حذر وزير الخارجية المصري سامح شكري إثيوبيا من خيارات أخرى قد تلجأ إليها القاهرة إذا فشلت المفاوضات حول سد النهضة، بينها اللجوء إلى مجلس الأمن لاستصدار قرار يمنع بناء السد فوراً. قبل ساعات من إعلان نتائج جولة من المفاوضات بين مصر وإثيوبيا والسودان، حول أزمة سد النهضة الإثيوبي، أطلقت القاهرة تحذيراً جديداً لأديس أبابا باللجوء الى "خيارات اخرى"، متهمة الاثيوبيين بالتعنت ورفض توقيع اتفاقية شاملة والمماطلة في المفاوضات. وفي ندوة "الدبلوماسية المصرية: التعامل مع التحديات الراهنة"، قال وزير الخارجية المصري سامح شكري إن "تعنت إثيوبيا في المفاوضات سيضطر الجانب المصري الى اتخاذ خيارات أخرى، كاللجوء إلى مجلس الأمن الدولي، لكي ينهض بمسؤولياته في تدارك التأثير على السلم والأمن الدوليين عبر الحيلولة دون اتخاذ أديس أبابا إجراء أحادياً يؤثر سلباً على حقوق مصر المائية". واستعرض وزير الخارجية المصري المستجدات الخاصة بملف "النهضة"، بلهجة متشائمة، إذ قال إن بلاده التزمت بنهج التفاوض على مدار السنوات الماضية، وتحلت بنوايا صادقة تجاه التوصل إلى اتفاق منصف وعادل للأزمة، على نحو يحقق مصالح الدول الثلاث، "إلا أن الموقف التفاوضي الأخير لا يبشر بحدوث نتائج إيجابية، مع استمرارية نهج التعنت الإثيوبي، على نحو ستضطر مصر معه الى بحث خيارات أخرى كاللجوء إلى الأمن الدولي". وبدا واضحاً تمسك وزير الخارجية المصري بالحلول السياسية، إذ لم يتطرق أو يلمح من قريب أو بعيد إلى الحلول العسكرية، وهو موقف يعكس رغبة القاهرة في ضبط وتيرة النزاع الذي يعتبره المراقبون أحد أبرز التحديات التي تواجهها مصر منذ سنوات عدة. وكان نائب رئيس أركان الجيش الإثيوبي، برهانو جولا، قال مساء الجمعة الماضية، إن بلاده مستعدة للدفاع عن مصالحها، ولا تخشى وقوع حرب. واستخدم لهجة عدائية بالقول: "يعلم المصريون وبقية العالم جيداً كيف يمكننا إدارة الحرب كلما حان وقتها". سنوات الفشل وعكست تصريحات شكري حجم الغضب المصري من الموقف الإثيوبي بعد مفاوضات شاقة وممتدة على مدار سنوات طوال، منذ بدء أديس أبابا بناء السد أبريل 2011، إذ شهدت جولات التفاوض المستمرة منذ ذاك التاريخ التعثر تلو الآخر، إذ رفضت إثيوبيا جميع المطالب المصرية، بينما تمسكت القاهرة باتفاق شامل فيما يخص سنوات ملء بحيرة سد النهضة وقواعد التشغيل. وكادت الأمور تنفجر في حوض النيل الشرقي، بعد إعلان فشل مسار تفاوضي مكون من 4 اجتماعات فنية بمشاركة الولايات المتحدة والبنك الدولي، على مدار شهرين، مطلع يناير، لتدخل القاهرة وأديس أبابا في سجال تبادل الاتهامات حول مسؤولية الفشل، لتدخل بعدها الولايات المتحدة، وتعرض تمديد التفاوض، وهي الخطوة التي وصلت إلى حد صياغة واشنطن لاتفاقية شاملة، وقعت عليها القاهرة بالأحرف الأولى، لكن الوفد الإثيوبي انسحب معلنا عمليا فشل هذه الجولة نهاية فبراير الماضي. وإزاء إعلان إثيوبيا بدء ملء خزان سد النهضة في يوليو المقبل، بغض النظر عن التوصل