رأى محللون سياسيون في سوريا أن العقوبات الجديدة، التي فرضتها الولايات المتحدة الأربعاء على دمشق ضمن "قانون قيصر"، أداة للضغط "الاقتصادي" للقبول بـ"أجندة أمريكية" لإنهاء النزاع الدائر في البلاد منذ أكثر من تسعة أعوام. وأكد الخبراء أن العقوبات الأمريكية تهدف إلى تغيير سلوك الحكومة السورية، وليس إسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد. وينص "قانون قيصر"، الذي اعتمدته الإدارة الأمريكية ودخل حيز التنفيذ الأربعاء 17 يونيو الجاري على فرض عقوبات على الحكومة السورية والدول التي تدعمها، مثل إيران وروسيا، لمدة عشر سنوات في مجالات الطاقة والهندسة والأعمال والنقل الجوي. وبموجب القانون، يمكن للرئيس الأمريكي فرض عقوبات جديدة على أي شخص أو جهة تتعامل مع الحكومة السورية أو توفر لها التمويل، بما في ذلك أجهزة الاستخبارات والأمن السورية أو المصرف المركزي السوري. وأعلن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، في بيان أمس الأربعاء أن العقوبات الأخيرة تشمل 39 شخصا وكيانا، من بينهم الرئيس السوري بشار الأسد، وزوجته. وقال بومبيو إن الأشخاص والشركات المعنية "لعبت دورًا رئيسيًا في عرقلة حل سياسي سلمي للصراع". وأكد الوزير الأمريكي "أن أي شخص يتعامل مع نظام الأسد، بغض النظر عن مكان وجوده في العالم، من المحتمل أن يتعرض لقيود على السفر والعقوبات المالية". وبالرغم من اللغة القاسية لـ"قانون قيصر"، فإن الولايات المتحدة الامريكية تركت الباب مفتوحا من خلال وضع شروط، ما يشير إلى أن الولايات المتحدة ربما تكون منفتحة على الحل الدبلوماسي، لكن بشروط. ومن هذه الشروط لرفع العقوبات الأمريكية، وقف قصف المدنيين من قبل الطائرات الروسية والسورية، ورفع الحصار عن المناطق المحاصرة من قبل القوات الإيرانية والروسية والسورية، والسماح بمرور المساعدات الإنسانية وتحرك المدنيين بحرية، وإطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين، والسماح بدخول منظمات حقوق الإنسان إلى السجون والمعتقلات السورية. وتضمنت الشروط أيضا وقف قصف المراكز الطبية والمدارس والمناطق السكنية والتجمعات المدنية كالأسواق من قبل القوات السورية والإيرانية والروسية، والمجموعات التابعة لها، وعودة المهجّرين السوريين بطريقة آمنة إرادية محترمة، ومحاسبة مرتكبي جرائم الحرب في سوريا، وإحقاق العدالة لضحايا جرائم الحرب التي ارتكبها النظام السوري. وتنكر سوريا جميع المزاعم، التي قدمتها الولايات المتحدة وحلفاؤها، قائلة إن الولايات المتحدة تمارس "الإرهاب الاقتصادي". ونددت دمشق الأربعاء بالعقوبات الأمريكية الجديدة، معتبرة إياها "شكلا جديداً من الإرهاب". وقالت وزارة الخارجية السورية في بيان أمس إن الحزمة الأولى من الإجراءات الأمريكية ضد سوريا بموجب قانون قيصر "تكشف تجاوز الإدارة الأمريكية لكل القوانين والأعراف الدولية والمستوى الذي انحدر إليه مسؤولو هذه الإدارة ليلامس سلوكيات العصابات وقطاع الطرق". وأوضحت أن "حديث الإدارة الأمريكية عن حقوق الإنسان في سوريا يتجاوز أبشع أشكال الكذب والنفاق وتكذبه سياساتها في دعم الإرهاب (..) ويأتي تصعيد العقوبات ضد الشعب السوري ليضيف بعداً وشكلا جديداً لهذا الإرهاب". وقال الخبير السياسي ماهر إحسان لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن واشنطن "تحاول الضغط على الحكومة السورية اقتصاديا لتحقيق ما لم تتمكن من فعله من خلال الحرب" المستمرة منذ مارس من العام 2011. وتابع إحسان إن العقوبات الجديدة وشروط رفعها هي بمثابة عرض قدم للحكومة السورية لقبول الشروط الأمريكية البعيدة عن الشروط المنصوص عليها في قانون قيصر، معتبرا أن العقوبات تهدف إلى "لي ذراع الحكومة السورية لقبول شروط الإدارة