نادر الغول يكتب: أفارقة أميركا وعمى الألوان والفلسطينيون

  • 6/15/2020
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

عاد موضوع العرق والتصريحات العنصرية بقصد أو بدون قصد بعد مقتل الأميركي الأسود جورج فلويد في مدينة مينيابوليس في الولايات المتحدة الأمريكية إلى الواجهة. خلال الأسبوعين الماضيين، احتدم النقاش حول العنصرية في الولايات المتحدة، وللأسف انخرط كثيرون من العرب في الولايات المتحدة – بمن فيهم الفلسطينيون – في الكثير من التعليقات التي تصب في إطار الأفكار العنصرية والنمطية. وقد أظهرت النقاشات أننا كعرب في أميركا والفلسطينيين بالتحديد نمارس العنصرية بأشكال مختلفة، وهذا يتطلب وقفة ومراجعة لتعاملنا مع المحيط الأميركي. العربي إجمالًا يتعاطى بفوقية العرق الأبيض مع الأقليات الأخرى، على الرغم من أنه ليس أبيض بالمفهوم الاستيطاني الاستعماري. إلى جانب أننا كأقلية تعرضنا للتمييز العنصري المرتبط بالأصل والديانة وحتى لون البشرة. وربما من عاشر أحداث ٩/١١ في الولايات المتحدة من عرب يستطيعون الكتابة أكثر عن هذا التمييز. انتقد الكثيرون من العرب حالات الشغب والعنف والسرقات وتدمير الممتلكات من قبل مجموعات صغيرة من الأفارقة السود، تنتمي في معظمها لعصابات وإجرام منظم غير مرتبط بعرق أو لون. هذا أمر مستوعب لحظيًا، فكثيرون من بين العرب تضرروا ماديًان وبالتالي هناك الكثير من الاولويات بالنسبة للمنتقدين، آخرها موضوع العنصرية والأزمة التي يعيشها النظام الاجتماعي والاقتصادي الأميركي وجذور تلك الأزمة التاريخية، فيما يتعلق بالعنصرية خاصة تجاه السود. لكن اللافت والمقلق كان قيام من لم يتضرر من الأحداث بانتقاد حالات الشغب والفوضى والسرقات، مطالبًا القائمين على التظاهرات بإدانة هذه الأعمال من منطلق الحفاظ على صورة جميلة للمظاهرات. هذا النوع من التفكير نمطي وفيه تمييز عنصري حقيقي يصعب استيعابه. فهو مثل مطالبة المسلمين بإدانة كل عمل إرهابي يقوم به شخص باسم الإسلام. في هذا السياق تجدر الغشارة إلى أن أعمال “الشغب والعنف” التي رافقت بعض التظاهرات في المدن الأميركية، لا يمكن أن تناقش بعيدًا عن سياقها الاجتماعي والسياسي، كما يؤكد كثيرون من النشطاء والمختصين، ومنهم مارك لومنت هيل، الذي خسر تعاقده مع قناة سي أن أن بسبب مواقفه المناصرة للقضية الفلسطينية. إن وصف ما حصل في المظاهرات التي شملت 140 مدينة بأعمال الشغب، أمر ينبع من التمييز والقصد منه هو تعزيز الرواية الفوقية للعرق الأبيض، والتي أشعلتها تغريدات الرئيس دونالد ترامب وتلميحاته بنيته نشر الجيش لوقف أعمال الشغب. مضافًا إليها تصريحاته التي لا يمكن إلا أن تفسر باتجاه حرف الأنظار عن أسباب هذه المظاهرات ومحاولة توجيه تهم الإرهاب المحلي لما يحدث من تخريب وفوضى، ولوم هذا “الإرهاب” على حركة لا مركزية لا يوجد لها هيكلية ولا يعرف أعضاؤها، وهي الحركة ضد الفاشية “انتيفا”. وتجدر الإشارة هنا لتاريخ الحركات المطالبة بالحريات المدنية، وخاصة فيما يتعلق بحقوق السود في الولايات المتحدة، والتي تعرف نفسها باعتبارها حركات مدنية غير مسلحة، لكنها استعملت العنف وبادرت إليه احيانًا لحماية نفسها من القتل في الشوارع من قبل مجموعات KKK كو كلوكس كلان العنصرية والتي مازالت فعالة ويدعم قادتها الرئيس ترامب. إصرار البعض على أن موضوع العرق واللون لم يعد له مكان في الحياة العامة الأميركية بعد حركة الحريات العامة، يطلق عليه “عمى الألوان العنصري” في الحالة الأميركية والذي يستخدم من أجل تمييع التمييز العنصري الممنهج الحاصل بالولايات المتحدة الأميركية. حيث زعم أصحاب عمى الألوان العنصري أنه لا مبرر للمظاهرات والغضب وأن التمييز انتهى عصره، وبالتالي لا وجود للعنصرية، وهذا ادعاء يفتقر بشكل مقصود