في التأملات الإبداعية المتعلقة بحياة الفنانين التشكيليين، أبرز ما يتم التفكير فيه وملاحظته، هو مراحل تطور كيفية تجسيدهم للرؤى الداخلية الممتدة من ذواتهم عبر العلاقة المتجذرة مع أدواتهم الفنية، مما يساهم في تشكيل رؤى معرفية للمتلقي والمجتمع الفني المحلي، ويعزز الوعي بالثقافة البصرية، وأشكال نموها وتطورها نحو فضاءات جديدة. وجميعها استشفافات برزت في ما أسماه الفنان التشكيلي الإماراتي د. محمد يوسف في حواره لـ«الاتحاد»، بـ«التحول» الذي أدى إلى ما سماه بـ«المعايشة» مع العمل الفني، وذلك أثناء فترة سفره إلى الولايات المتحدة الأميركية، لنيل درجة الماجستير، ليعود بعمله الفني: «الخروج إلى الداخل» عام 1996، ويبدأ مرحلة استثنائية، أدرك فيها أن لكل عمل فني مفتاحاً متصلاً بهوية الفنان، ويلهم المشاهد لقراءة العمل والدخول في مرحلة الإدراك البديعة. وبالنسبة للفنان د. محمد يوسف، فإن استخدامه للخامة الحاضرة في الذاكرة الشعبية، قرب العمل التركيبي إلى الجمهور الفني، وسعى إلى خلق تقاطعات، من شأنها أن تحدث الاتصال، الذي يمثل مركز الإحساس بالمنتج الإبداعي ومحيطه اللانهائي. أحد أعمال محمد يوسف «الصور من المصدر» تطور الوعي «انتهى زمن المصادفة، وتطور الفن التشكيلي يتطلب مبدعين متخصصين»، هنا يؤكد د. محمد يوسف تحول الوعي المجتمعي، وكيف أنه أمر نسبي، ويعيش مرحلة تدرج، أمام زيادة الحاضنات الثقافية، سواء المؤسسات التعليمية مثل كليات الفنون الجميلة، أو فضاءات الدعم عبر منصات العرض المحلية والعالمية، ما يستدعي التخصص، وأن يبني الشخص نفسه، ضمن بيئة صحية تحفظه من التشتيت، وتكرس فعل التركيز على إنتاجه الإبداعي. وفي المقابل، أوضح الفنان د. محمد يوسف كيف أن الوعي قدم له بشكل شخصي رؤية فنية متكاملة، نشأت عبر مشاركات فنية داخل أو خارج الدولة، إلى جانب خبرته في مجال التدريس في جامعة الشارقة، ووزارة التربية والتعليم، وأنتجت إمكانية قراءة الأعمال الفنية، والتي عادةً تمثل مؤشراً مهماً في تطور المجتمعات الفنية في مختلف بلدان العالم. وتابع: «نرى اليوم كيف يستطيع الأشخاص التمييز بين المعارض الفنية الاعتبارية والتجارية، إضافة إلى تغير نوع الأسئلة المطروحة من المتلقي، والتي ألقت بظلالها على المسرح في الإمارات، مثلاً، من خلال خروجه من قضية عامة، إلى قضايا في الفلسفة الإنسانية، وهي دلالة على تطور الفكر لدينا». أيقونة الريح من بين أبرز التحولات التي شهدتها أعمال الفنان د. محمد يوسف، أيقونة «الريح»، واستخدامها في أعماله التركيبية كما في عمله: «النعاشات» الذي تفرد بخامة الخشب المأخوذ من شجرة النخيل، التي يصفها الفنان بأنها تشعره بالانتماء للطبيعة، وأما لماذا «الريح» بالأخص؟ فإنها تجسد، بحسب تعبيره، ارتباطه بالبيئة الطبيعية، بريح الشمال والكوس والغربي، ولأنها قدمت له التجربة الأهم في اكتشافاته أثناء رحلته إلى أميركا، وهي «الإيقاع» القادم من الطبيعة، والذي يوحي بدلالات الزمن، ولذلك فإنه ينجز القطعة الفنية ويكررها، بمثابة تأكيد واستمرارية للحظة الأبدية الخالدة المرتبطة بالحياة التي تجعلنا كمشاهدين مرتبطين بالعمل الفني، كونه يعكس نبضات القلب المستمرة. من أعمال يوسف عين البصيرة يلفت الفنان د. محمد يوسف إلى موضوع شمولية الفنان التشكيلي، فلم يعد رساماً أو نحاتاً أو مصوراً أو مصمماً فقط، وإنما هو يمتلك في الألفية الحديثة رؤية متكاملة، وكل شيء يعتمد على مدى العلاقة المقدسة بينه وبين خاماته، وكيف يصنع منها مفتاحاً لدخول المتلقي إلى عوالمها، وقدم الفنان مثالاً لعمله الفني «روح الأذان»، قائلاً: «نحن دائماً نسمع الأذان، في السوق أو في العمل، أثناء قضاء حاجاتنا اليومية بشكل عام، أردت أن أجعل المتلقي يشاهد الأذان بشكل مختلف، ففي العمل نرى خطوات أقدام بيضاء للأشخاص، أثناء دخولهم للمسجد، وهي مرحلة التسليم للخالق، متجهين نحو الضوء وهي القبلة، مستشعرين عبرها أوقات الصلاة من الشروق إلى الغروب، وكيف أن لكل وقت لوناً، ما فعلته أنني استحضرت الأذان بهالة بصرية مختلفة».
مشاركة :