حكومة طرابلس تتعمد إهمال قطاع الكهرباء لشرعنة توريد الطاقة من تركيا | | صحيفة العرب

  • 6/29/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

بدأت ملامح الزيارة الأخيرة للوفد التركي بقيادة وزيري الخارجية والمالية إلى طرابلس خلال يونيو الجاري تظهر بوضوح مع تلويح أنقرة باستعدادها لانطلاق شركة كرباورشيب في بناء محطات عائمة في البحر لحل إشكال انقطاع الكهرباء الذي تسبب فيه إهمال حكومة الوفاق من أجل شرعنة توريد الطاقة من أنقرة تفعيلا للاتفاقيات الاقتصادية المثيرة للجدل. ألتينوفا (تركيا) - سلط اعتزام تركيا إطلاق محطات توليد طاقة عائمة في شواطئ ليبيا لحلحلة مشكلة انقطاع الكهرباء الضوء على الأطماع الاقتصادية لأنقرة التي لم تعد خفية، حيث باتت تركيا تستأثر بالنصيب الأكبر من مشاريع إعادة الإعمار والصفقات التجارية المربحة، باستغلال دعمها لحكومة طرابلس للهروب من أزماتها الاقتصادية وتحويل ليبيا إلى ساحة خلفية خدمة لمصالحها وأجنداتها التي تهدد أمن المنطقة. تنكشف أهداف تركيا في ليبيا أكثر فأكثر مع تصريحات المسؤولين وتحركاتهم حيث تتضح دوافع الاتفاقيات المجحفة التي ترهن ليبيا خدمة لأنقرة ومنحها الحق الحصري في الاستثمار في الطاقة والأموال وحقول النفط. ورضخت حكومة طرابلس التي يسيطر عليها الإسلاميون (حكومة الوفاق) لعروض تركيا المجحفة في حق الليبيين حيث لم تعد قادرة على رفض أي شروط بسبب الدعم العسكري والسياسي الذي تتلقاه من أنقرة. وقالت وسائل إعلام تركية إن شركات الطاقة الكهربائية التركية، تستعد لمواصلة أعمالها في إنشاء محطات توليد الطاقة الكهربائية في المناطق التي تسيطر عليها حكومة طرابلس. ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية أن شركة كرباورشيب ستعمل على إرسال محطات عائمة بدءا من هذا الصيف لتوفير ألف ميغاواط، أي ما يعادل ثماني ساعات إضافية من الكهرباء يومياً إلى ليبيا التي تعاني من انقطاع التيار الكهربائي بشكل متواتر. سونر كابتاغاي: هدف تركيا هو الاستحواذ على العقود المستقبلية للطاقة سونر كابتاغاي: هدف تركيا هو الاستحواذ على العقود المستقبلية للطاقة وتأتي هذه التحركات بعد زيارة وفد تركي مهم يترأسه وزير الخارجية ووزير المالية إلى ليبيا في زيارة مثيرة للجدل بدأت انعكاساتها الخطيرة تظهر بوضوح خصوصا مع الإهمال المقصود من قبل حكومة الوفاق لقطاع الكهرباء وتعمدها رهن حاجة الليبيين بالتدخل التركي بعد تدمير ميليشياتها منشآت توليد الطاقة في النزاعات والحروب. ومنذ نحو 15 عاماً، تعمل شركة كرباورشيب في بناء محطات عائمة عبر إعادة تجهيز سفن لنقل البضائع. فصارت تملك أسطولا من 25 قطعة وأضحت إحدى أعمدة هذا القطاع. ومن المفارقات أنّ أزمة الوباء التي شلّت النشاط في شركات عدة، كان لها أثر عكسي على الشركة التركية إذ ألقت الضوء على منافع المحطات العائمة ومهل التسليم التي تصعب منافستها كونها لا تتخطى الستين يوماً. فقد عقّدت القيود التي فرضت لأشهر عدّة في عدد كبير من دول عالم، مسارات إتمام مشاريع الطاقة الكلاسيكية التي تحتاج إلى سنوات عدّة في الأوقات العادية. فاستغل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ذلك إلى جانب دعمه العسكري لحكومة الوفاق من أجل تفعيل سياسته الاستعمارية والاستيلاء على عقود الطاقة، والتمتع بمنح عقود ميسرة وامتيازات كبيرة. وأشارت المديرة التجارية في كرباورشيب زينب هاريزي