سينما الأبطال الخارقين ترسّخ الهيمنة الثقافية | نرمين صلاح القماح | صحيفة العرب

  • 6/14/2020
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

تُعدّ الثقافة سلاحًا خطيرًا في أيدي القوى العظمى يمكنها من خلاله فرض هيمنتها على العالم، ومن أكثر الأسلحة الثقافية خطورة نجد سلاح الصورة، الذي تستغله هذه القوى لتمرير أنساق ثقافية تدعو إلى الهيمنة والإمبريالية والتوسّع الإمبراطوري، خصوصًا بعد اندثار وسائل الاستعمار التقليدي بكافه أشكاله. فالصورة ليست مجرد نسق أيقوني يحمل معنًى وقيمًا جمالية فقط، بل تتعدى وظيفتها الفنية لتتحول إلى نصوص خطابية ذات قيمة تفاعلية مفعمة بالقيم الثقافية والأنساق الخفية التي تهدف إلى توصيل معان أيديولوجية وسياسية واستعمارية في المتلقين. تتعدد الوسائط التي تعتمد على الصورة، فمنها ما هو ثابت مثل القصص المصورة “الكوميكس” ومنها ما هو متحرك “أفلام السوبر هيروز” لاعتمادها على وسائل تكنولوجية حديثة من سينما وتلفزيون وإنترنت وجرافيك وغيرها من المؤثرات الصوتية والضوئية والبصرية القادرة على تأويل الصورة وشحنها بأخطر الحمولات الثقافية. وقد أدرك النقاد الثقافيون هذا الأمر وطرحوا مصطلحات مثل “ثقافة الصورة” و”ثقافة التلفزيون” و”ثقافة وسائل الإعلام”. الصورة قادرة على تسريب محاولات الهيمنة وصناعة العنف عبر الأفلام السينمائية. وقادرة أيضًا على ابتكار ثقافات جديدة عابرة للقارات، فنجد مثلاً سلسلة أفلام السوبر هيروز الأميركية هي أحد أنواع الثقافات “عابرة القارات”، فهي توجه المشاهد في جميع الدول إلى توجهات جهة معينة تسعى للهيمنة على الثقافات الأخرى بما تمتلكه من قدرة على إنتاج مادة فيلمية عالية المستوى وسريعة التوزيع والانتشار، وبالتالي تكون هذه المواد وسيلة للتمهيد لسياساتها الإمبريالية وتثبيت نفسها وقيمها الجديدة لدى المتلقين في كافة أنحاء العالم في ذات الوقت مما يضمن لها الدعم والتأييد وتبرير أفعالها السياسية حول العالم، ومن ثم تعد “ثقافة الصورة” أحد أهم أركان القوى الناعمة للدول الاستعمارية الكبرى. كابتن أميركا في مجال “نقد ثقافة الإعلام” يعدّ أستاذ الفلسفة الأميركي دوجلاس كِلْنر (Douglas Kellner) رائدًا له وصاحب العديد من الطروحات في هذا المجال، أهمّها كتابه “ثقافة الميديا: الدراسات الثقافية، الهوية والسياسة بين الحداثة وما بعد الحداثة” (1995). هذا الاتجاه الذي يصنف ضمن مجال أعمّ هو مجال “الدراسات الثقافية”. لقد حاول كِلْنر من خلال طرحه مصطلح “ثقافة الميديا”، أو ثقافة الوسائل، كسر الفواصل التقليدية بين الثقافة وعناصر الاتصال الحديثة، حيث يُنظر للثقافة بوصفها إنتاجًا لنشاط بشري، كما يُنظر في وسائل توزيعها الميدياوية، واستهلاكها – استقبالها من طرف المتلقّين، وما ينشأ عنه من تفاعل. هذا التفاعل “الذي يحدث كنتيجة لتدخل الوسائل في تشكيل أفعال الاستقبال، أي في تصنيع التلقي، حيث تجري عمليات تسليع الثقافة مع دمج الناس في مستوى واحد وتعميم هذا النموذج مما يحقق تبريرًا أيديولوجيا لمصلحة الهيمنة الرأسمالية، ويتولى إقحام الجماهير في شبكة المجتمع العمومي والثقافة العمومية”. في صناعة السينما الأميركية يتشكَّل مفهوم “الهيمنة الثقافية” وتتمُّ هيكلة الوعي الفردي والجمعي لدى الشعوب، وتصدير صورة الفرد الأميركي القويّ ودولة القيم والعدل عبر الصورة. حيث تتحكّم وسائل الإعلام البصرية وسينما هوليوود في آراء المشاهدين وعواطفهم، وتدفعهم