في إطار التعاطي مع فايروس كورونا المستجد، وخلال التجربة القسرية للتعايش معه في بعض البلدان التي وجدت في عملية الحظر نتائج اقتصادية لا تقلّ ضررا عن الجائحة، زاد تنبيه السلطات الصحية على ضرورة التباعد الاجتماعي كأداة للسيطرة على انتشار الفايروس والحدّ من ضراوته. التباعد المكاني، أو التباعد الاجتماعي، إجراءات لمكافحة العدوى غرضها إيقاف انتشار الوباء أو إبطائه، في غياب العلاجات الدوائية، وتبدو فكرة التباعد مكروهة لدى المجتمعات العربية، وهي التي اعتادت على مستوى ربما يفوق غيرها من التواصل العميق والتشابك المعقد. يقال إن التباعد الاجتماعي قد يكون يسيرا في المجتمعات التي تجذرت لديها النزعة الفردية، لكنه يشقّ على المجتمعات التي تتشارك أفراحها وأتراحها في ترابط وتعانق، يزيد ويتسع حسب كل مناسبة وطبيعتها، ويبدو فكرة غير ممكنة وربما سخيفة بالنسبة لهم. لذلك يستحث البعض على استبدال التباعد الاجتماعي بالتباعد الجسدي، لما قد يستثيره في النفوس من استفزاز ثقافي، أو خوفا من انعكاساته السلبية اللاحقة على العلاقات الاجتماعية وتهديد استقرار المجتمعات وتماسكها. وقد نبه الباحث السعودي جمال العقاد إلى أن “مصطلح التباعد الاجتماعي خطأ جسيم، ستكون له تبعات سلبية، ولا بد من استبداله بمصطلح آخر أقرب للواقع مثل التباعد الاحترازي، مؤكدا “أن ترجمة المصطلحات الأجنبية الحرفية غير ملزمة لنا”. التحذيرات جاءت في مواجهة متخصصين يشجعون على الالتزام بجرعات مخففة من التباعد الاجتماعي، ليصبح جزءا من السلوك العام، حتى بعد انقضاء الجائحة، بوصفه سلوكا صحيا ينجو بالبشرية من تهديد غير مرئي وغير متوقع. المجتمعات تهندس سلوكها من جديد على وقع ما فرضته الجائحة من شروط معيشية جديدة لتجنب الخسائر الفادحة. “من فضلك اترك مسافة بينك والآخرين” أصبح شعار المرحلة، وتواجهك هذه العبارة في كل مكان تذهب إليه. لا توقعات بنهاية قريبة للأزمة، ربما تطول وتتعمق هذه العادات الجديدة في سلوك المجتمع، وتصبح المسافات بين الناس طبيعة مألوفة وظاهرة غير استثنائية، لاسيما وأن الحكومات إلى جانب التشجيع على التباعد، فرضت عقوبات مخالفات على المخالفين ونشرت متطوعين لتنظيم عملية التباعد وإرسائها في مفاصل المجتمع والفضاءات العمومية. في إيطاليا، قامت هيئة الحماية المدنية بالتعاون مع الحكومة بتنظيم 60 ألف متطوع لتذكير المواطنين بارتداء الكمامات والحفاظ على التباعد الاجتماعي. وفي السعودية أغلق أكثر من 70 مسجدا لمخالفته الإجراءات الوقائية وتساهله في تنظيم عملية التباعد أثناء أداء الفريضة داخل المسجد، الذي يمثل ذهنيا وعمليا أكثر البيئات الراعية لترابط المجتمع المسلم وتمتين العلاقات بين أفراده. كما أعلنت السلطات الأمنية السعودية تغليظ العقوبات ضدّ المخالفين وفرضت غرامات تصل إلى 100 ألف ريال. وشدّد الأكاديمي سعد البازعي على ضرورة التباعد الاجتماعي، لكنه اعتبرها ضرورة مرحلية، وأن “الأوبئة تأتي وتذهب لكن التقارب الاجتماعي يبقى عمادا للحياة الاجتماعية الطبيعية”.
مشاركة :