منذ ظهور جائحة كورونا حرصت القيادة السعودية على تمليك الحقائق للرأي العام، والكشف بكل شفافية ووضوح عن الموقف الصحي في السعودية، قناعة منها بأن التزام جانب الحقيقة والوضوح هو أول المداخل لمحاربة الفيروس والقضاء عليه، وأن مشاركة المعلومات الطبية مع الدول الأخرى والمنظمات الدولية المتخصصة تقتضي الإفصاح عن الوضع الحقيقي؛ لذلك حرصت وزارة الصحة السعودية على عقد مؤتمر صحفي يومي، يتم فيه تمليك المعلومات الموثوقة لأجهزة الإعلام، وتنوير المواطنين بالأوضاع، وإيصال الإرشادات، وشرح الاحتياطات والتوجيهات الواجب اتخاذها والالتزام بها. ظلت تلك المؤتمرات تحظى يوميًّا بمتابعة متزايدة؛ وذلك عطفًا على الأسلوب الذي تُدار به، الذي يجمع بين البساطة في تقديم المعلومة مدعمة بالأرقام والوقائع، والحرص على إيضاح التفاصيل دون تعقيد أو تسويف، وفي الوقت ذاته شرحها، وتبيان تفاصيلها ومدلولاتها دون ميل إلى اللغة الإنشائية والعبارات الفضفاضة أو الكلمات التي تحتمل أكثر من معنى؛ فكل الكلمات تحمل معاني محددة، ومدلولات لها مدى معين. في كثير من تلك المؤتمرات كان وزير الصحة، الأستاذ توفيق الربيعة، يحرص على الحضور رغم كثرة مشغولياته، وتعدُّد مهامه؛ لينقل الواقع بكل مصداقية، ويشرح وجهة نظر وزارته، وينقل توجيهات القيادة للمواطنين، ويكشف عن آخر الإجراءات المتخذة لتطويق المرض، ومنع انتشاره، ويجيب بتواضع حقيقي عن أسئلة الإعلاميين واستفساراتهم.. لكن من واقع مسؤولياته المتعددة، وإشرافه على الوضع الميداني في جميع مناطق السعودية، وما تستوجبه طبيعة مهامه من تواصل مع المنظمات الدولية المختصة، تصدى المتحدث باسم الوزارة، الدكتور محمد العبد العالي، للمهمة، وظل يدير تلك المؤتمرات؛ فوجد استحسانًا كبيرًا لحضوره الإعلامي اللافت، وحسه الإنساني الذي يتجلى بوضوح في نبرات صوته، وحرصه على تثقيف المستمعين وإرشادهم، وميله إلى عرض الوضع مدعمًا بالأرقام والشواهد، وتحديد العواقب التي قد تنجم عن عدم الالتزام بالإرشادات، كل ذلك بكلمات واضحة، وأسلوب مقنع، دون إسراف في استخدام الكلمات أو ميل إلى الثرثرة. من اللافت كذلك في طريقة تعامل المتحدث باسم وزارة الصحة إدراكه أهمية وسائل الإعلام الجديد، والدور الذي تلعبه وسائط التواصل الاجتماعي؛ لذلك يحرص على التواصل معها خلال مؤتمراته الصحفية؛ فإضافة إلى اهتمامه بإيراد الأرقام الواضحة، وتحديد أعداد المصابين يوميًّا، وأماكن الإصابة، وأرقام المتعافين، والحالات الحرجة والنشطة، وعدد المتوفين، يتم تقديم كل ذلك في شكل رسومات جرافيكس، توضح تلك البيانات بسهولة تامة؛ وهو ما ساعد وسائل الإعلام بكل أنواعها على القيام بدورها على الوجه الأكمل. في الماضي كان البعض يتعاملون مع مثل هذه المؤتمرات الصحفية على أنها واجب رسمي، وينظرون إلى المتحدثين باسم الوزارات والهيئات الحكومية على أنهم مجرد موظفين، يؤدون مهامَّ محددة، لكن هذه الاعتبارات والتصورات النمطية اختفت في التعامل مع مؤتمرات وزارة الصحة بسبب الاعتبارات الوارد ذكرها أعلاه؛ وبذلك تكاملت لها عناصر النجاح كافة. ختامًا، فإن ما تقوم به وزارة الصحة ينبغي أن يتحول إلى تجربة، تستفيد منها بقية الوزارات في تأهيل المتحدثين باسمها، وتدريبهم على الإعراب عن توجهاتها، وشرح الخدمات التي تقدمها.. فإذا ما توافر الحضور الإعلامي، والإلمام بالحقائق، والموهبة في عرضها، فإن المهمة تصبح سهلة ميسورة. وكلي ثقة بأن وطننا المعطاء به أعداد كبيرة من الكفاءات التي يمكن أن تبدع في هذا المجال، لكنها فقط تنتظر الفرصة المناسبة.
مشاركة :