د. أمل مصطفى تكتب: نعيب زماننا والعيب فينا

  • 6/26/2020
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

هل أصبح الصمت هو الوسيلة السليمة لتجنب المشاكل مع الأقارب والأصدقاء وكل من تجمعنا معه صلة ؟هل أصبحنا نخشى أن نتحدث حتى لا نفهم خطأ؟ هل لدينا الكثير من الكلام يجب أن يقال كنصيحة أو نقد وفضلنا أن نصمت ولا نقوله خوفا من سوء الظن، أو نتهم بالتدخل فى الشؤون الشخصية للآخر؟لقد أصبحنا فى الكثير من الأحيان نخشى أن نتحدث، وأن تفسر تصرفاتنا وكلماتنا بحضور سوء النية السائد عند الجميع.  لقد تغيرت المشاعر وتغيرت أنواع المشاركة والإحساس بالآخر فلم يعد أحد يلتمس الأعذار للآخر, او حتى ان يكلف الفرد نفسه من التحقق من الصديق ومن العدو , من الخائف عليه ومن المتشفى فيه. ولم تعد أيضا النصيحة حين نسمعها من أحد المقربين تفسر على انها حب , بل لا احد يتقبلها ويعتبرها تدخل فى شؤونه الشخصية  .  لقد تغيرت علينا مشاعر القريب فما بالك من الغريب وساد التنمر بين أفراد العائلة الواحدة لتصيد الأخطاء فى الحديث والكلام فزادت الفجوة وزاد الاتساع ما بين الأفراد. وأصبحت العلاقات الاجتماعية فاترة باردة ليس فيها أى دفء أو حميمية , كذلك العلاقات الاجتماعية أصبح يشوبها التوجس والخوف أن تفسر تصرفاتنا كلامنا بغير معناه وندخل بمشاكل وتبريرات بغنى عنها يكفى مشاكل الحياة التى تحيط بنا على ان ندخل فى صراعات لنثبت صحة مقصدنا وحسن نيتنا. لماذا أصبحنا هكذا ؟ كنا فى السابق يتزاور الأقارب ويجتمعوا والكل يسعى بود تجاه الآخر وكان يتقبل النصيحة ويتقبل النقد والتوجيه بكل سعة صدر . وكان الجيران سند لبعضهم البعض ودائما مع بعض فى الفرح والحزن وكان الجار حافظ سر جاره ويخشى عليه والأقرب له من أهله فى كل شىء وكل جار يتفقد أحوال الاخر ويسال عليه ويوده ويقدم له الدعم والمساعدة اذا احتاج الامر ذلك . وكان الاخوات ايضا يد واحد مجتمعين مع الاسرة دوما بكل حب ودفء يتشاورون فيما بينهم فى ادق التفاصيل تجمعهم صفو محبتهم وخوفهم على بعض ودفء العائلة وانتمائهم الشديد لها . الان اصبح كل شىء من الذكريات التى يتداولها كبار السن فيما بينهم ليشغلوا بها اوقاتهم بالحكى فيما قد مضى من ذكريات قد كان وكان ويقصوها على ابنائهم واحفادهم متأملين ومتطلعين لعودة ذلك الزمن الجميل مرة اخرى .  فما السبب يترى الذى جعلنا هكذا؟ ما الاسباب التى ضيعت المحبة الخالصة بينا؟  لماذا تاخذنا الدنيا بعيدا عن مشاعرنا تجاه بعض تاخذنا من لحظات السعادة والامسيات وجمال القرب من بعضنا ؟ لما الشعور بالغربة والوحدة ونحن فى بيت واحد مجتمع واحد وطن واحد ؟. هل التقنية الحديثة هى من فعلت بنا ذلك عبر التصفح على المواقع وانفراد كل واحد بعالمه الوهمى الخاص به على شبكات التواصل .  حتى المشاعر والمحبة لم نعد نعبر عنها إلا من خلال الكلمات المكتوبة  والصور فقدنا بسببها لغة التعبير لغة المشاركة واصبح النت هو المتنفس لمشاعرنا وتواصلنا والونس لوحدتنا .ام السبب الظروف المادية والأحوال الاقتصادية التى جعلتنا نلتهى بيومنا فى توفير مستلزماتنا ومتطلبات حياتنا.  فلا أحد يدرى بالآخر ولا يعرف عنه اى شىء ولا يلجأ له ويسأل عليه الا اذا كان هناك مصلحة فقط متى انقضت اصبح كل فى طريق.ام البعد عن الدين وتعاليمه التى تحثنا على الترابط والإخاء والمحبة الخالصة فى الله  لما لذلك من  دور مؤثر في تغيّر النفوس واحتقان البعض ضد الآخرين . أم الزمن هو من فعل بنا ذلك وما به من متغيرات ومفاجأت ما كنا نتوقعها يوم ، وهل نعيب على الزمن تغيرنا ام نعيب على أنفسنا أننا هجرنا انسانيتنا تخلينا عن مشاعرنا واصبح التفكير المادى هو سيد الفكرة وهو المسيطر عليها  كما يقول الشاعر نعيب زماننا والعيب فينا ومالزماننا عيب سوانا ونهجو ذا الزمان بغير زنب ولو نطق الزمان لنا هجانا.  فالمتأمل لحالنا نجد ان الزمن والمشكلات والظروف ليست هى السبب ولكننا نحن السبب فى كل تغير نحن بايدينا من دمرنا الجميل من المشاعر الإنسانية التى كنا نجتمع عليها ضيعنا منا لحظات الأنس والقرب من احبائنا ، حيث كانت تفترق الأجساد وتبقى القلوب مجتمعة والارواح تغذى شوقها بلقاء وتجمع آخر. اين نحن منا اين نحن من غذاء قلوبنا ومشاعرنا فلنقف وقفة حداد على ذكرياتنا وعلى أوقات لن تعوض أننا بحاجة إلى وقفة جادة قبل أن يتفكك المجتمع أكثر، وتنهار علاقاتنا وتتوقف عواطفنا . فيجب تعويد جيل اليوم الصاعد الذي يُعد جيل التقنية ونمط الفردية بالحياة . على تقوية العلاقات الأسرية ، كأن يخصص يوم بالأسبوع للاجتماع الأُسري ، ويوم بالشهر لاجتماع الأقارب، حتى يتم التجانس والتفاهم والتواد والتراحم، ونبقى دائما كالجسد الواحد، ونستطيع أن ننهض بأعباء ومشاكل وضغوط الحياة معا، بل ونسعد بتعايش سلمي واحترام متبادل وحياة كريمة هانئة وسط محبينا واقاربنا وننعم بالعزوة واللمة المجتمعة على المحبة الخالصة التى لا يشوبها شائبة دعوا انسانيتكم ومحبتكم ونبضات قلوبكم هى مرشدكم لكل تقارب فيما بينكم حتى نسعد بكل غالى وعزيز وقريب لدينا.

مشاركة :