بات واضحاً خلال السنوات الثلاث الماضية أنَّ تطبيق "إنستغرام" يُحفِّز وبشدة على ثقافة جديدة طرأت على مجتمعنا، وتحديداً الفئة الشابة، ألا وهي شراهة الاستهلاك، حيث أصبح هذا التطبيق بعيد جداً عن الهدف الذي أُنشئ من أجله أساساً، وهو تبادل الصور الجميلة واللحظات الرائعة لضحكات طفولية أو عمل فني أو مكان أثري أو طبيعة خلابة، حيث تحوَّل هذا التطبيق أو لنقل حوَّلناه إلى مكان يُعرض فيه أفخر أنواع الحلويات وأفخم المطاعم والكافيهات ومحال بيع الماركات العالمية من منتجات التجميل والإكسسوارات والهدايا والحقائب، إلى جانب عروض رحلات السفر، وكذلك تفاصيل الحياة اليومية، إضافةً إلى إظهار مظاهر الترف والرفاهية التي يعيشها أصحاب تلك الحسابات، وذلك على مدى (24) ساعة في اليوم. وفي دراسة بحثية عرضت خلال أعمال المنتدى العربي الرابع لمكافحة الغش التجاري وحماية حقوق الملكية الفكرية، أظهرت هذه الدراسة أنَّ تطبيق "إنستغرام" يحتل المرتبة الأولى في التسوّق لدى السيدات في المملكة، بنسبة (46%)، كما أقرَّت الدراسة أنَّ (82.2%) من عينة البحث يتابعن الصفحات الشخصية والتسويقية المخصصة لبيع البضائع المُقلَّدة عبر موقع "إنستغرام"، وأنَّ أكثر المتسوقات اللاتي يُقبلن على شراء واقتناء البضائع المُقلَّدة هنَّ من الشابات اللاتي تتراوح أعمارهنَّ بين (21) إلى (30) عاماً، بنسبة بلغت (37%). ماركات عالمية وأوضحت منيرة الدهش –معلمة- أنَّ الواقع الحالي يشير إلى أنَّ هناك استهلاك مستشري بين النساء، مُضيفةً أنَّ ظاهرة استخدام "إنستغرام" في هذا المجال بدأت تتطور شيئاً فشيئاً، حيث أصبح هم البعض الآن شراء أطقم المواعين والصحون من خلال هذا التطبيق، ليس بغرض استخدامها ومن ثمَّ تغييرها، بل لتصويرها ونشرها عبر حسابهم في "إنستغرام"، وذلك للتباهي والتفاخر بين المتابعين، حتى بات الوضع غريباً بعض الشيء. وأوضحت أنَّ ابنتها أخبرتها أنَّ كثيرا من الفتيات أصبحن مهووسات بالتباهي، حتى أنَّ إحدى الفتيات كشفت لقريباتها أنَّها تشتري الهدايا، سواءً الورود أو الحقائب والإكسسوارات لنفسها وتُغلّفها وتكتب عليها تعليقات عاطفية، وكأنَّها مُهداة لها من صديقاتها أو والدتها أو أحد أفراد أسرتها، بل وصل الحال أنَّ هناك حساب في "إنستغرام" مُخصَّص لبيع الأكياس الورقية لعدد من الماركات العالمية، بحيث تستطيع الفتاة أن توهم متابعيها بأنَّها اشترت من أفخر المحال التجارية. وتساءلت: "أين وصل بنا الحال؟، وما حقيقة هذا الهوس بالتباهي الذي بدأ ينتشر بيننا بهذه الطريقة الغريبة؟، ومن المُستفيد من استهلاكنا الشرائي هذا؟، وأين تذهب هذه الأموال؟، لافتةً إلى أنَّ هذه الأموال تذهب بالتأكيد إلى الشركات العملاقة التي تمتص نقودنا من جهة، ثمَّ تُرسل لنا المزيد من الرسائل السحرية من جهةٍ أخرى. أشخاص يبالغون في الاهتمام بالمظهر ويُهملون باقي جوانب شخصيتهم لجذب انتباه الآخرين دائرة مغلقة وبيَّنت هوازن السلمان -معيدة جامعية- أنَّ هذه الفئة من الناس تُعاني من فراغ داخلي، مُضيفةً: "إنَّني لا أعتب على ما يحصل في تطبيق (إنستغرام)، فهو بالطبع وسيلة تواصل اجتماعي لعرض الصور، حيث كان بإمكان هؤلاء استخدامه في أمور مفيدة ولطيفة، كتصوير مكان جميل، أو بعض المناظر الجميلة، كغروب الشمس –مثلاً-، بيد أنَّني أعتب على من جعل هذه الوسائل تحثنا على أن ندور في فلك الاستهلاك والتفكير في شراء ما لا يلزمنا". وأشارت إلى أنَّ اهتمام البعض أصبح منصباً نحو الشراء وعرض المُشتريات ليراها متابعيهم، ومن ثمَّ يغارون منهم ويشترون بضاعة أخرى لعرضها، وهكذا، وبالتالي أصبح هؤلاء يدورون في دائرة مغلقة. صور مثالية وقالت مها الوابلي -موظفة في القطاع الخاص-: " للأسف انتشرت حسابات في (إنستغرام) تهتم كثيراً بإظهار صور مثالية للترف والجمال والرفاهية والسعادة، والله –سبحانه وتعالى- هو من يعلم إن كان أصحاب هذه الحسابات فعلاً سعيدين أم لا؟ "موضحةً أنَّ هذه الفئة تُصوّر أثاث المنزل والخروج إلى أفخر المطاعم ورحلاتهم السياحية، وما يشترونه من بضائع غالية، مُبيِّنةً أنَّ البعض لديهم اهتمام كبير وهوس شديد لرؤية ما تخفيه أسوار المنازل فينجذبون لهذه الحسابات. تفاعل إيجابي وبيَّنت هديل مفتي -صاحبة متجر معروف لبيع الإكسسوارات والتصاميم اليدوية على إنستغرام- أنَّ عدد متابعيها تخطَّى حاجز (200) ألف متابع، مُضيفةً أنَّ حسابها هذا هو بوابتها التي تطل من خلالها على زبائنها، مُشيرةً إلى أنَّها ترد بشكل يومي على استفسارات وملاحظات زبائنها وتتفاعل بشكلٍ إيجابي مع متابعيها، لافتةً إلى أنَّ هذا التفاعل ينعكس بشكل ايجابي على نفسيَّة الزبائن، وبالتالي على زيادة حجم المبيعات. ولفتت إلى أنَّها حريصة على نشر أحدث منتجاتها بطريقة مُلفتة؛ نظراً لأنَّ شريكتها في المشروع مُصوّرة فوتوغرافية محترفة، حيث أنَّها تُصوّر البضائع بلقطات جميلة ومُلفتة للزبائن، فيما يظهر تأثير الصورة التي يتم تحميلها اليوم –مثلاً- على حجم مبيعات اليوم التالي، حيث يتضاعف الحجم نتيجة ذلك. أفكار إبداعية وأكَّد فواز العقيلي -تاجر إكسسوارات أجهزة إلكترونية- على أنَّ "إنستغرام" ساهم بكل تأكيد في تسويق المنتجات بشكل أكبر من أيّ وسيلة إعلامية أخرى، ممَّا أدَّى إلى ارتفاع نسبة الاستهلاك بين أفراد المجتمع خلال الأعوام الثلاثة الماضية، وبنسبة لا تقل عن (20%)، مُضيفاً أنَّ تطبيق "إنستغرام" كغيرة من تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي يُعدُّ فرصةً سانحة يجب استغلالها، مُشيراً إلى أنَّ هذه الوسائل خلقت لديه ولدى العديد من الشباب فرصاً وأفكاراً إبداعية. ودعا إلى الإفادة من هذا الحجم الكبير من التجمّعات الإلكترونية ومن التواصل الكبير الذي أحدثته، حيث أصبح التسويق وهو أصعب فنون التجارة من أسهل الطرق في الوصول إلى العميل بعد أن كانت كثير من المشروعات تفشل بشكلٍ سريع نتيجة ضعف القدرة التسويقية لإدارة المشروع، أمَّا الآن فإنَّ الشباب الطموح ما عليه سوى ابتكار وإبداع مشروع ولو كان صغيراً لمنتج يُعبِّر عن شخصيته وذوقه، ومن ثمَّ طرحه في الأسواق لدى العملاء بمنتهى اليسر والسهولة. وأضاف أنَّه بإمكان الشاب في هذه الحالة تحقيق مكاسب فورية من أول يوم دون الحاجة للانتظار والوقوف في طوابير طويلة في انتظار الحصول على التراخيص والبحث عن دعم ماديّ حكوميّ أو خاص، إلى جانب تحمُّل تكاليف باهظة في إعداد مواقع العمل وديكورات معارض بيع المنتج، مُشيراً إلى أنَّ كل هذه المعوقات سقطت بتغيّر منهج التسويق، إذ أنَّ كل ما يحتاجه العميل هو فتح هاتفه الجوال ومتابعة كل ما هو جديد، وبضغطة زر يصبح المنتج أمامه لمعاينته وشرائه، دون أيّ حاجة لبذل مجهود في البحث في الأسواق وتحمُّل عناء الوصول للمنتج المناسب. ثقافة الخواء وأوضحت فاتن الجمعان -أخصائية اجتماعية- أنَّ هناك نظرية مؤكدة ومعروفة في علم النفس والاجتماع تُشير إلى وجود ثمَّة علاقة عكسية بين المظهر والجوهر، بمعنى أنَّ الأفراد الذين يعانون فراغ الجوهر يحاولون تعويض ذلك بالمبالغة في الاهتمام بالمظهر؛ لجذب الانتباه لمظهرهم وتشتيت الأنظار عن جوهرهم، والعكس صحيح، مُشيرةً إلى أنَّ هناك أفراد يعتقدون أنَّ جواز عبورهم نحو قبول الآخرين لهم هو مظهرهم، فيبالغون في الاهتمام به ويُهملون باقي جوانب شخصيتهم، حتى تختفي هُويتهم، وهو ما يُمكن تسميته ثقافة الخواء. وأشارت إلى أنَّ مسايرة الموضة وأنواع الترف والرفاهية عند البعض –للأسف-أصبح أمر لابُدَّ منه دون الالتفات إلى القيم الأخلاقية والاجتماعية، مؤكِّدةً على أنَّ قلَّة الوعي وعدم إدراك الإنسان لقيمة نفسه وتدهور التعليم جعلوا هذه الظاهرة تتفشى في كل المجتمعات الغنية منها والفقيرة، مُضيفةً: "عندما يتحوّل الإنسان إلى أداة استهلاكية لا قيمة لها، فلك أن تتخيَّل حجم المأساة المقبلة، فما قيمة الحياة التي نعيشها دون هدف واضح أو قيمة نرتكز عليها؟".
مشاركة :