إلى تبنّي أفكارها دون وسائط، وبطرق مباشرة عبر الشاشة، لتصل إلى المتلقّي بأبهى تقنيات التصوير وأسرعها إنتاجا وتشكيلا للوعي، وفي صناعة السينما تنافس كبرى شركات الإنتاج في هوليوود الشركات الاقتصادية الكبرى بأميركا، بل تسهم هذه الشركات في نموّ الاقتصاد مباشرة بما تجود به من إيرادات الضرائب، وتسويق الأفلام بمبالغ مالية ضخمة جدّا. شعبية الأبطال الخارقين رجالا ونساء ازدادت مرة أخرى، مع إصدارات جديدة لشخصيات جديدة تحمل أهدافا سياسية جديدة في البداية كان يتم النظر إلى أفلام “الأبطال الخارقين” بوصفها مغامرة تجارية غير محسوبة، أما الآن فقد تحولت إلى واحدة من أكثر الأفلام شعبية وأنجحها على الإطلاق. أفلام “السوبر هيروز – أو الأبطال الخارقين” لم تساهم في صناعة كثير من نجوم هوليوود فحسب، بل تضمنت رسائل سياسية خفية أيضًا، لا يشعر بها الجمهور إلا أنها تعيد تشكيل كثير من مفاهيمهم الخاصة بالسياسة والأيديولوجيا والحلم الأميركي. يشير ذلك الغرام الأميركي بـ “السوبر هيروز” وتلك الجماهيرية التي تعبر عنها الإيرادات عن حلم يسكن الوجدان الأميركي بعدم وجود حدود للقدرة البشرية، ويستطيع الإنسان الأميركي من خلالها التخفيف من قلقه إزاء المستقبل فيما يشبه البحث عن عقيدة تنفي الخوف وتُسكن الطمأنينة بدلا عنه. انتعشت صناعة أفلام الأبطال الخارقين على مدى السنوات العشر الماضية، حيث توسعت تحت مظلة منتجي الروايات المصورة والكوميكس (Marvel و D.C. Comics) واستقطبت تلك الأفلام جماهير أكبر أكثر من أيّ وقت مضى. على مدى السنوات العشر الماضية، جذبت فكرة “السوبر هيروز – الأبطال الخارقين” جمهورا أكبر من البالغين مما حقق لها الشهرة والرواج في جميع أنحاء العالم بشكل لا مثيل له. تم تصوير الأبطال الخارقين في الكتب المصورة منذ رحلة سوبر مان في عام 1938، كنتيجة لتوترات المشاركة الأميركية في الحرب العالمية الثانية، وكان النازيون واليابانيون يشكلون تهديدات هائلة، هذه التهديدات فرضت على المجتمع ظهور مصطلح القوة الخارج عن المألوف، هذه الحاجة إلى قوى شاملة ولدت أبطالاً مثل سوبر مان. بعد ذلك شهدت شعبية تلك القصص تقلبات كثيرة على مدى القرن الماضي، وصدر أول فيلم عن البطل الخارق “سوبر مان” عام 1978، في أعقاب حرب فيتنام وفضيحة ووترجيت الأشهر في تاريخ الولايات المتحدة التي أطاحت بالرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون ودفعته للاستقالة عام 1974. ناقش الفيلم بحرية مساوئ عصره، يجسد البطل الخارق المهاجر “المنقذ” الذي يمثل قيمًا كانت تدافع أميركا عنها قديمًا وهي العدالة والحقيقة. عبَّر “سوبر مان” عن حلم الشعب الأميركي في منقذ صادق عكس السياسيين المخادعين في هذه الحقبة التاريخية؛ ففي أحد مشاهد الفيلم يقول سوبر مان لحبيبته لويس لين “لن أكذب عليكِ أبدًا، عكس هؤلاء السياسيين”. “كابتن أميركا” (Captain America) هو محارب مثالي صنيعة تجربة معملية لإنتاج بطل خارق وطني يضع الآخرين قبل حياته، ورغم أن وجود شخص بهذه المواصفات أمر يصعب تصديقه حاليًا، إلا أنه يمثل “الحلم الأميركي” بزمن أكثر بساطة لم تكن فيه اليد العليا للمؤسسات الرأسمالية والأجندات السياسية. وعلى حد قول جاك كيربي صانع شخصية كابتن أميركا “لم نكن في حالة حرب بعد، لكن الجميع كانوا يعلمون أنها قادمة، ولهذا ظهرت شخصية كابتن أميركا؛ أميركا بحاجة إلى مواطن خارق ورمز للحلم الأميركي”. قبل أن تقرر الولايات المتحدة الأميركية لمن