التفكيك في قصيدة «أنثى المجاز» للشاعر البحريني علي النهام

  • 6/13/2020
  • 01:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

نص «أنثى المجاز» للشاعر البحريني علي النهام ينتمي إلى «أدب ما بعد الحداثة» وهو مصطلح ساد في الفترة من بداية السبعينيات حتى أوائل التسعينيات من القرن المنصرم، حمل أيديولوجيات أدبية قوضت صرح الحداثة وتياراتها المختلفة كالبنيوية واللسانية والأسلوبية لتحل محلها التفكيكية التي تجنح إلى الخروج عن المألوف على مستوى التراكيب والأخيلة والمعجم .(أنثى المجاز) عنوان يكتنفه الغموض، لكنه غموض يغري بالولوج إلى عالم النص والتهامه، والأنثى التي سكنت العنوان لم تكن سوى القصيدة، التي أخذت أنوثتها المعنوية من لفظها (قصيدة) من طرف، ومن أنها وطن لكل النساء من طرف خفي. يقول الشاعر :موحّدَ القلب جئت من دمي، انفصلتكل النساء، وكانت وردي الدينينص يحمل ملامح وتجاعيد الشاعر السوري اللبناني الكبير أدونيس؛ حين تماثلت الانزياحات التصويرية والاستعارية والحقول الدلالية فإذا بالغيمةتصب في شفة الأزهار قبلتهافيرقص العطر في ثغر البساتينويستحم بنهر الضوء مبتهجاسرب الفراشات بين الحين والحينأنثى المجاز نص رسم بحرفية عالية فاستغرق كل سمات (أدب ما بعد الحداثة ) حين يدهشك هذا الغياب، ويفغر فاك المعنى الذي ما قاد إليه سابق لفظ أو تركيبوجدتي النخلة الكبرى تعاتبنيعلى صلاتي ولم آت بآمينلتكون جملة، تحمل للترميز أكثر من وجه، وللتفكيك كل تقويض، والخيال كل براح، فليس أليق من الإشارة للموروث القديم بـ(جدتي) وليس يخفى أن الصلاة اتباع، وأن عدم التأمين تحرر وتمرد، برهنت عليهما هذه النبتة اليقطينية حين قال الشاعر على لسانها:يا جدتي نشوة الألوان تسكرنييا للعراء إذا ما جف يقطينيانظر كيف ظفرت الأفعال (تصب – يرقص – يستحم) بحركية الصورة، وحيويتها.وإذا كنا قد سلمنا بأن سمات (أدب ما بعد الحداثة) قد تحققت في النص، فإن التناص يعد برهانا آخر على ذلك، لكنه (تناص متحرر) إن صح التعبير أقرب إلى التَّماس مع مفردات وتراكيب القرآن لمحًا من نحو: (السنبلات الخضر – إسّاقط - انتبذت- قصيّ). ولعل من أظهر ما يجذبك في نص( أنثى المجاز) هذا التنوع المدهش بين القص والحوار، والخبر والإنشاء، حتى لكأننا في واحة غناء من فنون الأدب: شعرا، وقصا، ومسرحةأتذكرين صلاة الضوء نفرشهاأتذكرين دموع الوجد نسكبهاكم أنبتت شجرا في قلبي الطينيكم سلسلت قمرا في ليل غربتناوعلقت وترا في نص تلحينيثمة حقل دلالي مقتحم، ملؤه الشجن والليل والغربة والبعاد، انتقى الشاعر مفرداته بعناية وتمحص شديدين؛ فاستبعد (صلاة كنا نفرشها) «كما وردت في بعض نماذج النص ومسوداته» وأثبت (صلاة الضوء نفرشها)، كما استبعد (دموعا كنا نسكبها) وأثبت (دموع الوجد نسكبها)؛ فكأن شاعرنا وهو يروم تصويرا حيا ماثلا للعيان قد زهد في فعل الكينونة الماضي ليكتب للخيال في النص استمرارا وحيوية، كما كان رفيقا بالمتلقي الذي أثخنته مفردات الوجع حين نزع (علقت وترا في نصل سكيني) وأثبت (علقت وترا في نص تلحيني) مكتفيا بمفردات الوجع في هذا الحقل الدلالي المتسق.أنثى المجاز سبك يأخذ من القديم إطاره بحرا بسيطا يناسب الرقة والعزوبة اللتين تشيعهما القصيدة، ويتمرد على القدماء صورا وتخييلا ليتاجر بالانزياحات التصويرية والاستعارية في تفكيك المعنى إلى معان يتلقفها المتلقي فيترجمها ترجمة ربما خالفت تراجم الآخرين وتلك غاية (جاك دريدا) العظمى من تفكيك النصوص؛ فللمتلقي أن يفكر في علة اقتران الربيع بوجه الأرصفة!!، ومغزى أن يكون طرف الصورة الأول طفلة، وطرفها الثاني (امتداد الضوء في عيني)!!وفي نسبة (المجاز) القصيدة وجوه: فهي -القصيدة- مجاز لقلوب وعقول المتلقين، وهي مجاز إذا تجافي تراكيبها الحقيقة إلى الخيال، وربما كان الفاعليات سوق (ذي المجاز) الأدبية نصيب في تفكيك العنوان.حتى إذا وصل النص أمتاره الأخيرة توقف التفكيك وبانت أنثاه على حقيقتها قصيدة شعر تغني بجمالها وألحانها حلم الشاعر.شمسي الأخيرة قامت في الندى جملاقصيدة وردة حلما يغنينيأنثى من الضوء ذابت في فمي صوراواسّاقطت مطرا يروي عناوينيهدأت عاصفة التفكيك، وأوشك النص يبوح بكل أسراره فاتحدت الذات الشاعرة مع القصيدة حتى قال (فأرويني) في: (صوتي ويسكبني عذبا فأرويني).سفينتي الشعر والأحلام أشرعتيووجهتي حيثما الموج يلقينيبهذا الخروج بتعبير الأندلسيين يكون النص قد كتب وثيقة خلوده وبرهن على أن الشعر العمودي قادر على السير في ركاب الحداثة وما بعدها، لأنه يحمل في طياته جينات بقائه.كاتب وناقد من جمهورية مصر العربية 

مشاركة :