جدل الحريات يتصاعد في القاهرة بعد انتحار ناشطة مصرية | محمد أبوالفضل | صحيفة العرب

  • 6/20/2020
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

أعادت حادثة انتحار الناشطة المصرية سارة حجازي ملف الحريات الفردية إلى الواجهة وسط انقسام الرأي العام المحلي والعربي حول توجهات حجازي المدافعة عن حقوق المثليين، وبينما أعرب الناشطون الحقوقيون اليساريون والليبراليون عن حزنهم على انتحارها، هاجم مدوّنون كثر المدافعين عنها معتبرين أن المثلية الجنسية تخالف تعاليم الدين الإسلامي، فيما استغلت المعارضة الحادثة لتوجيه سهام النقد للنظام. القاهرة – لم تغب الحريات الشخصية عن أذهان الشعوب. قد تتصاعد أو تتراجع، لكنها تظل حاضرة. تختلف مساحة الحديث عنها باختلاف درجات التطور الحضاري والإنساني، وبالطبع السياسي، وتأخذ أشكالا متباينة، حسب طبيعة القضية المطروحة، وتزداد تعقيدا عندما تتعلق بملفات تمس ثوابت وعادات وتقاليد المجتمع. تظهر ارتداداتها العنيفة كلما خرجت عن المألوف والنسق القيمي. فملف مثل الشذوذ الجنسي والمثلية، بات من الطبيعي مناقشته أمام الرأي العام في دول غربية عديدة، لكن الاقتراب منه في أي مجتمع محافظ يعد اقترابا من أحد المحرمات التي تستنفر البعض للهجوم. فجر انتحار الناشطة المصرية سارة حجازي (30 سنة) في كندا في الـ13 من يونيو، هذه القضية، وشحذ البعض همتهم في الدفاع عنها كواحدة من الذين أبدوا تعاطفا واضحا مع المثليين، وأقدمت على تبني مواقف تصب في صالحهم خلال فترة وجودها في مصر، بينما شمر فريق آخر أكبر عن سواعده في مواجهة من تحدثوا عن الحريات لتبرير الدفاع عن المثلية. ودخلت على الخط جهات دينية، منحت المسألة بعدا مثيرا، حيث تحولت من خلاف دنيوي حول مدى وحدود الحريات الشخصية الممنوحة في مصر إلى قضية كفر وإيمان وإلحاد، وهنا تبارى البعض في تبرئة الفتاة الراحلة من هذه التهم، وصمم آخرون على أن جريمتها كبيرة، وتستحق التوقف عندها ووضع النقاط على الحروف. وتجاوز كثيرون عملية الانتحار وتوقيتها والظروف التي وقعت فيها ودلالاتها النفسية والاجتماعية، وتم اتخاذها مطية سياسية لتوجيه سهام النقد للنظام المصري. ولأول مرة تقريبا تخلو قضية مثيرة في مصر من دخول جماعة الإخوان على خطها، خوفا من اتهامها بالوقوف مع المثليين في خندق واحد، فهي درجت على ركوب الموجة في أي شيء يتعلق بتلويث سمعة الدولة المصرية، لأن سارة حجازي ناشطة سياسية – يسارية، وتعرضت للاعتقال في القاهرة، وهي فرصة جيدة ليسن الإخوان سيوفهم، لكنهم فضلوا إغمادها خوفا من أن ترتد تداعياتها إلى صدورهم. وألقي القبض على الراحلة سارة حجازي في أكتوبر 2017، ومعها طالب بكلية الحقوق، يدعى أحمد علاء، إثر رفعهما علم قوس قزح، وهو شعار المثلية الجنسية، في حفل غنائي للفرقة اللبنانية “مشروع ليلي”، ووجهت لهما السلطات الأمنية تهمة “التحريض على الفسق والفجور”، وبعد نحو ثلاثة أشهر أفرج عن حجازي، وسافرت إلى كندا طلبا للجوء السياسي. تفسيرات متباينة الجهات الدينية تدخل على الخط الجهات الدينية تدخل على الخط اختفت سارة وسط تشعب القضايا المصرية، حتى عادت سيرتها، المثلية والسياسية، عقب الإعلان عن خبر انتحارها قبل أيام. وبصرف النظر عن الظروف التي دفعتها للخطوة، غير أنها تركت رسالة بخط يدها توحي بإحباطها وعدم قدرتها على الاستمرار في الحياة. تبارت التفسيرات في النوايا واسترجاع مواقف سياسية عدة سابقة. وصدرت بيانات حزبية أظهرت التعاطف معها ودورها في الدفاع عن الحريات الشخصية، ما أعاد ملف المثلية بواجهة سياسية ودينية، في وقت تزاحمت فيه الملفات التي تمس الأمن القومي. وبعد فترة من الغياب عن التفاعل السياسي مع القضايا المصرية، طل محمد البرادعي، رئيس وكالة الطاقة الذرية الدولية، نائب رئيس الجمهورية في مصر سابقا، وكتب على تويتر، قائلا “قد تختلف مع سارة في تفكيرها وأسلوب حياتها، وهذا من حقك، لكن هل من حقك أن تضطهدها وتحاصر حقها في الحياة لمجرد اختلافك معها ودون أن تفرض هي عليك تفكيرها أو أسلوب حياتها؟”