الفتنة في وحشتها | فاروق يوسف | صحيفة العرب

  • 7/21/2020
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

دائما يمكن الحديث عن الفنان التونسي حاتم المكي (1918ــ2003) بطريقة مختلفة. ذلك الرسام الذي شكّل ظهوره فاتحة جديدة للرسم الحديث في تونس، كان تفكيره في الرسم بمثابة فاصلة بين عهدين. عهد هيمنت فيه جماعة مدرسة تونس على المشهد الفني وعهد تلاه كان ملعبا للرسامين المشاغبين، المتمرّدين على النظريات التي تربط الحداثة بالمحلية. فبالرغم من أن المكي كان عضوا في جماعة مدرسة تونس، فإن رسومه لم تكن تعكس الطريقة التي كان يفكرّ من خلالها رسامو تلك الجماعة. هناك شيء مختلف يمكن العثور عليه في تربيته الشخصية. فالرسام الذي ولد في جاكرتا من أب تونسي وأم إندنوسية وعاش جزءا من طفولته في جزيرة جاوا كان متحرّرا من سلطة الواقع المحلي. لقد أعادتني رسومه حين اطلعت عليها إلى شرق شخصي متخيل. هو ليس شرق الحكاية بل الشرق الوحوشي الذي تنبض خطوطه بتعبير ضارب في عمقه. ذلك ما أكّدته لوحة خطية صغيرة منه رأيتها مؤخرا ليست معروفة غير أنها يمكن أن تمثل خلاصة فنه. تلك اللوحة تصوّر بورتريه لشخص ما. سبق للمكي أن رسم صورا شخصية بأسلوبه الخشن الفريد من نوعه. غير أن تلك اللوحة التي رأيتها مؤخرا كانت اكتشافا عظيما لأسلوب المكي بالنسبة لي. بالتأكيد لم يكن الوجه مقصودا لذاته بقدر ما كان المقصود البحث عن قوة التعبير في الخط. شيء ما يتعلق بالانفعال. تلك محاولة تذكر بفنسنت فان غوخ الذي لا يمكن الفصل بين شرايين يده والخطوط التي تظهر على سطوح لوحاته. رسم المكي بطريقة مختلفة وهو ما كان مطلوبا منه باعتباره رساما مجددا، غير أن تلك اللوحة الصغيرة قد تمثل الجانب الأكثر وضوحا في ذلك الاختلاف. من خلالها مزج المكي الخشونة بالرقة بطريقة يشعر المرء معها كما لو أنه يواجه الرثاء والهجاء معا. يحتاج المرء إلى فهم الألم من أجل أن يرى تلك اللوحة. غضب ولعنة ممتزجان في ألفة تقع مرة واحدة. في لوحة صغيرة وبزهد عال بالمواد عرف المكي كيف يلخّص تجربته الفنية كلها.

مشاركة :