الرواية النسوية أثرت المشهد السردي خاصة بعد سقوط السرديات الكبرى واختفاء الثنائيات، الذات والموضوع، الذكر والأنثى، الأنا والعالم. غير أن مصطلح الرواية النسوية والرواية النسائية بقي شائكا لدى العديد من النقاد ولا يتم التفريق بينهما، وكتابة المرأة والرجل عن المرأة عموما تنتمي إلى النسائية، ولكن ليس كل ما يكتبانه نسويا بالضروري لآن الأخير موقف بالضد من الأبوية وضد التمييز الجنسي أو بمعنى التحدث عن المسكوت عنه، وبما يتعلق بقضايا المرأة. رواية "ليلة هروب الفراشات" للقاص والروائي عبدالكريم الساعدي تقع ضمن الرواية النسوية التي تفضح السلطة الذكورية المتمثلة برجل الدين الذين يستبيح كل شيء من أجل تحقيق رغباته، عتبة عنوان الرواية "ليلة هروب الفراشات" دال زمني، المتن الحكائي مدلوله أي ليلة هروب الفراشات ماذا حدث المتن الكائي جوابه، لقد قسمت الرواية إلى ستة اقسام (أب / 2017 من فضلك، قف دقيقة صمت إنك في كوجو)، (آب/2014 )، (آب/ 2015 )، (آب/ 2016 جيهان)، (آب / 2016 كاترين)، (آب/ 2017 ها أنا اتدثر بغبار الموت والحياة)، اثنان منهما اشتركا بالسنة 2016 و2017 ومعلوم أن هذه السنوات الأربع هي فترة سيطرة تنظيم داعش على قرية كوجو، ثم نجد أن شهر آب (أغسطس) هو تاريخ سقوط القرية قد تكرر حتى مع السنة 2017 بالرغم أن كوجو محررة في هذا التاريخ، فالساردة هنا تتكلم عن أحداث حصلت بعد زوال الاحتلال، تناوب على السرد ثلاث شخصيات فهي رواية متعدة الأصوات أو ما اصطلح عليه بالرواية البوليفونية (Polyphonic Novel).سردت كاترين مئة وست عشرة صفحة من مجموع صفحات الرواية البالغة مئتين وثمانية وثمانين في حين سردت جيهان ستين صفحة، أما أمل فسردت ست صفحات فقط، كاترين هي الشخصية الرئيسة في الرواية والحدث السردي يبدأ من النهاية من خلال الساردة أمل سنة ألفين وسبعة عشر في شهر آب/أغسطس أي بعد تحرير قرية كوجو بشهرين لآن الأخيرة حررت في الخامس والعشرين من آيار/مايو، غير إن المتن الحكائي يبدأ من سنة ألفين وأربعة عشر / في شهر آب / عندما سيطر داعش على قرية كوج، والساردة الشخصية الرئيسة كاترين التي تتعرض للسبي، إن درامية الحدث هنا استوجبت استخدام ضمير المتكلم الأنا وكذلك الحدة في المشاعر لقدرته على تصوير العالم الباطني لشخصية تتحدث عن ذاتها فهي واحدة من شخصيات الرواية تعرف ما تعرفه الشخصية لأنها هي، وهو ما يسمى بالرؤية الداخلية (Internal Vision) . إذن التبئير داخلي فالساردة تروي لنا ما وقع لها أو شاهدته، ورد في النص ص24 "ينقل الأم إلى القناة يحمل طفلتها، يضعها على ذراعها، نثر دمعه عليهم واعتذر، ليتوارى خجلا من عيون أرهقتها الأحلام، يعود إلى قريته خائبا، مخذولا متأبطا تساؤلا ربما لا يجد له جوابا"، الساردة تحكي بعد رحيل المسلحين والتي كانت معهم "بعدما اطمأن لرحيل المسلحين" وهذا ما لا يتفق وطبيعة السرد لأن التبئير داخلي، وقد تكررت هذه الإشكالية في صفحات