عادات الخلق الفني | فاروق يوسف | صحيفة العرب

  • 6/29/2020
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

هذا نص موجز لنص لن أكتبه. لم أعد أملك الوقت للقيام بذلك. هو أمر يؤسفني كثيرا. أحيانا تشغلنا تجليات الظاهرة عن الظاهرة نفسها. وهو ما حدث لي. شغلني الرسامون عن الرسم. كتبت كثيرا عن الرسامين من غير أن أكتب إلّا قليلا عن الرسم. كنت أظن أني سأصل من خلال الرسامين إلى الرسم. كان ذلك خطأ كبيرا. فالرسم ليس ما يفعله الرسامون دائما. كما أن الرسامين قد يقعون في طريقهم إلى الرسم في مشكلات تُعيق تقدمهم بحيث تتحوّل رسومهم إلى علب ممتلئة بالأفكار. ذلك ما لا يخدم الرسم باعتباره تجربة بصرية خالصة. الرسم هو ما يُرى ولا ما يُفكر فيه. ذلك تعريف هو الآخر مبتسر ولا يعبّر عن الجوهر. على سبيل المثال، أتحسّر كثيرا على رسامين يمتلكون حرفة عالية من غير أن يتمكّنوا من الرسم بمعناه الخيالي الذي يجعلنا نشعر أمام المشاهد المرسومة، كما لو أنها ملك الرسام وحده، وهي تذكرنا به أينما رأيناها في الطبيعة من حولنا. يستولي الرسام على وردة ما فيكون خالقها. تلك فكرة مجنونة حققها الأميركي سي تومبلي (1928 – 2011) بقوة لافتة. بعد تومبلي صرت أنظر إلى الأزهار بطريقة مختلفة. أقف أحيانا عند ساحل بحر عاصف فأتخيل أنني صرت جزءا صغيرا من لوحة سبق أن رأيتها لوليام تيرنر في متحف “تيت بريتان”. لا يمكنني النظر إلى الزهور المائية من غير التفكير بالفرنسي كلود مونيه كما لو أن الطبيعة استعارت تلك الزهور من لوحاته. يغيّر الرسم المعادلات حين يتمكّن من أسر الطبيعة بين قوسي الرغبة في تعلم عادات الخلق. في ذلك يفلت الرسم من الثناء على الجمال الجاهز الذي يكتفي بلعب دور المحرّض. الجمال هو ما ينساب خفيفا من بين طبقات الأصباغ التي تترك أثرها على سطح اللوحة. ذلك مفهوم يمزج القلق بالراحة. فالجمال يريح ويقلق في الوقت نفسه. لن ترتاح العين إلّا إذا أنصفت الطبيعة بشهادة الرسم.

مشاركة :