أربيل (العراق) - تجلّى مجدّدا الطابع الاستعراضي الذي تحرص تركيا على إضفائه على عملياتها العسكرية التي تقوم بها في عمق أراضي العراق دون تنسيق مسبق مع سلطاته وتضعها تحت عنوان ملاحقة عناصر حزب العمّال الكردستاني في رقعة جغرافية عراقية آخذة في الاتّساع والتمدّد باستمرار. وقامت طائرات مقاتلة تركية ليل الأحد – الإثنين باختراق الأجواء العراقية ونفّذت قصفا على مخيّم للاّجئين على محور مخمور- سنجار بمحافظة نينوى شمالي العراق. وعلى الفور انطلقت الآلة الإعلامية التركية في الترويج لعملية “مكافحة إرهاب” كبيرة وناجحة كما وصفها مسؤولون أتراك متغاضين عن الموقف العراقي. وقالت وزارة الخارجية التركية إنّ العملية التي أطلق عليها اسم “مخلب النسر” مكّنت من “تدمير مخابئ الإرهابيين في الكهوف”، بينما قالت وزارة الدفاع التركية في بيان إن الهجوم هدف إلى “تأمين حدود البلاد وأمن الشعب التركي من خلال تحييد حزب العمال الكردستاني والمنظمات الإرهابية الأخرى التي كثفت من محاولاتها لشن هجمات على قواعد الشرطة والجيش”. وأصدرت قيادة العمليات المشتركة في العراق بيانا استنكرت فيه اختراق الأجواء العراقية من قبل الطائرات التركية، مشيرة إلى قيام 18 طائرة تركية بالتحليق في اتجاه سنجار ومخمور والكوير وأربيل وصولا إلى قضاء الشرقاط بعمق 193 كيلومترا من الحدود التركية داخل الأجواء العراقية واستهدفت مخيما للاجئين قرب مخمور وسنجار. كما شدّد البيان على وجوب “إيقاف هذه الانتهاكات احتراما والتزاما بالمصالح المشتركة بين البلدين”. وأصبحت بيانات الاحتجاج والإدانة هذه، أمرا مألوفا ومتكرّرا بصفة شكلية مع تكرار الخروق التركية للسيادة العراقية، فيما أنقرة لا تعيرها أي اهتمام حتى أنّها ترفض منذ سنوات إزالة قاعدة عسكرية أقامتها في منطقة بعشيقة بالشمال العراقي دون استشارة السلطات العراقية. ويرى محلّلون سياسيون وعسكريون أن التدخلات العسكرية التركية في العراق تتجاوز الأهداف الأمنية التي يمكن العمل عليها بالتنسيق بين البلدين، إلى أهداف سياسية أبعد مدى تتعلّق بفكرة فرض التدخّل التركي في البلدان العربية كأمر واقع وكـ“حقّ” مكتسب تحتفظ أنقرة بممارسته في الزمان والمكان المناسبين لها، وهو ما تحاول تطبيقه في سوريا وليبيا. ويقول هؤلاء إنّ تركيا تعتبر ضمنيا أنّها تمتلك مشروعية المنافسة بكل الطرق والأشكال على النفوذ في العراق إلى جانب الغريمتين التقليديتين في هذا المجال، إيران والولايات المتّحدة اللتين حولتا البلد إلى ميدان لتصفية الحسابات وجعلتاه ساحة مفتوحة للتدخلات الخارجية، الأمر الذي يتيح فرصة لحكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان التي ترى نفسها وريثة للإمبراطورية العثمانية التي كانت ممتدّة على أجزاء واسعة من الأراضي العربية بما في ذلك أراضي العراق.
مشاركة :