ستنحاز في الحرب العالمية الثانية، كان “كابتن أميركا” قد قرر بالفعل، إذ امتلأت القصص المصورة الخاصة به في أول عدد بمغامراته ضد الزعيم النازي الألماني أدولف هتلر ذاته. الخارقون الجدد أبطال جدد يحققون الهيمنة الثقافية أبطال جدد يحققون الهيمنة الثقافية الفترة الزمنية التالية التي أحدثت طفرة كبيرة في أفلام “السوبر هيروز” واجهت فيها أميركا خطرً خارجيًا جديدًا يتمثل في الاتحاد السوفييتي. الصراع الأيديولوجي وسباق التسلح النووي الذي اندلع بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق خلال فترة الحرب الباردة من فترة الأربعينات حتى أوائل التسعينات ولد خوفًا على مستوى أميركا من الأسلحة النووية. خلال هذه الفترة، ظهرت الندية بين القوتين العظميين خلال التحالفات العسكرية والدعاية وتطوير الأسلحة والتقدم الصناعي وتطوير التكنولوجيا والتسابق الفضائي. ولأن الأبطال الخارقين في كل فترة زمنية يعكسون قضايا عصرهم، ولَّدت الحرب الباردة عددا من شخصيات السوبر هيروز كانت قضيّتهم التي كافحوا من أجلها هي الطاقة الذرية مثال على ذلك “The Fantastic Four” التي ظهرت كقصة مصورة في نوفمبر 1961، و”Spider-Man” وقد اكتسبت شخصيات “The Fantastic Four” قدراتها بعد التعرض لإشعاع كوني في مهمة في الفضاء، وعند العودة إلى الأرض بقدرات جديدة كالتمدد، والاختفاء والتوهج والتدمير تعرض هؤلاء السوبر هيروز إلى التجهم والعزلة الاجتماعية كنتيجة لتحولهم، وبعد التدريب يتعلمون كيف يسخّرون قدراتهم لحماية المجتمع. بالمثل وفي أول صدور لشخصية (Spider Man) “الرجل العنكبوت” والتي ظهرت للمرة الأولى في الكتاب الهزلى للرسوم المتحركة “Amazing Fantasy” العدد الخامس عشر (أغسطس 1962) في العصر الفضي للروايات المصورة، قام كل من ستان لي وستيف ديتكو بتصوير الشخصية على أنه يتيم ترعاه عمته ماي وعمه بن في مدينة نيويورك، يلدغه عنكبوت تعرّض للإشعاع وتم تعديله جينيًا فيمنحه قوة خارقة وخفة في الحركة، والقدرة على التمسك بالأسطح وحاسة قوية لاستشعار الخطر مما يتيح له محاربه خصومه. “الرجل العنكبوت” كان يعبّر في تلك الفترة عن عصر الحرب الباردة وأن القوة النووية يمكن أن تكون مخيفة أو تكون خيره اعتمادًا على الطريقة التي يختارها المرء في استخدامها. الجدير بالذكر أن ذات الشخصية “الرجل العنكبوت” صدر لها إصدار جديد عام 2002 في أعقاب هجمات الـ11 من سبتمبر 2001، والتي استهدفت مركز التجارة العالمي، وتضمن الفيلم كثيرًا من التعديلات قبل طرحه لتقديم العزاء لأهل الضحايا، إذ تم حذف جميع صور برج التجارة خلال التصوير. كما أضاف المخرج مشهدًا جديدًا لتكريم الضحايا، يظهر فيه شخصيات تساعد “سبايدرمان” ويهاجمون الشرير “جوبلن” قائلين “إذا عبثت مع واحد منا، أنت تعبث معنا كلنا” في إشارة لضحايا مدينة نيويورك. الأميركيون استخدموا أبطال القصص المصوّرة للتصدي للنزاعات الدولية في الحرب الباردة الأميركيون استخدموا أبطال القصص المصوّرة للتصدي للنزاعات الدولية في الحرب الباردة مثلما استخدم الأميركيون أبطال القصص المصوّرة للتصدي للنزاعات الدولية في الحرب الباردة، ظهر أبطال خارقون آخرون لمعالجة المعارك التي حدثت في وقت واحد داخل الولايات المتحدة والتي عرفت وقتها بحركة الحقوق المدنية الأميركية (تروشيل). وهي حركة استمرت لعقود بهدف ضمان الحقوق القانونية للأميركيين الأفارقة التي تحفّظ عليها أميركيون آخرون. تلك الحركة التي بزغت في عصر