يقول سفر الأمثال: مُسايرُ الحُكماء يَصيرُ حَكيماً، ومُؤانِسُ الجُهَّال يَصيرُ شَريّراً» (13: 20). يُحكى أن طالباً دَبَّر مقلباً سخيفاً مع أحد زملاء الفصل، فقد ألصق ورقةً على قميصه من الخلف مكتوباً عليها: أنا غبى»، وطلب من الجميع ألا يخبروه بذلك، ومِنْ ثَمَّ بدأ الطلبة يضحكون عليه طوال الوقت فى الفصل، وعندما بدأت حصة الرياضيات، كتب الأستاذ مسألة فى غاية الصعوبة، وطلب أن يتقدّم أحدهم طواعية لحَلّها، ولم يبادر أى شخص منهم سوى الطالب الذى وُضع على قميصه الورقة المهينة وسط ضحكات خافتة من زملائه وهو لا يدرى سببها، وعندما بدأ فى حل المسألة لاحظ الأستاذ هذه الورقة المكتوب عليها: أنا غبى»، واستطاع هذا الطالب حل المسألة المعقدّة، فطلب المدرس من جميع الطلبة أن يصفقوا له، ثم أزال الورقة الموجودة على ظهره. وقال له: يبدو أنك لا تعلم بشأن هذه الورقة وما كُتبَ عليها والتى قام أحد زملائك بوضعها على قميصك وتكتّم عليها الجميع». ثم توجّه نحو الطلبة قائلاً لهم: قبل معاقبة الفاعل، سأخبركم بأمرين، الأمر الأول: سيضع بعض الناس طوال حياتكم أوراقاً على ملابسكم مكتوب عليها أشياءً كثيرة مماثلة، والهدف منها أن تجرّكم للخلف كلَّما حاولتم التقدّم، فلو كان هذا الطالب النابغة يعلم بشأن الورقة، لَمَا تطوّع للإجابة، لذلك يجب عليكم أن تفعلوا مثله بأن تتجاهلوها وتتقدموا للإجابة كلما سمحت لكم الحياة بذلك. الأمر الثانى: أنه يبدو جليّاً بأن هذا الطالب ليس عنده صديق مُخْلِص بينكم يُخبره بشأن الورقة ويزيلها عن ملابسه. إذاً ليس المهم أن تمتلك عدداً لا حصر له من الأصدقاء، بل أن يكون بينهم واحدٌ تستطيع أن تثق به ويزيل تلك الورقة التى ألصقها بك الحاقدون». مما لا شك فيه أنه كثيراً ما يحدث معنا مثل ذلك أو نفعله مع الآخرين، فكل إنسان فى الحياة لديه هدف ويجب أن يعمل من أجله ليستثمر الحياة بالرغم من قصرها، كلّنا نسعى من أجل الكفاح، ومن المحتمل ألا ننجح فى بادئ الأمر، فلا نترك لليأس سبيلاً إلى أنفسنا، فأبواب النجاح عديدة ومختلفة، فإن أُغِلق بابٌ أو آخر، فلابد أن يُفتَح أحدهما أو كلاهما، لأن طُرق الحياة كثيرة، فإن كان اليوم أحدها مسدوداً أمام وجهنا، فظروف الحياة تساعدنا على التحلّى بالصبر والمثابرة، وسوف تُفتح لنا طرقٌ أخرى، لأن النجاح حليف من يثبت ويجتهد وينتظر. إذاً يجب أن نتحلّى بالإرادة التى هى سر النجاح فى الحياة، ولا نلتفت للخلف، بل للأمام، وبمقدار قوة الإرادة، يرتقى الإنسان ويرتفع فوق سلم النجاح. وفى نفس الوقت، يجب علينا ألا نُعير اهتماماً إلى الحاقدين الذين يسخرون منّا ومن نجاحنا، لأنهم يريدون بهذا أن يُحبطوا عزيمتنا حتى لا نتفوّق عليهم، بل يجب أن نفتش عن زملاء منافسين يدفعوننا إلى جلد الهمة والصعود لأعلى والسعى وراء النجاح. ليس عيباً أو خطأً أن نتحلّى بالمنافسة الشريفة التى لا علاقة لها بالحسد لأنها تدفعنا إلى الإعجاب بمن هو أفضل منّا، ونرغب فى التقدّم مثله وتولّد فينا الرغبة للاقتداء به، والنجاح على مثاله، فضلاً عن أنها تزيدنا حماساً ومثابرة. والإنسان العظيم النزيه المستقيم والمُخلص يتحلّى بالتواضع نحو الآخرين وأمام نجاحهم، ولا يترك أى حسد أو ضغينة تسيطر عليه، فالشخص الذى يحسد الغير على النعم والعطايا التى وهبها إياها الله؛ لن يستطيع أن يسلبها منه، بل ستكون النتيجة الوحيدة التى سيحصل عليها هى الغمّ والهم، لكن يجب عليه أن يتعلّم من الآخرين كيفية الحصول عليها. وكما يقول داود النبى فى المزمور: أرج الربّ وتشدد وليتشَجّع قلبُك وأرج الربّ» (26: 14). كل إنسانٍ منّا له رسالة سواء كانت دينية أو وطنية أو اجتماعية، وعليه أن يسعى للقيام بها غير مهتمٍ لما يعلو حوله من تنديد أو انتقاد أو سخرية، لأن الهدف من كل هذا هو تثبيط همته والقضاء على طموحه، ومما لاشك فيه أن كل شخصٍ ناجح فى الحياة سيقف أمامه كل أعداء الخير والفضيلة، فالويل للذى يضيع وقته وجهده فى الالتفات إلى ثرثرتهم أو التوقف عند ما يبثّوه من سموم فشلهم من حولنا، بل يجب أن نستمر فى سبيلنا دون أن نتأثر بما يفعلون أو يقولون. ونختم بالقول المأثور: مَنْ صبرَ ظفرَ، ومن تأنّى نال ما تمنّى».
مشاركة :