إن مشكلة عدم تنفيذ الأحكام فى مصر هى أحد أسباب بطء تحقيق العدالة، وهو موضوع قديم ومتشابك ولكنه على درجة كبيرة من الأهمية تطبيقا لمبدأ سيادة القانون والالتزام بأحكام الدستور.سبق وأن طالب رئيس الجمهورية بتحقيق العدالة الناجزة فقام مجلس النواب بإجراء بعض التعديلات التشريعية فى قانون الإجراءات الجنائية لعلاج مشكلة طول أمد التقاضى، دون الاقتراب من إشكالية عدم تنفيذ الأحكام وباقى المشكلات المرتبطة بها.إبان افتتاح مشروعات المرحلة الثالثة من مشروع بشائر الخير بالإسكندرية، وأثناء استعراض مشاكل أراضى الدولة، ومخالفات البناء التى ارتكبها أصحابها مستغلين ظروف الكورونا.صدر توجيه رئاسى للحكومة والمحافظين ووزارة الداخلية بثلاث مهام أولها، وضع حد لمقاضاة أجهزة الدولة وقطاعاتها لبعضها حفاظا على الصالح العام، والمهمة الثانية متابعة مخالفات المبانى والتعديات الجديدة بالمحافظات المختلفة والإزالة الفورية حتى سطح الأرض، وثالثها، تكليف وزارة الداخلية بتنفيذ الأحكام وضبط المخالفين فوراً.إن إصدار هذه التوجيهات يُعنى حرص الدولة على الالتزام بالدستور وتطبيق سيادة القانون والمساواة فى خضوع جميع الاشخاص والمؤسسات والهيئات العامة والخاصة بما فى ذلك الدولة ذاتها للقوانين مع الاحتكام لقضاء مستقل.إن مشكلة عدم تنفيذ الأحكام تؤدى إلى تعطيل الحقوق والحريات ما يؤثر على الأمن ويهز الثقة فى منظومة العدالة بالمجتمع، كما تفرض أوضاعًا تعيق تنفيذ خطط التطوير والتنمية المأمولة.فهناك دعاوى فى المحاكم مازالت تنظر منذ القرن الماضى بعضها نزاعات بين مؤسسات وهيئات الدولة مما أدى إلى خلق أوضاع استحالة تنفيذ الحكم، وبدء نزاع جديد للمطالبة بالتنفيذ والتعويض.بعض الجهات الحكومية تمتنع عن تنفيذ الأحكام وهو أمر نادر الحدوث فى دول العالم المتقدمة، وهناك بعض الدعاوى أصحابها قضوا نحبهم ومازالت تتصارع الورثة وورثة الورثة بخصوص مشكلات تنفيذ الأحكام.إن لجوء مؤسسات وقطاعات الدولة للقضاء لحل النزاعات بينهم يُعنى فشل قيادات هذه الجهات والسلبية التى يتميزون بها، وضيق الأفق لدى مسئوليها كما يشير إلى تقاعس الحكومة عن أحد الاختصاصات الدستورية المناط بها فيما يتعلق بتوجيه الوزارات والجهات والهيئات التابعة لها والتنسيق بينها ومتابعتها.وعلى جانب آخر فإن استمرار النزاعات فى المحاكم بين الجهات الحكومية يظهر تراجع دور قضايا الدولة فيما يتعلق باختصاصها بتسوية المنازعات بين جهات الدولة وبعضها، ويتوجب عليها الدفاع عن المال العام الذى يهدر نتيجة هذه النزاعات.إن التوجيه بحل مشكلة تنفيذ الأحكام فى مصر هو أمر رئاسى من أعلى قمة السلطة التنفيذية للحكومة للالتزام بأحكام الدستور فيما يتعلق بالاختصاص بتنفيذ القوانين وحماية حقوق المواطنين ومصالح الدولة وتطبيق سيادة القانون فعلا وليس قولا، وهو حلم يراود أصحاب الحقوق الضائعة منذ سنوات.إن تنفيذ الأحكام القضائية هو الثمرة التى تحتاج إلى تطوير، وتحتاج لتعديل التشريعات التى مر عليها عقود، خاصة «قانونى المرافعات والإجراءات الجنائية» باعتبارهما أساس إجراءات التقاضى من بداية الخصومة حتى صدور الأحكام وإجراءات تنفيذها.ربما يحتاج دولاب العمل بوزارة الداخلية لتنفيذ الأحكام للدعم البشرى والتقنى للتغلب على المشاكل المتراكمة لتنفيذ الأحكام، إضافة إلى التعاون والتنسيق مع وزارة العدل وغيرها من الجهات المعنية لإنجاز المطلوب.فمن المناسب تحديد الاحتياجات البشرية فى ضوء منظومة وآليات عمل جديدة بقطاع الأمن العام والجهات التابعة كالإدارة العامة لتنفيذ الأحكام وإدارات وأقسام البحث بالمديريات والأقسام والمراكز.مع إمكانية دراسة الاستعانة بعدد من الحاصلين على ليسانس الحقوق، ومنحهم سلطة مأمورى الضبط وفقا للقانون، للعمل تحت إشراف ضباط البحث، مع مراجعة الدورة المستندية والإلكترونية لقاعدة بيانات الأمن العام بشأن تسجيل الأحكام وتنقيتها.وتوفير المزيد من الأجهزة المتصلة بقاعدة بيانات الأحكام، والربط مع الأحوال المدنية للحصول على محل الإقامة.ويمكن تشكيل لجنة عليا دائمة تضم ممثلين عن وزارتى الداخلية والعدل ومن يرى من الهيئات المعنية لإزالة العقبات واقتراح التعديلات التشريعية، والعرض لمجلس الوزراء لاتخاذ شئونه بغرض تحقيق المستهدف فى أسرع وقت ممكن.إن النتائج المأمولة تتلخص فى الحفاظ على الحقوق والحريات للأشخاص الطبيعيين والاعتباريين على حد سواء، ووضع إطار جديد لتعامل الجميع وفقا لمبدأ سيادة القانون.
مشاركة :