مع ارتفاع وتيرة القرارات في مجال التعليم والتعليم العالي تحديدا وتناميها تجلت أمامنا مشكلة إدارية تتجسد في عملية صنع القرار، وتتضح هذه المشكلة أكثر عندما تتعلق القرارات بمصير ومستقبل قطاع عريض من المواطنين، وهم طلاب برامج التعليم الموازي، والذي صدر قرار منذ أيام قليلة بإيقافه بدءا من العام الدراسي الجديد. لم تكن خطوة إقرار هذا النظام من قبل عشوائية ولا ارتجالية، بل تم إقرارها بعد دراسات متأنية بهدف استيعاب أعداد متزايدة من الطلاب ممن يزداد إقبالهم على التقدم للدراسة بالجامعات السعودية، فعدد الجامعات الحكومية والأهلية لا يتجاوز الأربعين جامعة في دولة تعدادها السكاني 28 مليون نسمة، معظمها ناشئة ولا توجد بها كافة التخصصات، ويعتبر سكان المملكة من أكثر دول العالم إقبالا على التعليم، وهذا الأمر نتيجة لسياسة تعليمية وضعتها الدولة منذ عهد الملك عبدالعزيز «رحمه الله»، لذلك فالبرامج الموازية امتداد لسياسة الدولة الاستراتيجية في التوسع في التعليم وليست سياسة تخص وزراء التعليم. والسؤال المهم الذي يطرح نفسه ما هو البديل لقرار الإلغاء؟ إن مسوغات الإلغاء التي ذكرتها وزارة التعليم تدعي بأن هذا النوع من التعليم مخرجاته ضعيفة وأن الجامعات توسعت فيه بلا مبرر، ولكن لماذا تعد مخرجاته ضعيفة؟ أليست جامعات الفترة الصباحية هي نفسها جامعات الفترة المسائية، هم نفسهم أعضاء هيئة التدريس الذين يقومون بالتدريس في برامج التعليم النظامية، وإذا فرضنا جدلا صحة هذه المبررات، فهل الحل هو إلغاء برامج التعليم الموازي أم تطويرها؟ أليس هذا أشبه ببتر يد مريض لمعاناته ألما فيها؟ أو قتله عند اشتداد مرضه بدلا من محاولة علاجه؟ هذه الأمور لا تحدث إلا إذا كانت حياة المريض لا تساوي شيئا في نظر الطبيب. ولننظر بعجالة لتداعيات هذا القرار على المستوى التعليمي بشكل واقعي، ألن يلجأ الطلاب في هذه الحالة للجامعات الأهلية؟ ألن نتركهم فريسة لجشع «البعض» منهم؟ وهل تحول الطلاب للجامعات الأهلية سيحقق الجودة التي تنشدها وزارة التعليم، ثم إن مخرجات كل من الجامعات الحكومية والأهلية ستصب في النهاية في سوق العمل «وكأنك يا أبو زيد ما غزيت». كما أن تكلفة التعليم في الجامعات الحكومية أقل بكثير من نظيرتها في الجامعات الأهلية، لذا ألا يعد هذا القرار سببا في استبعاد شريحة كبيرة من الطلاب من غير القادرين على مواصلة تعليمهم؟ وهل التعليم الموازي بدعة ابتدعتها الجامعات السعودية أم أن الكثير من الجامعات العالمية تقوم بتطبيقه لإيجاد موارد لها تنفق من خلالها على بنيتها التحتية ومعاملها ومرافقها وتعد أحد مصادر تمويلها الأساسية؟ سأطرح هنا «ولمن يهمه الأمر» بعض السيناريوهات المفترضة من الطلاب لمواجهة قرار الإلغاء، الأول: عدم الالتحاق بالجامعات الأهلية لعدم القدرة المالية، الثاني: قد يلجأ البعض منهم من ذوي القدرات المالية، وبالتالي قد يقع الكثير منهم فريسة للمغررين ولغسل العقول وكلاهما لا يصب في مصلحة الوطن، الثالث: سيلجأ بعضهم إلى التعليم من خلال المراسلة وبالتالي سنعود إلى دوامة الشهادات غير المعترف بها. كما أن قرار الإلغاء يشمل أيضا برامج التعليم الموازي لمرحلة الماجستير، وللعلم فإن الغالبية العظمى من الملتحقين في هذه البرامج هم موظفون أصلا ولا يمثل لهم التعليم مخرجا وظيفيا بل متنفس لتطوير قدراتهم، فبعض الملتحقين أطباء ومهندسين لن يطالبوا الوزارة بفرص عمل، فلماذا تم إيقافها؟؟ وهذا الأمر يحيلنا للنقطة الجوهرية التي طالما دعونا إليها، وهى قضية استقلال الجامعات، فمن حق الجامعات رسم سياساتها التعليمية بنفسها وتحديد الأفضل والمناسب لها دون تدخل وزارة التعليم.
مشاركة :