إلى اتفاقية من عدمه، تقدمت مصر بخطاب إلى مجلس الأمن الدولي مطلع مايو الماضي، وردت عليه إثيوبيا بخطاب مضاد، ثم أرسل السودان خطابا طالب فيه "مجلس الأمن بحث جميع الأطراف على الامتناع عن اتخاذ أي إجراءات أحادية قد تؤثر على الأمن والسلم الإقليمي". مبادرة سودانية وقاد رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك مبادرة لاستئناف المفاوضات بين الدول الثلاث، تكللت بعقد وزراء المياه في مصر والسودان وإثيوبيا، سلسلة اجتماعات عبر تقنية الفيديو كونفرانس بداية من الثلاثاء 9 الجاري، بحضور مراقبين من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وجنوب إفريقيا، في محاولة أخيرة للبحث عن حل للأزمة، التي تهدد باندلاع صدام سيكون الأكبر بالقارة السمراء خلال القرن الـ21. لكن المتحدث الرسمي باسم وزارة الموارد المائية والري المصرية محمد السباعي، قال في بيان مساء السبت الماضي إنه ليس متفائلاً بتحقيق أي اختراق أو تقدم بسبب استمرار التعنت الإثيوبي، والذي ظهر جلياً خلال الاجتماعات، إذ تقدمت إثيوبيا، خلال الاجتماع الوزاري الذي عقد الخميس 11 يونيو، بمقترح مثير للقلق يتضمن رؤيتها لقواعد ملء وتشغيل سد النهضة، لكونه اقتراحا مخلا من الناحيتين الفنية والقانونية، وهو ما رفضته مصر والسودان. وتقدم الجانب الإثيوبي بورقة من 13 بندا، تتضمن رؤية مخالفة للموقف المصري، إذ تحدث عن ضرورة أن تكون وثيقة العمل الخاصة بالفرق القانونية والفنية للدول الثلاث خلال اجتماع 12 و13 فبراير الماضي، أساسا للتفاوض، في تجاهل للاتفاقية التي أعدتها الإدارة الأميركية ووقعتها مصر في نهاية فبراير، كما طالبت أديس أبابا ببدء المفاوضات من جديد بشأن قواعد ملء السد والتشغيل السنوي له، فضلا عن مهاجمة مصر لتقدمها بخطب لمجلس الأمن الدولي ضد إثيوبيا. وأمام التعثر الواضح في الوصول إلى اتفاق، أعلنت وزارة الري السودانية مساء السبت، وصول اجتماع وزراء الري إلى اتفاق على تكليف السودان بإعداد مسودة وثيقة توافقية جديدة بناء على ملاحظات البلدان الثلاثة خلال الاجتماعات الأخيرة، على أن تعود الأطراف الثلاثة للتفاوض بعد ظهر الاثنين، لمناقشة المسودة وتقييم مسار التفاوض وبالتالي الخطوات اللاحقة. وحول تطورات المفاوضات، كشف أستاذ الموارد الطبيعية والمياه بجامعة القاهرة، د. عباس شراقي، لـ"الجريدة"، توقعاته للتحركات المصرية حال إعلان فشل المفاوضات، مضيفا: "المسلك الإثيوبي يؤدي إلى التصعيد، النقطة الفاصلة التي قد تعد علامة اللاعودة في الأزمة، هي عندما تبدأ إثيوبيا بالفعل ملء خزان السد دون توقيع اتفاقية شاملة، هنا ستكون الأمور خرجت عن السيطرة، لأن مصر لن تقبل بفرض إرادة أي طرف عليها فيما يخص مياه النيل". وتوقع شراقي أن تتقدم القاهرة بشكوى ضد اثيوبيا أمام مجلس الأمن، للمطالبة بوقف البناء في السد فورا، وحسم الأزمة، وفي حال عدم التزامها بقرارات المجلس سيكون أمام مصر المبرر لدراسة جميع الخيارات التصعيدية الأخرى.
مشاركة :