الخصخصة التونسية في ميزان التناقضات | رياض بوعزة | صحيفة العرب

  • 6/20/2020
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

الاتحاد العام التونسي للشغل لا يزال يقف عائقا أمام أي محاولة لخصخصة بعض شركات القطاع العام المفلسة أو المتعثرة لأن النقابيين مصرون على أن بيع أصول الدولة في تلك الكيانات هو مس من السيادة الوطنية، ما يجعل تنفيذ خطط الانفتاح الاقتصادي أكثر تعقيدا. فوبيا الخصخصة المسيطرة على شريحة من صناع القرار والمتدخلين في السياسات الاقتصادية للدولة، وحتى العامة، لن توقف نزيف شركات القطاع العام، خاصة مع أزمة وباء كورونا العالمية، التي سحبتها إلى مربع الخسائر بشكل أكثر ممّا كانت عليه قبل عامين. ماذا ستستفيد الدولة من شركات خاسرة مثل الخطوط التونسية ووكالة التبغ وشركتي نقل تونس والسكك الحديدية وغيرها؟ ماذا سيستفيد الاتحاد نفسه من الإصرار على عدم السير في طريق الخصخصة؟ إن التناقضات في إدارة هذا الملف واضحة للعيان، فهو يتضمن عدة أبعاد جوهرية مرتبطة أساسا بنظافة يد أي حكومة تتولى السلطة، ومدى قناعة النقابات العمالية بهذه الخطوة في الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي. لقد التهمت شركات حكومية ملايين الدولارات من المساعدات والدعم منذ 2011 دون أن تحقق أرباحا. وتشير البيانات إلى أن المجمع الكيميائي وشركة الفولاذ وشركة فسفاط قفصة والشركة التونسية للأنشطة البترولية، استحوذت لوحدها على 89 في المئة من أموال دعم بلغت قرابة 4.7 مليار دولار رصدتها الدولة للشركات المتعثرة بين عامي 2014 و2016. ومع تأزم الأوضاع، استنزفت منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم ضعف ذلك المبلغ. صحيح أن معظم بلدان العالم، ولاسيما دول الشرق الأوسط، تتجه اليوم إلى الاستثمار في التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، لكن جذب مستثمرين أجانب لشراء حصص في شركات مفلسة قد يغيرها من كيانات خاسرة إلى رابحة، لأنها ستُنقل إليها التقنيات الحديثة وستكون فاعلة في إداراتها المالية بكفاءة عالية تحقق استدامتها. اتحاد الشغل، الحاصل على جائزة نوبل للسلام، يُفترض أن يعدل بوصلة أفكاره خدمة لمصلحة الاقتصاد التونسي المشلول، والابتعاد عن تمسكه برفض اتباع هذا المسار لأسباب يرى أنها مرتبطة بهيكلة الاقتصاد وتحول قيادة خدمات رئيسة للقطاع الخاص، وهي تبريرات غير دقيقة بالمرة وليست مقنعة. الخوف الذي يسيطر على الاتحاد مفهوم، فهو نمط تقليدي في عقيدته وهو يتبعه منذ تأسيسه ولم يغير من أساليبه للتأقلم مع الوضع الاقتصادي الصعب للدولة حاليا، بل الأمر أبعد من ذلك، إذ يبدو أن قادة الاتحاد لا يقدّرون حجم الكارثة التي تعاني منها الشركات الحكومية، التي تستنزف موارد الدولة الضعيفة. الآن الكرة في ملعب حكومة إلياس الفخفاخ، فهي اليوم أمام جبل من الأزمات أكبر من تلك التي واجهتها حكومة يوسف الشاهد، إذ أن الوضع مختلف تماما في ظل كورونا، وعليها التحرك سريعا لنفض الغبار عن القوانين التي تتيح الخصخصة والاستفادة من العوائد السنوية التي ستدعم الخزينة العامة الفارغة. منذ تأسيس الدولة بعد الاستقلال، لا تزال تهيمن على كافة القطاعات تقريبا، ويبلغ عدد الشركات التابعة لها 216 شركة في 21 قطاعا، أغلبها تعمل في مجال الطاقة والصناعة والصحة والخدمات، وهذا الأمر سبّب لها مشاكل لا حصر لها أدت إلى عجزها عن توفير الأموال لإدارتها. ثمة شواهد تؤكد أن الخصخصة ليست بدعة، بل وحققت منافع كثيرة، أبرزها تخفيف العبء عن الدولة والحصول على ضرائب إضافية دون اللجوء للإنفاق، فقد اعتمدت تونس مطلع الألفية خطوات لبيع حصص في بعض الشركات. من أبرز الأمثلة وأكثرها استقرارا هي اتصالات تونس، ففي سنة 2006 ضخت شركة الإمارات للاتصالات، إحدى أذرع مجموعة دبي القابضة، استثمارات في الشركة الحكومية قبل أن تبيع حصتها المقدرة بنحو 35 في المئة إلى مجموعة أبراج الاستثمارية الإماراتية في 2017. قبل ذلك بعام واحد، قامت السلطات بإنقاذ بنك الجنوب الحكومي من الإفلاس ببيع حصة منه في 2005 إلى التجاري وفا بنك المغربي، الذي تديره مجموعة المدى القابضة، إحدى أكبر المجموعات الاستثمارية في المغرب العربي. نجاح سياسة بيع أصول في مرافق القطاع العام، والذي سيتحمل فيه القطاع الخاص بعد ذلك حملا كبيرا من مسؤولياته الكثيرة تجاه النهوض بالاقتصاد، رغم الظروف التي يتعرض لها، وأزمة الوباء مثال على ذلك، تتم في إطار منظومة تشريعية متكاملة مرتبطة بنظام الدولة من خلال إشرافها على مدى قانونيتها وجدواها. في المحصلة، بات الفخفاخ اليوم مطالبا أكثر من أي وقت سابق بالإسراع إلى كسر فوبيا الخصخصة، وإيقاف تمرّد اتحاد الشغل، بهدف التخلّص نهائيا من هذا الكابوس المزعج، الذي سيزيد من أوجاع الاقتصاد الباحث عن نقطة ضوء في آخر نفق الأزمة. ShareWhatsAppTwitterFacebook

مشاركة :