لسياق تاريخي واجتماعي وسياسي عميق. المواطن الأسود منح حقوقًا مدنية كان محرومًا منها لقرون منذ وصوله إلى القارة الأميركية “كعبد” للرجل الأبيض، ولكن التمييز الممنهج لم ينته. ولتوضيح الفكرة أكثر وإعطائها بعدًا زمنيًا، زواج الأعراق المختلفة (يعني أبيض واسود) كان غير قانوني في ولاية ألاباما حتى العام ٢٠٠١، بمعنى أنه يمكن أن تسجن إن كان شريك حياتك من بشرة مختلفة. ولا يمكن نسيان أن الولايات المتحدة وجدت على أسس عنصرية، من أجل الرجل الأبيض، وعليه قوانين هذا الاتحاد شرعت لذلك الغرض. تغيير الاختلال الاجتماعي وإنهاء العنصرية في الولايات المتحدة الأمريكية يتطلب تحطيم هذه الأسس وإعادة صياغة المفاهيم، وهذا ليس تحريضًا على العنف بمفهومهم (الرجل الأبيض). ومن هنا، إذا تبنى العرب، والفلسطينيون بالتحديد المفهوم “الأبيض” للإصلاح المطلوب، وخاصة وسم كل ما نختلف معه كإرهاب فنحن ندين أنفسنا كفلسطينيين وعرب. لا يمكن أن ننكر على غيرنا الحق ومشروعية ممارسة كل أشكال المقاومة للقهر والظلم. أيضًا خلال الفترة الماضية، رفض كثيرون مقارنة صراع شعبنا الفلسطيني بحركة “حياة السود مهمة” الأمريكية بشكل يشي بدوافع عنصرية، رغم تحالف قوى المجتمع المدني العربية الناشطة في الولايات المتحدة مع هذه الحركة وغيرها في النضال من أجل الحقوق والحريات المدنية. دون أن نتجاهل الاختلاف في السياق التاريخي والاجتماعي، لا يمكن أن نغفل العوامل المشتركة الكثيرة للنضال الوطني الفلسطيني وحركة السود الافارقة، وخاصة في موضوع التمييز الممنهج وتعاطي قوات الاحتلال مع الفلسطينيين. ربما يشكل توصيف عامر زهر، الناشط الفلسطيني الأميركي وأحد وجوه حملة بيرني ساندرز الانتخابية السابقة، تلخيصًا دقيقًا للقواسم المشتركة، عندما قال إننا لا نستغرب أن يقُتل الفلسطيني، أو يُدمر بيته أو تصادر أرضه، لاننا لا نتوقع شيئًا مختلفا من قوة احتلالية. وهو نفس الحال بالنسبة للأفريقي الأسود في الولايات المتحدة فهو لا يستغرب تعاطي الشرطة معه ولكن يشعر بالغضب والإحباط من هذا النظام الذي يمارس التمييز منذ التأسيس ومازال. ويعود التحالف والتضامن الفلسطيني – الأفريقي الأسود الأميركي لعقود مضت، وتحديدًا منتصف ستينيات القرن الماضي، عندما أسس السود الأفارقة، حزب “الفهد الأسود” عام 1966 والتي كانت حركة سوداء أفريقية مسلحة تأسست لمكافحة الفاشية والإمبريالية. ربما في عصرنا الحالي كانت أكثر الحالات قربًا وانفتاحًا مع بدء حركة “حياة السود مهمة” بعد مقتل مايكل براون في مدينة فيرغسون بولاية ميزوري عام 2014. تعاطف أي أقلية أو أي إنسان مع قضية فلسطين هو مكسب لهذه القضية ونضالنا. وهي ما اعتمدت عليه حركاتنا الوطنية والمدنية لتحصيل التضامن الدولي مع قضيتنا. لذلك يصعب تقبل أو تفهم الهجوم على فلويد وشخصه من قبل البعض الفلسطيني، الذي اعتبر أن رسم صورة فلويد على جدار الفصل العنصري هو رفع الرجل حسب وصفهم إلى مرتبة الشهداء، وهذا تجني عنصري واضح. الغريب أن الفلسطيني في الأرض المحتلة استطاع أن يتجاوز شخصية الرجل واستطاع رؤية القاسم المشترك بين نضال السود للمساواة والحرية والحقوق ونضالنا ضد الاحتلال، بينما بقي من يعيش هنا عالقًا في عنصرية وفوقية “بيضاء” لم يستطع التخلص منها، مع محاولاته لأن يكون أكثر بياضًا وعنصرية. قبل أيام، أرسلت لي صديقة وزميلة دراسة أفريقية أميركية سوداء رسالة تقول “جميعنا نريد العدالة” مع صورة لإحدى تظاهرات رام الله مع صور جورج فلويد. أمام هذه الصورة الإنسانية المبدأية، لا يمكن أن ترفض المقاربة مع الحفاظ على خصوصية كل حال. المقصود في المقاربة هو المبدأ والمبادئ لا تتجزأ وبالتالي إن لم نتعاطف مع المظلوم والمغبون والمقهور، لا يحق لنا أن ننتظر من أحد أن يتعاطف مع قضيتنا العادلة.

مشاركة :