إلى أنّ “الاعتمادات جمّدت وسط عجز الموّردين عن الالتزام بالمهل وعجز العمّال عن العمل في مواقع البناء”. وأكدت أنّ “الطلب على ناقلات المحطات ارتفع. ونحن الآن في طور التفاوض مع أكثر من عشر دول أعربت لنا عن احتياجات طارئة لديها”. ويرتكز عمل المحطات العائمة على تحويل ناقلة بضائع إلى محطة عائمة، بحيث تبحر نحو وجهتها حيث يتم ربطها بشبكة الطاقة المحلية بهدف تغذيتها. وتمت ملاءمة هياكل هذه السفن مع حاجات الدول التي تفتقر إلى القدرات المناسبة لمواجهة طلب الطاقة المتنامي أو تضرّرت بنيتها التحتية نتيجة نزاعات. في هذا الإطار، من شأن الحرب الليبية التي انخرطت فيها تركيا عبر دعم حكومة الوفاق التي تتخذ من طرابلس مقرّا لها، أن تمنح فرصاً لكرباورشيب التي تجري مفاوضات لإرسال عدد من ناقلاتها إلى الشواطئ الليبية، وفق الصحافة التركية. ويعتبر سونر كابتاغاي من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى أنّ “القوة الموجّهة الأساسية لتدخل تركيا في ليبيا هي الرغبة في أن تكون لها كلمتها في العقود المستقبلية في هذه الدولة، وخصوصا العقود الخاصة بقطاعات الطاقة”. وبالغت الشركة التركية في المخاطرة بهدف الإيفاء بمواعيد التسليم حيث تعمل على بناء محطات عائمة قبل حصولها على طلبات. وتقول هاريزي “الآن، لدينا مليار دولار في المرفأ”، في إشارة إلى المحطات الست ذات الأحجام المختلفة الراسية في حوض في شمال غرب تركيا، “بانتظار توقيع عقود جديدة”. وأوضح مهندس في الشركة دنيز يلتشيندا أنّه “في العادة، ثمة حاجة إلى 18 شهرا لبناء محطة عائمة. ولكن بما أنّنا نعمل بشكل متواصل، فإنّ الأمر يحتاج إلى ستة أشهر فحسب”. في المقابل، يعتبر عدد من المراقبين أنّ المحطات العائمة تمثّل حلولا مؤقتة في أفضل الأحوال، خصوصا للدول ذات البنى التحتية غير الوافية أو المتقادمة. وكانت حكومة طرابلس قد سمحت لتركيا بموجب الاتفاقية المشبوهة بين الرئيس أردوغان ورئيس حكومة الوفاق فايز السراج في نوفمبر 2019، بإنشاء منطقة اقتصادية خالصة تمتد من ساحل تركيا الجنوبي على المتوسط إلى الساحل الشمالي الشرقي الليبي. واصطدمت الاتفاقية بمعارضة داخلية وخارجية كبيرة نظرا لافتقادها إلى كل المشروعية ومنافاتها لقانون البحار الدولي وتعديها على جزيرة كريت اليونانية بين الساحلين التركي والليبي غير أن الرئيس التركي ظل يتمادى في تجاوز المواثيق الدولية وفي تدخلاته اللامشروعة في الوضع الليبي. انخراط تركيا في الحرب عبر دعم حكومة طرابلس، يمنح كرباورشيب فرصا لإرسال عدد من ناقلاتها إلى الشواطئ لليبية ولم تنته أساليب أردوغان حيث وجد حيلة جديدة باستغلال لهيب صيف مستعر وانقطاع الكهرباء الطويل والحرب التي أشعل نيرانها في ليبيا لتنفيذ خطة تصدير الطاقة بعد أن فتحت له حكومة طرابلس المجال بإهمال القطاع وتدمير منشآته لشرعنة التوريد من أنقرة. ويغلب على الأجواء داخل المحافظات الليبية ضجيج المولدات الكهربائية الذي صار صوتا مألوفا يكسر هدوء الليل في طرابلس لساعات طويلة، مع انقطاع التيار الكهربائي حيث وجد الليبيون أنفسهم أمام صيف حار لا يقل سعيرا عن الحرب التي وضعت أوزارها مؤخرا في العاصمة. وتضررت البنى التحتية ومشاريع الطاقة في ليبيا جراء مخلفات الحرب والألغام، فضلا على انقطاع الكهرباء التي تضررت بنيتها كثيرا كما كل البنى التحتية الأخرى بسبب المعارك المستمرة ودخول ليبيا في متاهة حروب عمقها