إعادة الإعمار أواخر القرن التاسع عشر، وكان هدف الحركة إنهاء الفصل والتمييز العنصري القانوني في الولايات المتحدة، وحصلت الحركة باستخدام الحملات اللاعنفية الكبرى في نهاية المطاف على اعتراف حديث في القانون الفيدرالي والحماية الفيدرالية لجميع الأميركيين، انتهت الحركة في ستينات القرن العشرين (1968). أصدرت مارفيل للقصص المصورة قصص سلسلة “ستان لي” و”جاك كيربي” سلسلة الأبطال الخارقين “إكس مان” (X Men) وصدر العدد الأول منها في 1963. وتدور قصة “إكس مان” حول مجموعة من الأبطال البشريين الذين لهم قوى خارقة بخلاف باقي البشر. يمكن القول إن سلسلة “إكس مان” بُنيت بأكملها على التوتر العرقي، إذ تجسّد السلسلة بطلين خارقين يؤمن كلاهما بقيم مختلفة تمامًا عن الآخر فيما يخص قضية “المتحولين” التي ترمز إلى حركة الحقوق المدنية للأميركيين، حيث جسد “ماجنيتو” مالكوم إكس، أما “البروفيسور إكس” فرمز لشخصية مارتن لوثر كينج. فقد عاش كلّ من مالكوم ولوثر في ذات الفترة، كان كل واحد منهما خطيبا ملهما لا تنقصه الشجاعة، ولا الحجة ولا الفصاحة، كانا متقاربين في السن، ويحفهما أتباع كُثر، وقد اغتيلا في النهاية في فترة متقاربة. خلال العقد الماضي، ازدادت شعبية الأبطال الخارقين مرة أخرى، مع إصدارات جديدة لشخصيات جديدة تحمل أهدافا سياسية جديدة تتواكب مع طبيعة المرحلة السياسية والاجتماعية التي تمر بها الولايات المتحدة الأميركية، وساعد في ذلك أيضًا ظهور تكنولوجيا السينما مثل تقنية (CGI – Computer-generated imagery) الصور الحاسوبية ثلاثية الأبعاد المستخدمة لصنع مشاهد وعوالم افتراضية ومؤثرات خاصة بالأفلام والمسلسلات، تلك التقنية التي ظهرت في أواخر القرن العشرين. في كتابه “الحرب والسياسة والأبطال الخارقون: الأخلاق والدعاية في القصص المصوّرة والأفلام” (Politics، War and Superheroes: Ethics and Propaganda in Comics and Film ) يحلل مارك دي باولو (Marc DiPaolo) العديد من الأبطال الخارقين في السياقات الاجتماعية والسياسية، محاولاً الخروج باستنتاج مفاده أن الأبطال الخارقين هم نتاج رأي شعبي تم إنشاؤه وكتابته ليأسر عقول الجماهير بقضايا أميركا المعاصرة.بينما يتبنى لورانس ماسلون (Laurence Maslon) في كتابه “Superheroes! ، Cowls، and the Creation of Capes Comic Book Culture” ” وجهة نظر مختلفة بتأكيده على أن الموجة الحديثة من شعبية الأبطال الخارقين تنطوي على عامل لم يسبق له مثيل في ثقافة الكتاب الهزلي ألا وهو تطوير تكنولوجيا صناعة الأفلام الناقلة لها؛ من خلال استحضار الشخصيات الورقية المرسومة إلى شاشة السينما بمساعدة تقنيات الصورة ثلاثية الأبعاد. وهو ما أضاف سببًا جديدًا لشعبية الأبطال الخارقين. في عام 2008 ظهرت سلسلة أفلام السوبر هيرو “الرجل الحديدي” (Iron man)، هذه السلسة التي قامت في البداية على فكرة حرب أميركا ضد الإرهاب، فبعد هزيمة توني ستارك على يد مجموعة من الإرهابيين، عاد من جديد بزي “Iron man” ليلقنهم درسًا شديدًا، في إشارة إلى قدرة أميركا على هزيمة الإرهاب إذا قامت بالجهد الكافي. يحكي الفيلم عن تحول بليونير من شخصية أنانية إلى بطل يسعى إلى السلام. وذلك بعد أن تم اختطافه بواسطة جماعة إرهابية وتمكنه من صنع سلاح عبارة عن بدلة حديدية متطورة جدًا. أبطال من النساء الخارقون صاروا أكثر نعومة لإغراء المشاهدين وإقناعهم الخارقون صاروا أكثر نعومة لإغراء المشاهدين وإقناعهم ننتقل بعد ذلك إلى