزمة كورونا في جني المليارات من رهانات السوق، وأحد صناديق التحوط البريطانية راهن بمبلغ 2.4 مليار جنيه استرليني على حجم التغيرات السلبية في الأسواق، وحقق مكاسب ضخمة من ذلك". ويؤكد لـ"الاقتصادية"، أن تحقيق صناديق التحوط أرباحا تقدر بالمليارات خلال عاصفة كورونا، في وقت تبلغ فيه خسائر الاقتصاد العالمي تريليونات، يشير إلى ضرورة إعادة النظر في بنية الاقتصاد الدولي في مرحلة ما بعد فيروس كورونا، فهناك حاجة إلى بناء اقتصاد أكثر مساواة. ويشير إلى أن بعض صناديق التحوط العالمية رفضت التعليق على الدعوات الموجهة إليها بدفع حصة عادلة من أصولها لمكافحة فيروس كورونا. مع هذا يعتقد بعض الخبراء أن صناديق التحوط التي يديرها عمالقة الصناعة مثل راي داليو، ومايكل هينتز، فشلت في مهمتها الأساسية، ألا وهي حماية المستثمرين من اضطرابات السوق. وتشير بعض المصادر إلى أن ثلاثة من كل أربعة من صناديق التحوط خسرت أموالا خلال جائحة كورونا، وانخفضت أصول بعضها بنحو 40 في المائة، ليصل الإجمالي العام لأصول صناديق التحوط في العالم في آذار (مارس) الماضي، إلى أقل من ثلاثة تريليون دولار لأول مرة منذ عام 2014، وخلال الربع الأول من هذا العام سحب العملاء ما قيمته 33 مليار دولار. ويزداد المشهد تعقيدا بشكل ملحوظ لدى صناديق التحوط التي تتعامل مع الأسواق الناشئة. وتصف مادلين جيم المحللة المالية في بورصة لندن، وضع صناديق التحوط التي تركز استثماراتها في الأسواق الناشئة، بأنها تشهد تشتتا كبيرا، وتتوقع أن يستمر هذا المشهد بعد انتهاء جائحة كورونا. وتقول لـ"الاقتصادية"، إن "آفاق الانتعاش غير متكافئة في الاقتصادات الناشئة في مرحلة ما بعد الوباء، وهذا منطقي لأن الاستجابات الإقليمية المختلفة تعتمد على عوامل تكون في كثير من الأحيان متضاربة". وتضيف، "صناديق التحوط، في الاقتصادات الناشئة خسرت 8.5 في المائة في نيسان (أبريل) الماضي، صناديق التحوط العاملة في الاقتصادات الناشئة ستعتمد إلى حد كبير على قوة الدولة الداعمة لها، فبينما تميل أمريكا اللاتينية وأوروبا الوسطى والشرقية إلى أن تكون حساسة تجاه النشاط الاقتصادي للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، في المقابل، فإن الأسواق الآسيوية حساسة للنشاط الاقتصادي الصيني". مع هذا، يرى الدكتور جاك بيرثون أستاذ الاقتصاد الدولي في جامعة أكسفورد، أن صناديق التحوط، سواء في الاقتصادات عالية النمو أو الاقتصادات النامية، تتمتع بميزة رئيسية ستساعد على انتعاشها السريع والقوي في أعقاب جائحة كورونا. ويؤكد لـ"الاقتصادية"، أن رؤوس الأموال الضخمة المتاحة لصناديق التحوط عموما، وما تتمتع به من مرونة استثمارية، واتجاه عام للمغامرة، يمكنها من الاستفادة بشدة من مراحل التقلب الاقتصادي واقتناص الفرص. ويقول، "الصعوبات الاقتصادية الناجمة عن فيروس كورونا أصابت جميع القطاعات الاقتصادية، ومن بينها صناديق التحوط، لكن قدرة المجالات الاقتصادية على استعادة توازنها سيختلف من قطاع إلى آخر، فالقطاع الأكثر قدرة على استعادة توازنه وتحقيق معدلات نمو مرتفعة، سيكون صناديق التحوط، فجزء من هذا النمو سيعتمد على التمتع بدرجة أعلى من التنوع الاستثماري، إلا أن المدى الزمني للتمتع بهذا النجاح سيعتمد على سياسة التحفيز الاقتصادي التي سيتم تبنيها، وعلى معدل النمو العام للاقتصاد الدولي". لكن بعض الخبراء يرون أن جائحة كورونا ستؤدي إلى إغلاق مزيد من صناديق التحوط، بحكم أن الصناعة مشبعة بنحو عشرات، إن لم يكن المئات من الصناديق التي لا تبرر رسومها، كما أن العوائد المتواضعة لبعض الصناديق ستؤدي إلى انسحاب المستثمرين، سواء للاستثمار مباشرة أو للتحول إلى صناديق أخرى. ويقول لـ"الاقتصادية" أندروا جورج من مجموعة نت وست المصرفية، "الطبيعة العامة لصناعة صناديق التحوط أنها ذات طبيعة دروينية، والبقاء للأقوى، وبغض النظر عن حجم الصندوق، فإن معيار القوة يتمحور حول قدرته على تحقيق أكبر قدر من العوائد المالية، فالأداء الضعيف يدفع رؤوس الأموال إلى المغادرة". ويعتقد أندروا جورج، أن الاقتصاد العالمي خلال الفترة المقبلة سيعاني اضطراب أسواق المال لبعض الوقت، خاصة في ظل تراجع السيولة المالية على المستوى العالمي، ومن المحتمل أن يترافق ذلك مع عدم كفاءة كبيرة في تسعير الأوراق المالية. ويشير إلى أن ذلك ربما يصب في مصلحة صناديق التحوط الأكثر كفاءة وفاعلية، والقادرة على تحقيق عوائد مالية مرتفعة، إذ يمكن أن تمثل تلك الصناديق مركزا للجذب الاستثماري الكثيف طويل الأمد، وهو ما يمنحها قدرة أكبر على الاستثمار. لكن تلك النظرة تواجه بمخاوف من بعض الاقتصاديين الكلاسيكيين، إذ يحذرون من أن تنامي القدرة الاستثمارية لدى صناديق التحوط، قد يوجد أرضية تنافسية بينها وبين عديد من القنوات الاستثمارية الأخرى، سواء في القطاع المالي مثل البنوك، أو في القطاعات الاقتصادية الأخرى. ويحذر الباحث الاقتصادي مايك آشتون، من هذا الاتجاه بالقول لـ"لاقتصادية"، إن "التركز الرأسمالي في صناديق التحوط حتى إن كان هدفه الاستثمار، فمن المحتمل أن يمنحها قدرة احتكارية ملحوظة، بما لهذا الاحتكار من تأثير سلبي، سواء في توجيه الاقتصاد بما يتفق مع رغبات المجموعة المستثمرة في تلك الصناديق، أو عبر الضغط لتبنى نماذج للاقتصاد الكلي تصب في مصلحة مجموعة محدودة من صناديق التحوط والمستثمرين فيها".
مشاركة :