في مديح البطء.. هل السرعة مطلوبة دائمًا؟

  • 6/29/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

في عصر السرعة، تكون الوقفة التأملية مهمة ومطلوبة، للمساءلة عن هذه السرعة وجدواها، والهدف منها، وما الذي أدت إليه، ذلك بالضبط ما فعله كارل أونريه في كتابه ذائع الصيت «في مديح البطء»، بالطبع لا يتعلق الأمر بالكسل، أو الدعوة إلى التقاعس وعدم النشاط، وإنما هو رغبة في إبطاء معدل سرعة الحياة لنكون أكثر إنتاجية. فمن نافل القول إن السرعة قد لا تعني الزيادة في الإنتاج، أو بالأحرى، ليست هناك علاقة أكيدة بين السرعة وكفاءة العمل، فليست كل الأعمال يتطلب إنجازها سرعة ما. ومن المعروف أن الدول التي قررت تقليل عدد أيام العمل إلى 4 أيام في الأسبوع زاد معدل إنتاج أفرادها عما كان عليه من قبل. يبدو أن دماغنا البشري له طاقة قصوى من النشاط، إذا وصل لها فلن ينتج شيئًا، ولن يتمكن من الوفاء بكل ما نطلبه منه. وبعيدًا عن كل هذا، فلهذا التسريع آثار سلبية ليست في العمل فحسب، وإنما في الحياة الاجتماعية بشكل عام. اقرأ أيضًا: كيف تتجنب الوقوع في الثقب الأسود للإنتاجية؟ضبط إيقاع الحياة ولكي تكون الأمور واضحة منذ البداية، علينا أن نشدد على أن الحديث عن مديح البطء لا يعني ذمًا للسرعة، وإنما الذي ننتقده هنا، وانتقده من قبلنا كارل أونريه في كتابه سالف الذكر، هو الهوس بالسرعة، إلى درجة أنها أمست عبادة العصر الحديث. إن المطلوب، والحال كذلك، أن نُبطء حالما يكون ذلك مطلوبًا، وأن نسرع حالما يتطلب الأمر ذلك، وحين نتمكن من فعل ذلك، فسيكون بإمكاننا ضبط إيقاع حياتنا، والاستمتاع بها، بل الإنتاج أكثر. وانتبه الكاتب والروائي ميلان كونديرا إلى خطورة السرعة وآثارها السلبية حين قال: «عندما تجري الأمور بسرعة كبيرة لا يمكن لأحد أن يكون متأكدًا من أي شيء، أي شيء على الإطلاق ولا حتى من نفسه». تعني السرعة، وفقًا لهذا الطرح، التشتت وغياب الانتباه؛ فالذي يعدو بشكل دائم، ويلاحق الكثير من الأشياء، فلن يصل أبدًا إلى وجهته، ولن يحقق شيئًا واحدًا من كل ما يسعى إليه. إن مفتاح السر في كثرة الإنتاج وكفاءة العمل هو التنظيم، سواءً كان تنظيمًا للوقت أو لحياتنا الشخصية والمهنية على حد سواء. اقرأ أيضًا: تنظيم الوقت خلال الأزمات.. حدد أولوياتكمرض الوقت في عام 1982م طرح عالم النفس الأمريكي لاري دوسي مصطلح «مرض الوقت»، ويقصد به ذاك الاعتقاد الوسواسي الذي يسود البعض بأن الوقت ينفذ، وأن علينا الإسراع باستمرار لإدراك هذا الوقت غير الكافي. ويعتقد «لاري دوسي» أن العالم كله مصاب بهذا المرض، بيد أننا من المهم أن نشير إلى أن الوقت مورد أو معطى سلفًا لن يزيد ولن ينقص، وإنما يتعلق الأمر بما نفعله نحن بهذا الوقت، واستخدامنا لهذا الوقت هو الذي يحدد مدى نجاحنا أو فشلنا في إدارته وتنظيمه. اقرأ أيضًا: طرق تجنب التشتت في العملالسرعة والغضب واحدة من بين أهم استبصارات كارل أونريه المهمة هو ربطه بين السرعة والغضب؛ فنظرًا لأننا جميعنا متعجلون، ونريد الفراغ من هذا الأمر أو ذاك، ترانا عُرضة للانفعال والانفجار في وجه أي أحد يعطل أو يؤخر معدل سرعتنا. إننا نبدو، بناءً على ذلك، وكأننا ثلة من المجانين تجري في كل اتجاه دون أن تدري أي اتجاه بالضبط تريد أن تسلكه، وعلى الرغم من هذا العدو المتواصل فإن إنسان العصر _ إنسان عصر السرعة _ قليل الإنتاج، لا يؤدي عمله بالكفاءة المطلوبة، وفوق كل ذلك هو منهك ومصاب بالإرهاق المزمن كذلك. ومن الغريب أن كل محاولات هذا الإنسان لرفع معدلات إنتاجه، وزيادة إنجازه تذهب دومًا في الاتجاه الخاطئ، فبدلًا من أن يتوقف ويلتقط أنفاسه، فإنه لا يفعل سوى مواصلة العدو، ظنًا أنه هذا يقوده إلى شيء، وهو في الحقيقة لا يطارد سوى سراب. اقرأ أيضًا:التنظيم النصف يومي للوقتالفناء والسرعة والإنجاز والسؤال المهم الآن لنفهم جدوى مديح البطء هو التالي: لماذا هذه الرغبة في السرعة؟ ما الذي يقودنا إلى ذلك ويدفعنا إليه؟ الإجابة عن ذلك هي: نظرًا لأننا فانون، ولأننا ندرك جزمًا أن مدتنا هنا وجيزة، وسرعان ما تنقضي، فترانا نسّرع من دورتنا، ونحاول تحقيق أكبر قدر ممكن قبل أن نرحل. ليس هذا فحسب، بل إننا نهرب من الموت بالعمل الكثيف، وربما غير المجدي كذلك، صحيح أن إدراكنا لفنائنا الشخصي يدفعنا إلى العمل وإلى المزيد من الإنجاز، لكن المهم أن نعمل في الإطار الصحيح، وأن ننجز ما يتوجب علينا إنجازه بالفعل. اقرأ أيضًا: التحكم في وقت الفراغ.. هل نحن مشغولون حقًا؟ خطة لإدارة الوقت جدول المهام وترتيب الأولويات

مشاركة :