منذُ الأيامِ الأولى لظهورِ وانتشارِ فيروس كورونا في العالمِ بات الشغلُ الشاغل لحكومةِ مملكة البحرين هو اتخاذُ التدابير الاستباقية لكيفية وقاية المجتمع البحريني من آثار هذه الجائحة العالمية تجاه المواطنين والمقيمين على حد سواء كانوا أفرادا أو جماعات تمهيدًا لمحاصرته والقضاء عليه حفاظًا على الصحة العامة للمجتمع البحريني، وإيمانًا من الحكومة البحرينية بالأثر الكبير لهذه الجائحة على حماية وتعزيز حقوق الإنسان ككل باعتبار أن هذه الجائحة العالمية لا تقتصر على حق دون غيره، بل على بقية الحقوق دون استثناء كالحق في الرعاية الصحية والتنقل والحق في التعليم والحق في الحصول على مياه الشرب المأمونة، والحق في الإمداد الكافي بالغذاء الآمن والتغذية والحق في المسكن، والحق في ظروف صحية لبيئة العمل إلى غيره من الحقوق، فضلا عن الحصول على التوعية والمعلومات فيما يتصل بالصحة العامة بمشاركة الجميع في كامل عملية اتخاذ القرارات المرتبطة بالصحة العامة على الصعيد المجتمعي والوطني تنفيذا لالتزاماتها الدستورية تجاه من يقيم على أرض البحرين الطيبة من ناحية وتنفيذًا لالتزامها تجاه المجتمع الدولي كعضو فاعل فيه.وذلك كله قبل أن تعلن منظمة الصحة العالمية اعتبار فيروس كورونا «كوفيد 19» وباء عالميا بتاريخ 11 مارس 2020. إذ قامت حكومة مملكة البحرين بناء على توجيهات صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد نائب القائد الأعلى النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء حفظه الله ورعاه وبتكليف ملكي سامي من جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المفدى حفظه الله ورعاه ودام عزه، أصدر مجلس الوزراء الموقر قرارا بتشكيل فريق للتصدي لخطر العدوى بفيروس كورونا بالتعاون والتنسيق مع اللجنة الوطنية لمواجهة الكوارث، كخطوة أولى استباقية لاتخاذ التدابير الوقائية لمواجهة هذه الجائحة، للقيام بمراجعة وتطبيق النظم والإجراءات لمنع وصول العدوى إلى مملكة البحرين، ووضع الخطط وتوفير الإمكانيات للتعامل مع أي حالة مشتبه في إصابتها بالعدوى والتعامل معها، فضلا عن وضع خطة التعامل مع من كان على اتصال مع المريض لاكتشاف أي عدوى ومتابعة تطور انتشار المرض عالميًّا وإقليميًّا بالتواصل مع المنظمات العالمية وتأسيس مركز قيادة واتصال يعمل على مدار الساعة، كما يقوم الفريق الوطني بإخطار الجمهور بالمستجدات ورفع تقارير دورية للحكومة الموقرة.لم تقتصر الإجراءات على وضع الصحة العامة فقط لما لهذه الأزمة من تداعيات على الحقوق الأخرى، فعلى صعيد المجال الاقتصادي قامت حكومة مملكة البحرين باتخاذ إجراءات سريعة وحاسمة حرصا منها على تقليل أثر الجائحة على المواطنين والمقيمين وقطاع الأعمال، وذلك بدعم الاقتصاد الوطني بتحفيزات شاملة بقيمة 4.3 مليارات دينار بحريني والتي ستمتد إلى ستة أشهر تمثلت في خفض معدلات الفائدة وإعادة هيكلة القروض ودعم المرتبات وخفض الإيجارات وتوفير المنح، والإعفاءات من فواتير ورسوم الخدمات للأفراد والشركات، وقد حرصت حكومتنا الحكيمة على ألا تؤثر الظروف الاستثنائية المترتبة على الجائحة على سير العملية التعليمة في كل مراحلها مع الحرص على صحة وسلامة الطلبة والكوادر التعليمية والإدارية بتقديم الدروس التعليمية عن بعد عبر البوابة التعليمية حرصًا منها على أن يكون التعليم مستمرا في كل الظروف والأوقات.وفي إطار حماية وتعزيز الحق في التنقل لم تقم مملكة البحرين بفرض حظر تجوال أو اتخاذ تدابير تقيد حرية الأفراد المنصوص عليها في دستورها كإعلان حالة السلامة الوطنية أو إعلان الأحكام العرفية حرصًا منها على أهمية الحق في التنقل وأنه حق يتمتع بضمانات دستورية وقانونية، بل كل ما هنالك أن حكومة مملكة البحرين اعتمدت على الوعي المجتمعي للمواطن التي استثمرت به على مدى عقود طويلة، واقتصرت الحكومة على إصدار الإرشادات والتعليمات عبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة فيما يتعلق بالتباعد الاجتماعي والزيارات