. جرى تفسير كلام البرادعي على مناح مختلفة، بينها أنه حمل إسقاطا متعمدا على النظام المصري الذي اعتقلها من قبل لاتهامها بالمثلية، حيث أراد الرجل التلميح بفكرة الحريات الشخصية، وهي جوهر الرسالة التي أراد بها مغازلة قطاع من الشباب يؤمن بها بلا حدود أو ضوابط، وهم الذين حملوا البرادعي على الأعناق خلال ثورة 25 يناير 2011. هؤلاء أيضا هم الذين تباروا في الدفاع عن سارة وحقها في تبني ما تراه ضمن أطرها الشخصية، في إشارة تضمنت تلميحات بأن حال الحريات العام في مصر ليس على ما يرام، وأن فكرة الدفاع عن قيم المجتمع ستار يبيح أحيانا التعدي على بعض الحقوق، والتي تصل لحد توسيع دوائر الاشتباه، وتوقيف أعداد من الشباب، قالت منظمات حقوق إنسان دولية إنه كبير، بينما ردت الحكومة بأنه ليس كذلك، وتستعمل القانون في كل مرة. وربط البعض بين حالات عدة تتعلق بالحريات الشخصية، وبين حالة سارة القديمة والتي أعيد استدعاؤها من الأرشيف لأغراض متباينة حاليا، وبين القبض على الصحافي المصري محمد منير، بعد ظهوره على قناة الجزيرة، تم حصر الموقف في الظهور فقط، مع أن هناك كثيرين يعيشون في مصر يفعلون ذلك، ويكتبون في وسائل إعلام قطرية وتركية، ولم تمارس عليهم ضغوط أو تم اعتقالهم. ضغط على الحكومة هناك جوانب أخرى أدت إلى هذه الخطوة ترتبط بالمضمون السياسي الذي حمله خطاب منير وتصرفاته الحادة على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تصب في صالح معارضي الحكومة دون أن يقصد. بمعنى أن حالة منير ليست لها علاقة بمكون الحرية الشخصية الذي يلتقي فيه مع سارة، لكن وجه الشبه بينهما في فكرة التوظيف أو “التلبيس” السياسي من قبل البعض، والذي يخرج قضية الحريات إلى فضاء آخر، فلم يقل أحد إن مصر تعيش أزهى عصور الديمقراطية، بالطبع هناك أخطاء عديدة تحتاج إلى إصلاحات هيكلية، غير أن ليّ أعناق بعض القضايا هو الذي يحدث التداخل والاشتباك، ويؤدي في النهاية إلى التصعيد الذي نراه يطفو ويخبو. اقرأ أيضاً: التأويل المتطرف للفقه فهم داعشي يفتقد للرحمة كشفت واقعتا سارة ومنير أن هناك شرائح كبيرة منهمكة في الشد والجذب، ومنصات التواصل الاجتماعي أصبحت الباب الملكي لتفريغ جانب معتبر من الشحنات الشخصية والسياسية في مصر، ومن الصعوبة السيطرة عليها أو ضبطها على مقاس الحكومة، مهما بلغت درجات التضييق على الحريات، لأن عبورها لم يعد صعبا في ظل التطور التكنولوجي، فالبعض يتعامل معها على أنها المنتدى أو “هايد بارك” الوحيد في الدول التي تفتقر هامشا جيدا للحريات السياسية والشخصية. وبقدر المزايا التي تنطوي عليها، بقدر ما توفر من مساحات جذابة للجدل، فملف سارة حجازي، وقت الاعتقال والإفراج وبعد الانتحار، صعد إلى الذروة من خلال مواقع التواصل، وهي التي قادت الصخب في المرتين حولها. كما أن أزمة محمد منير انطلقت من صفحته الشخصية عندما عرض فيديوهات لما قال إنه اعتداء أمني على حرمة منزله في غيابه، وليس لظهوره على قناة الجزيرة، الأمر الذي يجدد أيضا فكرة الحريات الشخصية، ويجعلها إشكالية كبيرة تبحث عن حل في مصر وغيرها من الدول التي تعيش في ظروف سياسية مماثلة. يعتقد البعض من الشباب أن مواصلة الضغوط في هذا الاتجاه سوف تجبر الحكومة المصرية على الاستجابة لمطالبهم في باب الحريات الخاصة والعامة. وكان هذا الصخب يجلب تضامنا وتعاطفا دوليين في عصر ما قبل كورونا، لكن مع كورونا وما بعده ربما تتغير أمور كثيرة في الاتجاهين، السلبي والإيجابي. وفي الحالتين لن يتوقف الجدل حول الحريات الشخصية في مصر، لأن الهوة كبيرة بين المنادين بها وبين من بيدهم تحديد بوصلتها، الأمر الذي يجعلها تتجدد كلما وجدت فرصة، وقد تنتقل من قضية على هامش الاهتمامات إلى مركزها.

مشاركة :