استراتيجية تونسية طموحة لتركيز أسس الاقتصاد الأزرق | رياض بوعزة | صحيفة العرب

  • 7/18/2020
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

شرعت تونس أخيرا في بلورة معالم استراتيجية لتطوير الاقتصاد الأزرق ضمن برنامج موسع يشرف عليه البنك الدولي ليكون إحدى الدعائم المستدامة للتنمية الشاملة في البلاد من خلال خارطة طريق لتطوير قطاع الصناعة السمكية وتعزيز مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي خلال العقد المقبل. تونس - وجهت السلطات التونسية أنظارها مؤخرا إلى كيفية الاستفادة من الثروة السمكية وجعلها موردا ماليا يدعم الاقتصاد المتعثر خلال السنوات المقبلة رغم الأزمة السياسية الحادة التي تمر بها البلاد. وتشير تقديرات المحللين إلى أن تونس لا تزال بعيدة عن استثمار الموارد السمكية المتاحة لها بالشكل الأمثل رغم سواحلها الطويلة على البحر المتوسط بسبب التأخر في تنفيذ الخطط للنهوض بالصناعة السمكية. ويرتكز الاقتصاد الأزرق على إيجاد مصادر تنموية مستدامة تغطي عدة قطاعات من بينها صناعات مختلف أنماط الهياكل العائمة والجزر الاصطناعية والتنقيب عن النفط والغاز والمعادن والسلامة والمراقبة والسياحة والنقل والتجارة البحرية. واعتبر خبراء أن هذه الخطوة مجرد بداية في طريق طويل يتطلب تكاتف جهود جميع المتداخلين في القطاع من أجل تحقيق أقصى استفادة من الثروة السمكية مع مراعاة استدامتها. وقال نورالدين بن عياد نائب الرئيس المكلف بالصيد البحري في الاتحاد الوطني للفلاحة والصيد البحري لـ”العرب” إن “لتونس حظوظا كبيرة في مجالها المتوسطي للاستفادة من البحر لتحقيق أهداف اقتصادية وتركيز أسس الاقتصاد الأزرق”. وأوضح أن لتونس سواحل تمتد لأكثر من 1300 كلم ولها 41 ميناء ومرفأ للصيد البحري و60 ألف صياد ويوفر القطاع 100 ألف بصفة مباشرة وغير مباشرة وأسطولا يتجاوز نحو 13 ألف مركب. ووفق المركز الفني لتربية الأحياء المائية، تضم تونس 10 موانئ للصيد في كل من طبرقة وبنزرت وقليبية وسوسة وطبلبة والمهدية وصفاقس وقابس وجرجيس، تستخرج قرابة 150 ألف طن من الأسماك سنويا. وتكشف تقارير أن إنتاج قطاع الصيد البحري في البلاد تراجع بنسبة 4 في المئة خلال السنوات الأخيرة مقارنة بما كانت عليه في 2010. وتشير البيانات الرسمية إلى أن تونس أنتجت نحو 139 ألف طن العام الماضي وبلغ حجم الصادرات حوالي 27.9 ألف طن بقيمة 557 مليون دينار (197 مليون دولار) ما جعل هذه المنتجات في المرتبة الثالثة من الصادرات الزراعية. ويؤكد بن عياد أن القطاع يضم خبرات كبيرة في نشاط الصيد وترويج المنتجات و”لنا علاقات وثيقة مع مختلف المنظمات والجهات المحلية والإقليمية والدولية عبر اتفاقيات شراكة تهدف إلى حسن استغلال الثروات السمكية المشتركة”. وتتصاعد أصوات من داخل القطاع كل عام مطالبة السلطات بإيجاد حلول مستدامة تتيح لهم مزاولة نشاطهم خلال الراحة السنوية إلى جانب نشاط تربية الأسماك، بالإضافة إلى سنّ قوانين تساعد على مكافحة الصيد العشوائي. ولطالما أقرّ الاتحاد في الكثير من المرات بوجود العديد من الصعوبات، التي تعيق تطوير قطاع إنتاج الأسماك بالبلاد، من أهمّها تقادم البنى التحتية وتراجع الخدمات في الموانئ حيث مر على أغلب التجهيزات أكثر من ثلاثة عقود. ويرى بن عياد أن تركيز أسس الاقتصاد الأزرق لا بد أن تسبقه عدة إصلاحات لتفكيك العقبات أمام قطاع الصيد البحري أهمها القضاء على الصيد العشوائي وتأهيل بنية الموانئ والأسطول والعاملين بالقطاع والتغطية الاجتماعية للصيادين. وأشار إلى أن تحفيز مشاريع