نموذج للمرأة الخارقة، كان يحمل في طياته العديد والعديد من الرسائل والقيم الأخلاقية. هذا النموذج هو “كابتن مارفيل” (Captain Marvel) والذي ظهر على خلفية أحداث هزت المجتمع الأميركي عامة، وهوليوود خاصة، في أكتوبر 2017 تم الكشف عن مجموعة من الانتهاكات الجنسية بحق عدد كبير من نجمات هوليوود على يد المنتج الأميركي هارفي واينستين والتي انتهت بمثوله أمام القضاء الأميركي وإعلان إفلاس شركته وطرحها للبيع. هذه الانتهاكات أسست لظهور حركة نسائية لمواجهة ظاهرة التحرش مثل حركتي “مي تو” و”تايمز أب” واللتين شكلتا جماعتي ضغط للمطالبة بمساواة في الأجور وتمكينهم في صناعة السينما بشكل أكبر. سقوط هارفي المدوي كان له توابع في هوليوود، فزاد عدد البطولات النسائية والمخرجات بشكل ملحوظ، بالإضافة إلى الإعلان عن مشاريع سينمائية مستقبلية من بطولة وإخراج عناصر نسائية. هذه الأحداث كانت مقدمة لظهور فيلم “كابتن مارفيل” (Captain Marvel)، والذي يمكن إدراجه تحت تصنيف “الأفلام النسوية” (Feminist movies)؛ لأنه يقدم أول قصة أصلية لبطل سوبر هيروز تقوم ببطولته أنثى في تاريخ أفلام “مارفيل”. الفيلم أيضًا تم طرحه بالتزامن مع احتفالات اليوم العالمي للمرأة في الـ8 من مارس 2019، وتدور أحداثه في عام 1995 حول شخصية “كارول دانفيرز- كابتن مارفيل” والتي تجسدها النجمة بري لارسون، وتتحول لواحدة من أقوى أبطال السوبر هيروز في وقت تشهد فيه الأرض صراعًا عنيفًا بين قوتين مدمرتين. حمل الفيلم العديد من الرسائل الإيجابية كقيم لدعم النساء لبعضهنّ البعض، وتعاونهم من أجل التغلب على كل شيء، فهناك التعددية وتقبّل الآخر بشكل رائع في الفيلم، كما أن صناع الفيلم اعتمدوا على اختيار ملابس للبطلة تعتمد في الأساس على حاجتها الخارقة وليس لإظهار جسدها أو لمواكبة أيّ من نماذج الجمال التقليدية، وأخيرًا هذا الفيلم يؤكد على قوة المرأة في المجتمع كعنصر فاعل ورئيس. من العرض السابق يتّضح لنا أن أفلام الأبطال الخارقين لم تكن للمتعة أبدًا، بل كانت أفلام ذات طابع سياسي وأمني وقومي. ترتكز على إظهار مراكز القوة لدى الأميركيين، فنجد تلك الأفلام تستعرض صورا للبيت الأبيض أو البنتاجون أو السلاح العسكري، والمخابرات الأميركية، كما أنه لا يمكن لفيلم منها أن يمر دون أن يُظهر العلم الأميركي في الأحداث، سواء ظهورًا لافتًا يشغل مساحة كبيرة من الصورة، أو عابرًا في لقطة من اللقطات، ممّا يكرّس لدى المشاهد خطاب السلطة والنفوذ عبر السينما. هذه السيطرة والقوة ليست لاستعراض السلاح العسكري دائمًا، بل للهيمنة باستخدام القوة الناعمة، فهي تستخدم السلاح للسيطرة على الأرض وما فوقها وما في باطنها من موارد، والإعلام وفنون السينما للسيطرة على العقول، واحتلال الأرض يبدأ من احتلال العقول. ويبقى أن نقول إن هذا النوع من الهيمنة لا يحدث جبرًا ولا بالإكراه، بل بالقابلية؛ بالقدرة على جعل الناس يقبلون الأفكار برضاء تام يصل حد التعاطف مع المظلوم الذي تعرّض لعمل إرهابي، أو وقع ضحية لعملية خطف، أو قتل. وفي أحيان كثيرة يلجأ صناع الفيلم إلى نماذج قادمة من الشرق ليمثلوا جانب العدوّ الإرهابي بالفطرة. ومن ثم ينظر المشاهدون إليهم نظرة سلبية لا بوعي وثقافة المتلقي، بل بإيعاز خفيّ يقوم به منتجو الصورة ويبعثون “رؤيتهم الاستعمارية للعالم” إلى العقل الباطن للمشاهد. مما يجعل منهم أداة خطيرة في يد الغزو الثقافي الإمبريالي. ShareWhatsAppTwitterFacebook

مشاركة :