الكمال عن طريق الرسم | فاروق يوسف | صحيفة العرب

  • 6/15/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

يعرف الصينيون الرسام بأنه الشخص الذي يعرف متى يرفع ريشته عن اللوحة ويقول “انتهيت”. قلة من الرسامين تدرك مدى دقة ذلك التعريف. وهي الأقلية السعيدة التي حظيت بنعمة الخيال الذي هو تاج الموهبة. كثيرون يمكن أن يستمروا في الرسم إلى ما لا نهاية فتفسد أعمالهم. قليلة هي اللوحات التي يقرّ المرء حين يراها بكمالها. وهو كمال يشبه المعجزة. في الرسم شيء يشبه الحب. مراوغ، متعدّد الوجوه لا نشعر بعظمته إلاّ حين نفقده. ذلك ما يُسمّى بالكمال. شعور سابق يمرّ مثل ضربة ضوء تتغيّر بعدها طريقة النظر. غالبا ما نرى رسوما ونشعر أن هنالك شيئا ما يمكن أن يُضاف إليها وهو بالضبط شعورنا حين نحب. حتى أمام لوحات فنان عظيم مثل بيكاسو يكون ذلك الشعور حاضرا. ربما لا يتعلق الأمر باللوحة في حد ذاتها بل بما نراه منها. غير أننا نبحث عن تلك اليد التي تتوقّف عن الرسم حين تكتمل لحظة الخلق، فتكون أية إضافة بمثابة خرق لقوانين الطبيعة. يتأمل الرسام لوحته كما لو أنها ذلك الإلهام الذي صار عليه أن يغادر بعيدا ليختفي. ستكون أسطورة الرسام الخالق بعيدة المنال. لقد تحقّق شيء منها في عصر الباروك. يومها انتهى الرسم. لقد صارت الفواكه التي تُرسم أكثر حياة من الفواكه التي لا تزال في أشجارها. لقد اكتسبت عنصر كمال أضفى عليها طابع الخلود. كان الهولندي رامبرانت ذروة ذلك العصر الذي لن يتكرّر خياله. أمام لوحات رامبرانت يتخلّى الرسم عن غروره لينضم إلى حفلة الثناء على الخلق. لقد وقفت عشرات المرات أمام لوحة صغيرة رسم فيها رامبرانت وجهه في شبابه وكنت في كل مرة أضيع. ذلك لأن جمالا خفيا يصدر عن اللحظة التي رفع الرسام فيها يده عن اللوحة كان يعصف بي ويدفعني إلى ما يشبه البكاء. كان لديّ شعور بأني أشهد ولادة الكمال. تلك لحظة تتجدّد فيها آمال البشرية في حياة أفضل. ShareWhatsAppTwitterFacebook

مشاركة :