شرارة نارية تحت حفنة رماد

  • 6/18/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

يوسف أبو لوز يروي «فريدريك دوجلاس ١٨١٨-١٨٩٥» في كتابه «مذكرات عبد أمريكي» ترجمة: إبراهيم عبدالمجيد، والذي نعود إليه مرة ثانية لمناسبة مقتل شاب أسود في ولاية أتلانتا.. كيف كان المستر كوفاي يعامله ويعذّبه إلى أن حوّله إلى «دابة».. يقول.. «لقد نجح مستر كوفاي في ترويضي، روّض جسدي، وروحي، ونفسي.انكسرت مرونتي الطبيعية، لغتي العقلية، ميلي إلى القراءة، انطفأت الشرارة المبهجة التي لمعت أمام عينيّ، انغلق عليّ ليل العبودية الأسود، أصبحت رجلاً تحوّل إلى دابة».ولكن «دوجلاس» ليس دابة، إنه إنسان رأى كيف يتم صنع العبد من الإنسان، وكيف يتم صنع الإنسان من العبد، وسوف تكون القراءة وتعلم الكتابة إحدى وسائل ولادة الإنسان من العبد، وإلى جانب ذلك لا يكفي أن تكون متعلّماً لكي تحقق حرّيتك أو تنتزعها من السيد الأمريكي الأبيض.. لا بدّ أن تكون قوياً، وتقرر القتال والدفاع عن نفسك، وتمتلك قبل كل ذلك الشجاعة.. التي ستفضي بك إلى المعرفة وإلى التحرّر ليس من العبودية فقط، بل التحرر من نفسك الخائفة، التحرّر من الخوف نفسه الذي هو الآخر يحوّل الإنسان إلى قوقعة.كان السيد كوفاي يجلد دوجلاس بالكرباج، كان يقيّده بالحبال في الإسطبل وهو الذي كان يصلّي في الكنيسة صلاة قصيرة في الصباح، وصلاة طويلة في المساء.لم يعرف دوجلاس مرارة الرقّ إلاّ في الشهور الستة التي أمضاها في مزرعة السيد كوفاي، كان ذلك في عام ١٨٣٣، ذات مرة قطع السيد كوفاي بالبلطة ثلاثة أفرع، وأمَرَ دوجلاس بأن يخلع ثيابه واندفع نحوه ومزّق ثيابه وأخذ يجلده ويضربه إلى أن تمزّق لحمه.. هذا الذي كان يصلي ثلاث مرّات.مرة ثانية، بل دائماً وأبداً، ترفض الطبيعة البشرية للإنسان أن يتحوّل إلى دابة، هناك دائماً شرارة نارية قابعة تحت الرماد.ذات يوم، وقد أراد السيد كوفاي تقييد دوجلاس في الإسطبل قرّر عندها هذا العبد الشاب أن يقاتل. فجأة دبّت في عروقه قوّة تلك الشرارة القابعة تحت الرماد.أمسك دوجلاس بمستر كوفاي من عنقه، عندها بدأ يتراجع وأخذ هذا السيد يرتعش الأمر الذي أعطى دوجلاس ثقة أكبر بنفسه وفي إمكانية التغلّب، ولأول مرة، على مستر كوفاي.هذه المرة تشبث دوجلاس بعنق السيد كوفاي فتفصّد دمه، وأخيراً أمسك به من ياقته وألقاه بحركة مفاجئة على الأرض.وبعد ساعتين من القتال ترك كوفاي ساحة المعركة، «..كان متورّماً من أثر الضرب لدرجة كبيرة..».ما تطالعه الآن صديقي القارئ ليس مشاهد من فيلم سينمائي هوليودي، ولا هو مقطع من رواية أو مسرحية، ولا هو مشهد من سينما العنف، بل هي حياة حقيقية كانت لشاب أسود رفض أن يتحول إلى دابة...والسؤال الآن.. هل فعلاً انتهى زمن الرق وانتهت العبودية وضرب البشر بالعصيّ والهراوات والكرابيج والبراميل.. أم أن ثمة ما يعيد نفسه دائماً، ولكن بروايات مختلفة. yabolouz@gmail.com

مشاركة :