الاجتماعية، وهو الأمر الذي تجاوب معه المواطن والمقيم، وجراء آثار الجائحة على قطاع الأعمال عملت الحكومة عن طريق مؤسساتها وهيئاتها المختلفة على تفعيل الإجراءات الاحترازية في مواقع العمل لضمان صحة وسلامة العمال واتخاذ الإجراءات الفعالة التي تحول دون انتشار الفيروس بين العمال عبر تشديد الإجراءات الرقابية في مواقع عملهم وسكنهم، ولم تتأخر الحكومة في ظل ظروف الجائحة عن التواصل مع ممثلي السفارات والبعثات الدبلوماسية للدول المصدرة للعمال أو التي لها رعاية في مملكة البحرين لتبلغهم عن الإجراءات الوقائية الاحترازية التي يتعين عليهم القيام بها لضمان عدم انتشار الفيروس.لم تقتصر جهود حكومة البحرين على الموجودين داخل حدود الوطن من مواطنين ومقيمين بل قامت الحكومة بتسهيل عودة المواطنين العالقين في الخارج الذين تقطعت بهم السبل بسبب انتشار الجائحة عبر سفاراتها وبعثاتها العاملة بالخارج لتسهيل عودة المسافرين والطلبة في مختلف دول العالم عبر تسيير رحلات مخصصة لذلك على نفقة الدولة، إيمانًا من قيادتنا وبتوجيهات من جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المفدى حفظه الله ورعاه والذي دائمًا وأبدا ما يؤكد في جميع لقاءاته على أن المواطن البحريني في سلم أولوياته وأن المواطن البحريني هو عماد التنمية واستقرار الوطن باعتبار جلالته راعيًا لحقوق المواطنين ويحمي حرياتهم أينما كانوا داخل الوطن وخارجه وأبًا للجميع.ولم يقتصر تطبيق المعايير الدولية على من يتمتعون بحريتهم دون قيود بل عملت القيادة ممثلة في جلالة الملك حفظه الله ورعاه على تعزيز ثقافة التسامح وروابط التآخي بين المجتمع في ظل هذه الظروف الاستثنائية بين أفراد المجتمع بأن شمل الأمر الملكي السامي لجلالته العفو عن عدد من الأشخاص المحكوم عليهم وتطبيق العقوبات البديلة عليهم بهدف إدماجهم في المجتمع في ظل هذه الظروف في ضوء أحكام القانون والمبادئ والاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان التي صادقت عليها حكومة مملكة البحرين.وفي إطار الحق في الحصول على المعلومة ومن منطلق الشفافية حرصت حكومة مملكة البحرين ممثلة في وزارة الصحة على تدشين موقع يتضمن آخر مستجدات مكافحة فيروس كورونا في المملكة أولا بأول متضمنا ملخصا يوميًّا عن حالات الإصابات والشفاء والوفيات وحالات المخالطين ونتائج فحوصات كورونا للخاضعين للفحص.ولم تنس الحكومة البحرينية الدور النبيل للمرأة البحرينية وأنها شريك أساسي في المجتمع بما تحمله من مسؤوليات ملقاة على عاتقها في تربية الأجيال ورعاية أسرتها، وتقديرًا لها من جلالة الملك المفدى حفظه الله ورعاه في ظل الظروف الاستثنائية فقد وجه جلالته خلال تعليق الدراسة وتفعيل «التعليم عن بعد» بتطبيق نظام العمل من المنزل للأم العاملة في الوزارات والهيئات والمؤسسات الحكومية بما يضمن لها التوفيق بين اعتبارات العمل والنهوض بوظائفها الأسرية بالمنزل، وهذا ما حدا بالمنظمات الدولية ووزراء وبرلمانات الدول وسفرائها إلى الإشادة بإجراءات حكومة مملكة البحرين بصدد التصدي لفيروس كورونا والتي عبرت عنها منظمة الصحة العالمية ووزارة الخارجية البريطانية وسفيرها في البحرين وكل من سفير الولايات المتحدة والفلبين والصين ومصر في البحرين.لذا فإن حرص حكومة مملكة البحرين في ظل هذه الظروف الاستثنائية المترتبة على جائحة كورونا على الالتزام بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان لم يكن تنظيرًا بل إنه قائم على جهود واستراتيجيات وخطط وطنية بأياد بحرينية كتبت نجاح التجربة البحرينية وسطرت صفحة في تاريخ الوطن تضاف إلى صفحاتها المشرفة التي يعتز بها كل مواطن ومقيم، وها نحن اليوم نحصد الإنجازات والشهادات لتقول مملكة البحرين للجميع بأن الوطن يحترم الجميع وملتزم أمام الجميع مهما كانت الظروف والأزمات مادام الوطن فيه قيادة حكيمة وحكومة وطنية وشعبًا واعيًا يسطر تاريخه المشرف عبر العصور. { أستاذ القانون المشارك بكلية الحقوق - جامعة البحرين
مشاركة :