تحقيق: ميرفت الخطيب «الوطن.. أسرة» عنوان الحملة التي أطلقتها إدارة مراكز التنمية الأسرية؛ إحدى مؤسسات المجلس الأعلى لشؤون الأسرة في الشارقة، تحت شعار «الأسرة أمان.. يريدها سلطان»، وهي حملة توعوية شاملة تهدف إلى نشر ثقافة توعوية أسرية تتماشى مع رؤية الدولة 2021، وتطلعات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة. وتستمر الحملة لعامين مركزة على عدد من المحاور لتحقيق التلاحم الأسري، كتعزيز منظومة القيم والثقافة الداعمة للتماسك الأسري، وتمكين الشخصية الإنسانية، وتطوير الثقافة الزوجية الراقية، وتعزيز الصلات الاجتماعية القوية والحيوية، إضافة إلى عدد من الأهداف كانت بمثابة إضاءات لنا لنستطلع آراء مختلف شرائح المجتمع، حول التماسك الأسري، وما نحتاجه بالفعل كي نحقق التماسك المطلوب، ونتجاوز بقوة، أي عقبات تواجهنا لبناء وطن قوي آمن.أشارت الدكتورة خولة الملا الأمينة العامة للمجلس الأعلى لشؤون الأسرة، إلى حاجتنا بالفعل لمثل هذه الحملات، فالمجتمع والأسر اليوم، يواجهان تحديات كبيرة في ظل العولمة والانفتاح على مختلف الثقافات، وعلينا أن نتوقف ونتساءل كيف نعزز قيمنا في ظل العولمة، وكيف نعزز المواطنة بوصفها طوق نجاة للمحافظة على مكتسباتنا، وما أهم أساليب تعزيز النظرة الإيجابية والروح الإيجابية؟من واجب كل أسرة ممارسة هذا الدور مع الأبناء، ليكون امتداداً لدور الوطن الذي يضع الإنسان في قائمة اهتماماته، وبالتالي من واجبنا كأولياء أمور أن نضع الأبناء في قائمة هذه الأولويات، ولربما جاءت أزمة كورونا اليوم بمثابة المنبه لنا لإعادة اللحمة، فلنستثمر في الأبناء بناة المستقبل والوطن، ونقترب منهم ونشاركهم هواياتهم واهتماماتهم، ونستمع ونتحاور معهم؛ لأن أقسى ما يمكن أن يُفعل بالأبناء هو أن يتركوا للفراغ ولأصدقاء السوء دون رقيب أو موجِِّه.وختمت: «الأبناء ليسوا ملكاً لنا؛ بل أمانة عندنا، وعلينا كسب عقولهم بكل احترام عن طريق المناقشة والحوار وليس الضغط والعنف، واستغلال كل فرصة وكل طريقة لنغرس قيمة إيجابية جديدة من خلال الأنشطة واللعب والتعلم، حتى الأفكار والأحلام، فاقترابنا منهم أبسط حقوقهم علينا، وعبارة أن الأب مشغول والأم مشغولة، والاعتماد على الخادمة في المنزل، أمران يجب أن يلغيا من حياتنا اليوم». ترتيب الابن وقال الرائد خليل الحمادي من القيادة العامة لشرطة الشارقة، ومحاضر معتمد في برنامج خليفة لتمكين الطلبة: «سيكون من المفيد جداً للأسرة أن يخضع الأبوان لدورات تدريبية تعلمهما كيفية تربية الأبناء بشكل صحيح وفق أسس تربوية سليمة، مع مراعاة كل الاختلافات بين الأبناء من ناحية الظروف والشخصيات وترتيب الابن في الأسرة». سلوكيات إيجابية وأكد الدكتور إبراهيم الدبل الرئيس التنفيذي لبرنامج خليفة للتمكين (أقدر)، أن الجميع متفق على أن الأسرة هي المعلم والمصدر الأول لكل سلوك إيجابي يكتسبه الأبناء، فما يغرسه الأهل في الأبناء يترجم سلوكيات إيجابية كالعلم والعمل المثمر والتطوع مثلاً، فكلها ستنعكس على الوطن. وأضاف: «بالطبع نحتاج لحملات توعوية من خلال وسائل الإعلام المختلفة، بالتعاون مع جهات متنوعة تعنى بالأسرة، والاستفادة من برامج التلفاز والمسلسلات، ووسائل التواصل الاجتماعي، وحملات تبث روح الإيجابية في أولياء الأمور، وتعيد ترتيب الأولويات لديهم، وتضع اهتمامهم بالأبناء في بداية القائمة، وفي نفس الوقت نحقق الموازنة الصعبة بين غرس القيم في الأبناء والتأثير الإيجابي فيهم، ولكن الحل يكمن في الصداقة، فعندما اعتبر ابني صديقي سأنجح في التأثير فيه، والعكس صحيح، حيث سأخسر ثقته وقد يطيعني خوفاً وليس اقتناعاً». أنشطة مفيدة وترى الدكتورة مريم حسن آل علي، عضوة هيئة التدريس في كليات التقنية العليا في الشارقة، أنه على الأسرة إدراك دورها في التربية والتوجيه وألا يتوقف عندما يكبر الأبناء قليلاً، فالبعض يظن أن الأبناء في سن الشباب لم يعودوا بحاجة لأسرهم، بينما تكون حاجتهم أكبر، ولابد للأهل من الاهتمام باستغلال أوقات الفراغ لدى الشباب وشغلها بأنشطة مفيدة.