عدة منها ص29 وفي ص 286. إن الساردة في المتن الحكائي ركزت على عملية الاغتصاب وقد كررت سرد المشهد ذاته وبأشكال مختلفة مرات عدة لتظهر بشاعة المجتمع الذكوري الذي تعيش فيه ولم يطرح في المتن الحكائي قضايا اقتصادية أو ثقافية التي تعاني منه المرأة في المجتمعات الذكورية لكن في حوارها مع الشيخ تقول: "العقل الشرقي من الضيق بحيث لا يفهم الشرف إلا من خلال ثقب صغير" أي إن المتن الروائي يركز على شيء الساردة تقول عنه هذا لا يعني شيئا، وبالتالي يكشف لنا تناقضا واضحا متجذرا حتى في شخصية المرأة الساردة داخل بنية المجتمع. ثم إن شخصية هذا الشيخ الرجل الصالح العجائبية الذي يظهر لكاترين مرات عدة بلا اسم أو رسم ليوحي أن الأديان الحقيقة تدعو إلى الخير مهما اختلفت أسماؤها عكس هؤلاء المحيطين بها، في النص ظهر الشيخ أكثر من عشر مرات لكن حضوره الفعلي لكاترين بقي بين المخيلة والحقيقة لدى المتلقي. يقول: في حواره مع كاترين: "الوجود لا يخضع لمقياس مادي طالما يفضي إلى الهلاك – أنا لست حارسا للقدر- أكتب مأساتكم وأطلق صراخكم في آخر الزمان". ثم إنه دائما يطلب من الضحية (كاترين) الصبر حتى يأتي الفرج. وفي حوار آخر ص238 تقول كاترين: "لقد تخلّى الجميع عنّي لا رسائل ولا زيارة لشيخي لقد أخلفا الوعد وغابا". وفي ص 269 كاترين تسأل الشيخ: هل سننجح يا شيخ؟ - بمشيئة السماء المفارقة أن الضحية في الختام تموت، ولم يأتها الفرج بالحسابات المادية، ولم يقف بالضد من القدر مثلما قال. ثم إن حضور الشخصية الأبوية (paternalism) في هذا النص هو بالضد من توجهات الرواية النسوية والأدب النسوي عموما لآن الأخير يسعى إلى تقويض المركزية. في هذا النص الروائي لم يهمل وصف ملامح الشخصيات الرئيسة من الخارج جاء تباعا في المتن الحكائي أي بمعنى لم يأت دفعة واحدة بل كان بين وفترة وأخرى نتعرف إلى أحد ملامح هذه الشخصية أو تلك نعلم أن كاترين نحيلة في ص27 "أتأمل جسدي النحيل" ونعلم أن عمرها سبعة وعشرون عاما في ص63 "الليلة الثانية كاترين 27 سنة"، ونعلم أن شعرها أسود في ص 137 "ضفيرتي السوداء"، ونعلم أن لون شفتيها وردي في ص 195 "وفي لون الشفتين الوردي"، غير أن السارد أحيانا كثيرة يرى بعينه وليس بعين المتلقي فهو يعطي أوصافا عامة على الشخصيات رآها هو ولم يرها المتلقي من قبيل قبيحة أو جميلة أو ذي رائحة كريهة علما أن الصفة الأخيرة نعت بها كل رجال التنظيم. لقد تشابهت لغة السرد لدى الشخصيتين الرئيستين كاترين وجيهان لأنهما واجهتا الأحداث ذاتها، وإن اختلفتا في المساحة السردية الزمنية، فكاترين سردت أحداث أعوام 2014 و2015 و2016 بينما جيهان شاركت بسرد جزء من أحداث 2016، أما أمل فكانت الأقل مساحة على الورق في سرد أحداث 2017 ولقد كانت اللغة الشعرية حاضرة لديهن وكثيرا ما استخدمتا اللغة الانزياحية، ولم نستشعر الفرق بينهما كثيرا وتأتي لديهن أحيانا متعالية لا تتفق وطبيعة الشخصية.
مشاركة :