النظام الرأسمالي يدفع ثمن نجاحه | علي قاسم | صحيفة العرب

  • 6/23/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تفكك الاتحاد السوفييتي وسقوط جدار برلين، انتصار للرأسمالية؛ لا شك في ذلك. الحرب الباردة انتهت لصالح أصحاب رأس المال وأنصار الليبرالية، واستطاعت الولايات المتحدة ترويض الصين، وحوّلتها إلى ورشة كبيرة، تنتج فيها البضائع بكلفة رخيصة. ولكن، نشوة النصر لم تدم طويلا، والانتصار قد يتحول إلى هزيمة، ليسجل التاريخ أن الرأسمالية دفعت ثمن نجاحها. العدو فايروس ضعضع، خلال أقل من ستة أشهر، البنيان الرأسمالي، ناشرا الذعر؛ وبدا العالم عاجزا عن تقديم الحلول. بعد ثلاثة أشهر من الحجر الصحي، وما بدا أنه انتصار على الجائحة، والبدء بالعودة إلى “الحياة الطبيعية”، نعود إلى نقطة الصفر ثانية، وتعود الإصابات إلى الارتفاع في دول شهدت استقرارا نسبيا. حاول الأوروبيون أن يدفنوا الفتنة في مهدها، ولكن واشنطن تتصرف تماما بالطريقة التي تصرفت فيها أنظمة مغرورة، رافضة أن ترى الخطر الذي يحاصرها هذه المرة لا يبدي المسؤولون حرصا على فرض التباعد الاجتماعي، لأن الثمن كان مرتفعا جدا. سيكتفي الجميع بالصلاة عسى أن تنزاح الجائحة، وهناك بشائر أن الحل بات قريبا. فالأخبار تقول إن طرح لقاح في الأسواق لن يطول موعده. ستنزاح الجائحة، ولكن الآثار المترتبة عليها، ستبقى طويلا، والعالم بعدها لن يكون نفس العالم الذي عشناه أو سمعنا عنه. الزلزال الاجتماعي واهتزازته، ستجبر الجميع على التغير، وسيهرع أصحاب المال للبحث عن طوق نجاة. الوباء الذي كشف للناس نقاط ضعفهم، كشف أيضا عن نقاط قوتهم، شعورهم بالعجز تحول إلى غضب؛ هل يحق لأصحاب المليارات أن يتحكموا بمصائرهم؟ ما كان لهذه الصحوة أن تحدث لولا التطور التكنولوجي، الذي سبق الوباء، والذي يعود الفضل فيه للنظام الرأسمالي نفسه، الذي أتاح للعالم خرق العزلة الاجتماعية، بتقارب افتراضي عبر الإنترنت، ومواقع التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي. في عام 2010، هز حادث انتحار شاب حرقا، في مدينة صغيرة في تونس، العالم. قبل الحادث شهد العالم المئات من الحوادث المشابهة، دون أن يلحظها أو يسمع بها أحد. موت الشاب التونسي، محمد البوعزيزي، منتحرا، كان يمكن أن يمر دون ترك أثر يذكر وراءه؛ لكن حدوثه في ذلك التاريخ، وفي بلد استضاف القمة العالمية للمعلومات، ويفتخر أنه في طليعة الدول الأفريقية في استخدام الإنترنت، جعل منه حدثا فارقا، ليس فقط في تاريخ تونس، بل في العالم. ما حدث في تونس، حدث ما يشبهه في الولايات المتحدة. وإن نسي العالم الجائحة، فهو لن ينسى ما حدث في مدينة مينيابوليس، يوم 25 مايو 2020، حيث قتل المواطن الأميركي من أصل أفريقي، جورج فلويد، أثناء اعتقاله من قبل شرط. خلال دقائق بدأ فلويد بالصراخ “لا أستطيع التنفس”، كذلك صرخ بعض المارة طالبين من الشرطي الاستجابة، وتحرير رقبة فلويد. خلال الدقائق الثلاث الأخيرة توقفت حركة فلويد وتوقف نبضه. وخلال دقائق أيضا، سُجِلَت الحادثة في العديد من مقاطع فيديو الهواتف المحمولة، ليتم تداولها بين الناس على نطاق واسع، عبر صفحات وسائل التواصل الاجتماعي. أثار مقتل “فلويد” غضبا في المجتمع الأميركي، اندلعت على إثره مظاهرات حاشدة، امتدت إلى جميع أنحاء الولايات المتحدة، ودول العالم. في بلجيكا، تبنى البرلمان الأوروبي قرارا يدين بشدة مقتله، الذي وصف بـ”المفزع”، وفي نفس التوقيت ندد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بالأسلوب العنصري والعنيف للشرطة، وأمر بإعداد تقرير حول “العنصرية المنظمة” ضد المواطنين من أصل أفريقي. لماذا رأينا مثل تلك الاستجابات السريعة، السبب واضح، هناك مخاوف من أن الحريق، الذي بدأ بشرارة، قد يمتد ويتحول إلى لهب من نار يأتي على كل شيء يقف في طريقه. حاول الأوروبيون أن يدفنوا الفتنة في مهدها، ولكن واشنطن تتصرف تماما بالطريقة التي تصرفت فيها أنظمة مغرورة، رافضة أن ترى الخطر الذي يحاصرها. وخرج علينا وزير خارجيتها، مايك بومبيو، منتقدا ما أسماه “نفاق” مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة. ستنزاح الجائحة، ولكن الآثار المترتبة عليها، ستبقى طويلا، والعالم بعدها لن يكون نفس العالم الذي عشناه أو سمعنا عنه. الزلزال الاجتماعي واهتزازته، ستجبر الجميع على التغير ردة الفعل التي شهدتها شوارع المدن الأميركية، رأى فيها بومبيو دليلا على قوة الديمقراطية الأميركية ونضجها، مصرا على عدم التعلم من تجارب الآخرين، التي أثبتت أن الإنترنت، وليست الديمقراطية، هي ما منح الشارع القوة التي زلزلت عروش أنظمة دكتاتورية. أما الرئيس دونالد ترامب فغرّد على تويتر منددا “بالعار” الذي لحق بالولايات المتحدة، إثر إسقاط تمثال في واشنطن لآخر جنرال كونفدرالي، من قبل الآلاف من الأميركيين الذين خرجوا لإحياء الذكرى 155 لإنهاء العبودية. ألم نسمع مثل تلك النغمة تصدر عن أنظمة دكتاتورية تهاوت واحدة إثر الأخرى؟ آلام الشعوب واحدة، والتوق إلى الحرية واحد، منذ أول ثورة للعبيد، قادها سبارتاكوس، وحتى آخر ثورة تقودها اليوم تكنولوجيا الإنترنت. الاختلاف اليوم أن الثورة لن تنتهي كما انتهت ثورة العبيد ضد روما، بتعليق أجساد المشاركين فيها على أعمدة تقود إلى البيت الأبيض. بل سيترتب عليها نهاية تجبر أصحاب المال والشركات الكبرى على التخلي عن 90 في المئة من أرباحهم وثرواتهم للصالح العام. الإنترنت حررت المارد، ولن ينقذ العالم بعد اليوم إلا نظام قائم على رأسمالية الدولة، يقتسم فيه الجميع الثروة.

مشاركة :