الأمريكية". وأضاف "من الواضح أن الولايات المتحدة الامريكية تريد من إدارة الأسد قبول حل قائم على الرغبات الأمريكية"، مشيرا إلى أنه "ليس سرا أن الولايات المتحدة لديها مطلبا رئيسيا هو انسحاب القوات الإيرانية وحلفائها من سوريا". واعتبر إحسان أن "أولئك الذين يقدمون العروض لا ينوون إسقاط الحكومة بل تغيير سلوكها إلى شيء تقبله الولايات المتحدة"، مؤكدا أنه ليس من المتوقع أن تخضع الحكومة السورية للضغوط، بل أن تواجه الهيمنة الأمريكية بقوة بمساعدة حلفائها. وشددت الخارجية السورية أمس على "أن الشعب والجيش السوري لن يسمحا لممارسي الجرائم السوداء في البيت الأبيض بإحياء مخططهم الفاشل في سوريا". وتعد إيران الحليف الإقليمي الرئيسي للحكومة السورية برئاسة بشار الأسد. وتسعى واشنطن إلى إخراج إيران من سوريا، وتعهدت بذلك لحلفائها في المنطقة. وقالت صحيفة ((الوطن)) المقربة من الحكومة السورية في افتتاحية اليوم إن الهدف الرئيسي لقانون قيصر "هو دفع الحكومة السورية إلى القبول بالأجندة الأمريكية الغربية كاملة، ودفع حلفاء سوريا لخسارة الانعكاس الاستراتيجي الدولي والإقليمي لإنجازاتهم في الميدان السوري". ورأت الصحيفة أن "إلزام الدول الكبرى وخاصة الدول الحليفة لسوريا للرضوخ للعقوبات التي تستهدفها قبل سوريا لا يبدو أنه خيارٌ واقعي". وأوضحت أنه "على الرغم من أن مطالبة الولايات المتّحدة للدولة السورية بورقة تنازلات لرفع العقوبات، ومنها "التعايش السلمي"، والمقصود هنا الكيان الإسرائيلي، إلا أن مواقف حلفاء سوريا وفي مقدمتهم روسيا وإيران - التي استطاعت حماية سفن مساعداتها إلى فنزويلا - لا تبدو في وارد التراجع بمواجهة الضغط الأقصى الاقتصادي الأمريكي". ونددت إيران اليوم بالعقوبات الأمريكية الجديدة "الأحادية والظالمة" ضد دمشق، معتبرة أنها "إرهاب اقتصادي ضد الشعب السوري"، بحسب وكالة أنباء (فارس) الإيرانية. ونقلت الوكالة شبه الرسمية اليوم عن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية عباس موسوي، تأكيده أن طهران مستمرة في تعزيز علاقاتها الاقتصادية مع هذا البلد المقاوم رغم العقوبات. وشدد على "أن إيران وكما أعلنت من قبل لا تقيم وزنا لمثل هذا العقوبات الأحادية والظالمة، والتي تقوم على الغطرسة وتعدّها إرهابا اقتصاديا ضد الشعب السوري". واعتبر موسوي أن تنفيذ مثل هذا العقوبات في ظروف تفشي مرض فيروس كورونا "لا يؤدي سوى إلى زيادة معاناة الشعب السوري وآلامه". ورأى الخبير السياسي ماهر إحسان، أن الشعب السوري سيكون الأكثر تأثراً بالعقوبات الجديدة، حيث يعاني بالفعل من ضغوط اقتصادية مع ارتفاع الأسعار وانخفاض قيمة العملة السورية. والخميس الماضي، أعفى الرئيس السوري بشار الأسد، رئيس الحكومة عماد خميس من منصبه وتكليف وزير الموارد المائية حسين عرنوس، بمهام رئيس الوزراء حتى الانتخابات البرلمانية الجديدة الشهر المقبل. وجاء قرار الأسد على خلفية الأزمة الاقتصادية الحادة في البلاد وتدهور قيمة العملة المحلية بشكل غير مسبوق. ورأى الخبير السوري أحمد الأشقر، أن فرض عقوبات جديدة هو صفحة أخرى من الحرب ضد سوريا. وقال إن "العقوبات ليست سوى استمرار للعقوبات القديمة"، لكنه أكد أن "العملة سوف تتأثر أكثر من غيرها من جوانب الحياة الاخرى مثل القطاع الطبي والدوائي". ومع ذلك ، قال الأشقر إنه "من أجل التغلب على المصاعب الاقتصادية يجب تنفيذ الحل السياسي لإنهاء الوضع الفوضوي في البلاد". بدوره، قال الخبير الاقتصادي عمار يوسف، إن الحكومة السورية يجب أن تلجأ إلى الاعتماد على الذات للتغلب على العقوبات من خلال استخدام الموارد الطبيعية في البلاد. وتخضع الحكومة السورية لعقوبات أمريكية غربية منذ بداية الأزمة في البلاد قبل أكثر من تسع سنوات.
مشاركة :