دخول تركيا ميدانيا في الحرب الدائرة في البلاد. ودمرت الحرب محطات كهربائية بالكامل وبعضها الآخر احترق جراء القصف. واختفت بعض الأعمدة من مواقعها حيث تسببت المعارك التي شهدتها المناطق الواقعة جنوب العاصمة لنحو 14 شهرا بدمار كلي للعشرات من محطات نقل الكهرباء، إلى جانب سرقة آلاف الأمتار من أسلاك الأعمدة، ما أغرق المنطقة في ظلام تام. ويرى خبراء أن حكومة الوفاق ظلت متجاهلة للوضع في طرابلس ورهنت راحة الليبيين في بلادهم بأطماع تركيا ومهدت أمامها الطريق بعد تدمير كامل قطاع الطاقة واستغلال حاجة المواطنين في خدمة مصالح أنقرة الاقتصادية التي تكافح أزمات اقتصادية لا حصر لها. ويقول محللون إن تركيا تتعامل مع ليبيا كساحة خلفية تهرع إليها كلما ضاقت بها السبل اقتصاديا لتستولي على الأموال والمشاريع والصفقات كثمن لدعمها لحكومة الوفاق وميليشياتها العسكرية. وعبدت تحركات وتصريحات مسؤولين ليبيين في الشركة العامة للكهرباء الطريق لإتمام مشاريع توريد الطاقة لتغطية النقص ومعالجة انقطاع الكهرباء حيث قال مسؤول الإعلام بالشركة محمد التكوري إن “أعمال الصيانة التي خلفتها الحرب جنوب طرابلس تحتاج إلى أشهر من العمل، نظرا لفداحة الأضرار”. وأضاف من داخل مقر الشركة الحكومية في طرابلس أن “العجز في تأمين الطاقة في معظم مدن ليبيا خصوصا خلال الذروة الصيفية، أمر ليس بجديد. المتغير الآن هو أن العجز سيكون أكبر في العاصمة تحديدا وبعض المناطق، نظرا إلى تسبب الحرب بأضرار جسيمة لخطوط نقل الطاقة من محطات الإنتاج شرق وغرب طرابلس”. ويشكك خبراء في رواية الشركة وأرقامها بخصوص قطاع الطاقة بحيث تشير التصريحات بصورة واضحة إلى الرغبة في منح أنقرة الحقوق الحصرية للاستثمار في القطاع ومواصلة تنفيذ رغبات أردوغان. وفي هذا السياق قال التكوري “تنتج ليبيا نحو خمسة آلاف ميغاواط حاليا، والطلب خلال الذروة يرتفع إلى أكثر من سبعة آلاف ميغاواط، وهذا عجز ضخم لا يمكن تعويضه إلا عبر استكمال المشروعات الكبرى لمحطات الإنتاج الجديدة”. ويؤكد اعتزام تركيا انطلاقها في مشاريع تصدير الطاقة إلى ليبيا في الوقت الحالي من خلال المحطات العائمة قول المسؤول الليبي بأن التعويض لن يكون إلاّ عبر استكمال المشروعات الكبرى لمحطات الإنتاج الجديدة وهو ما يعني تسريع المشاريع التركية العالقة. واستهدفت مجموعات مسلحة خلال السنوات الأخيرة عمال شركات أجنبية لم تتمكن من استكمال تشييد خمس محطات جديدة لإنتاج الكهرباء في مناطق مختلفة في البلاد. وكان يفترض أن يبلغ مجموع إنتاج هذه المحطات أكثر من خمسة آلاف ميغاواط. وتجاوزت الخسائر المالية لقطاع الكهرباء خلال السنوات الست الماضية 1.5 مليار دولار. ويقول التكوري “لا يمكن للشركات استئناف أعمالها في مثل هذه الظروف. يجب توفير مناخ آمن لتشجيع عودتها، واستكمال مشاريع إستراتيجية لا تغطي العجز والطلب المتنامي على الكهرباء فحسب، بل توفر فائض طاقة يمكن بيعه لدول مجاورة”. وتشكو شركة الكهرباء من عمليات تخريب تقوم بها عصابات إجرامية في سرقة أسلاك نقل الطاقة التي يتم تفكيكها وصهرها وبيع النحاس الموجود في الأسلاك في السوق السوداء. وأهملت حكومة طرابلس التي تسيطر على شركة الكهرباء كل هذه الإشكاليات وبدل القيام بإصلاحات هيكلية هرعت إلى تركيا لمنحها استثمارات بالمليارات لتحقق عوائد ومنافع كبيرة بعد أن اعتمدت مختلف الأساليب لشرعنة توريد الطاقة من أنقرة.

مشاركة :