النمو الأزرق يكمن في إبرام اتفاقيات بين الدول المتوسطية المتجاورة لحسن استغلال وترشيد الثروات السمكية وإقرار فترات راحة بيولوجية مشتركة. كما دعا إلى وضع مشاريع لتطوير المنتجات البحرية وإكسابها القدرة التنافسية وكذلك مشاريع لتحسين وتنمية قدرات الصيادين ومشاريع لتطوير نشاط تربية الأحياء المائية. وسبق وأن عقد الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري اتفاقيات شراكة مع المنظمات المهنية بعدد من الدول بهدف تطوير استغلال الثروات السمكية. ويسعى الاتحاد مع وزارة الفلاحة والصيد البحري إلى إعداد عدة استراتيجيات للنهوض بالثروة السمكية ومنها تنمية القطاع التي تمتد من 2016 و2026 والاستراتيجية الخماسية التي تنتهي هذا العام واستراتيجية بعيدة المدى بحلول 2030. واعتبر الخبير في القطاع الطاهر بنور في تصريح لـ”العرب” أن وضع خطة بعيدة المدى في هذا التوقيت أمر مهم للغاية خاصة وأن الحكومة في حاجة إلى تعبئة المزيد من الموارد للخزينة العامة من قطاعات استراتيجية. وقال بنور، وهو مسؤول متقاعد من وزارة الفلاحة إن “الموضوع طُرح بقوة طيلة السنوات الأخيرة بسبب الأزمة المالية كونه قطاعا حيويا يساعد في دعم الناتج المحلي الإجمالي”. وأوضح أن القطاع نفسه يحتاج إلى مساعدة كبيرة من الدولة من خلال وضع أسس لتطوير البنية التحتية وتشجيع الشركات والصيادين على ممارسة هذه المهنة خاصة وأن سواحل البلاد تمتد لمسافة طويلة. وستتعاون تونس مع البنك الدولي، الذي أعلن قبل فترة عن برنامج خاص لبلدان المغرب العربي، ضمن برنامج عالمي موسع كان قد اعتمده في 2018، لتجسيد حكومات المنطقة خططها على أرض الواقع خلال العقدين المقبلين. وقال ممثل البنك توفيق بنونة خلال ورشة حول الاقتصاد الأزرق عقدت في العاصمة تونس مؤخرا إنه سيتم “إعداد الاستراتيجية التي تمتد لنحو عقدين من الزمن وإقرارها من قبل المؤسسات التونسية”. ويشهد قطاع صيد الأسماك تراجعا منذ عام 2011 بسبب تراكم الصعوبات وتراجع الإنتاج وعدم توفر الحلول الجذرية المستدامة رغم الخطوات التي اتخذتها الدولة لتشجيع المستثمرين على بناء مزارع للأسماك. وتفرض وزارة الفلاحة والصيد البحري منذ سنوات منع الصيد لمدة ثلاثة أشهر سنويا من أجل الحدّ من استنزاف الثروة السمكية خاصة أن نحو 90 في المئة من أنشطة الصيد تتم خارج المياه العميقة. وأعلنت جمعية وست ماد عن مبادرة تهدف إلى وضع سياسة بحرية مندمجة تفضي إلى التنسيق بين المؤسسات لدفع النمو في قطاع الثروة السمكية من خلال إطلاق حزمة مشاريع مستدامة. ويقول ممثل الجمعية في تونس سالم الميلادي إن المبادرة تتعلق بتحفيز 12 نشاطا من بينها مزارع الأسماك وتربية الأحياء المائية البيوتكنولوجية والسياحة المستدامة والإنشاءات البحرية على غرار صناعة السفن. وتظهر التقديرات أن نسبة 1 في المئة نمو في هذا القطاع المهم والحيوي تتيح توفير ما يقارب ألف وظيفة، ما يعني أن التركيز عليه سيساعد تدريجيا في خفض معدلات البطالة. وتضم المبادرة إلى جانب دول المغرب العربي كلاّ من إسبانيا وفرنسا وإيطاليا ومالطا والبرتغال، وهي تدفع باتجاه اقتصاد أزرق قائم على الذكاء وأكثر استدامة مع إدارة أفضل للموارد السمكية. وأطلقت تونس في مارس 2017، صندوقا استثماريا لتربية الأسماك برأس مال بلغ 50 مليون دينار (20.5 مليون دولار) لتطوير هذا القطاع الواعد. ويؤكد اقتصاديون ومسؤولون في وزارة الفلاحة أن تأسيس الصندوق ينسجم مع استراتيجية الحكومة الرامية إلى بلوغ حجم إنتاج للأسماك المرباة بنحو 20 ألف طن بحلول نهاية العام الجاري.

مشاركة :