واعتبرت الدكتورة شيخة العري، أستاذة مساعدة في كليات التقنية العليا في الشارقة، أنما حدث مؤخراً من ظروف مستجدة بسبب «كوفيد 19»، وألزمنا بالبقاء في المنازل مع الأبناء، كان بمثابة الصعقة الكهربائية التي أشعرتنا بالفعل بأهمية الأسرة، وضرورة الاقتراب والتواصل الحقيقي مع الأبناء. فالأسرة هي الأساس الذي نبني عليه كل القيم والسلوكيات، وهي البيئة الأولى الحاضنة للطفل، ولابد أن تكون لدى الأسرة خطة لقاء واحتواء للأبناء. الاهتمام بالجوهر «نحتاج لرفع درجة الوعي في المجتمع، فقد شغلتنا المظاهر عن الأساسيات حتى كدنا أن نساها».. هكذا علقت الدكتورة سعاد المرزوقي، أكاديمية في جامعة الإمارات، مبررة أن الزواج هو تأسيس أسرة واعية قوية ملتزمة، وليس حفلاً باهظ التكاليف فحسب، وإنجاب طفل مسؤولية كبيرة، فهو يحتاج للتربية والتوعية والتوجيه، وليس حفلاً للولادة وحلويات وزينة ومظاهر خادعة، ودخول الطفل للمدرسة، ليس للتباهي عبر وسائل التواصل بمدرسته المميزة؛ بل ليكتسب علماً وخلقاً ينفع بهما وطنه، وعلينا أن ندرب أنفسنا على الاهتمام بالجوهر، لا بالمظاهر. ومن واقع تجربتها، تحدثت فاطمة علي العويس، مديرة روضة ومدرسة أسماء، عن ضرورة أن يكون الأب هو القدوة في التربية والتنشئة، ودور المدرسة يعتبر دوراً تكميلياً وتعزيزياً لدوره الأساسي، ولهذا لطالما اشتكينا من وجود حلقة مفقودة بيننا وبين أولياء الأمور، حتى في مجالس أولياء الأمور، وللأسف كان عدد قليل من أولياء الأمور يحضرون، على الرغم من محاولاتنا المستمرة لتحقيق هذا التواصل الذي نلمسه اليوم بشكل كبير بعد تطبيق تجربة التعليم عن بعد. حجر الأساس وقالت بدرية بو كفيل، مديرة الشؤون الإدارية والاجتماعية ب«مساكن الراحة»: «تبدأ الأهمية الحقيقية منذ بداية تكوين الأسرة، فالاختيار الصحيح القائم على التكافؤ والقيم والصلاح والوعي والتفكير، هو حجر الأساس الذي يقوم عليه كيان الأسرة»، مضيفة: «ففي بداية الزواج يضع الوالدان خطة واعية لأساسيات التربية الحديثة، قائمة على المشاركة بين الأبوين والصبر وتحمل المسؤولية وتصنيف الأدوار الجزئية والكلية بالاتفاق بينهما، ضمن متطلبات الحياة المتطورة والمتسارعة على قواعد من القيم ومكارم الخلق والمسؤولية الفردية والمجتمعية ضمن تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف. حقائق كثيرة أما ناعمة الهاشمي مستشارة نفسية وأسرية وزوجية، فحدثتنا قائلة: «على الرغم من سلبيات وصعوبة تجربتنا مع تداعيات «كورونا»، فإن ما حدث فتح أعيننا على حقائق كثيرة، منها أهمية الأسرة وضرورة تفعيل دورها، فقد عشنا لسنوات في اغتراب أسري حقيقي، لا يكاد أحد يعرف شيئاً عن الآخر». حملات التوعية ضرورة كبرى كان لا بد أن نستمع لآراء الشباب، فهم الجيل القادم الذي سيبني أسراً في المستقبل. فقد أكد سلطان الزرعوني، ومياسة داوود آل علي، وحمد سعيد وسارة أحمد مشابج، ومنى البلوشي وجميعهم طلبة في كلية التقنية العليا، أن الحملات التوعوية ضرورة كبرى للأسرة، وخاصة الشباب المقبلين على الزواج، وإن أردنا أن نبني مجتمعاً متماسكاً مبدعاً متميزاً، فعلينا أن نبدأ من الأسرة؛ لأن الأبناء امتداد حقيقي لآبائهم من خلال اكتساب السلوكيات والأخلاقيات الصحيحة، والالتزام والانتماء للوطن.
مشاركة :