الرجل المريض (2-2)

  • 6/30/2020
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

لماذا الوطن العربي هو الذي دائما تقوم فيه الحروب بالوكالة ومسرح لكثير من الحروب العالمية ومنها الحربان العالميتان وما تبعهما من حروب إقليمية؟ للإجابة عن التساؤل السابق بشأن أسباب أن الوطن العربي تدور على أرضه الكثير من الحروب، ومنها الحروب بالوكالة، فإن ذلك يرجع إلى أن الدول العربية أصبحت ضعيفة ومتفككة، وتكثر بينها الخلافات، غير عابئة ولا واعية للأخطار المحدقة بها، لتلك الأسباب أصبحت الدول العربية حاليا هي الرجل المريض الجديد في هذا الجزء من العالم، بأوضاع داخلية غير مستقرة، وتدخلات خارجية في شؤونها الداخلية، وكثرة الخلافات بين بعض دولها. ما المقصود بالتدخلات الأجنبية في البلاد العربية ومن يخدم هذا التدخل؟ أول المستفيدين من الوضع الحالي في منطقتنا العربية هو الكيان الصهيوني الذي يريد فرض سيطرته على كامل الأراضي العربية، والسيطرة على اقتصادات الدول العربية من ثروات معدنية أو مياه الأنهار أو الموقع الجغرافي المميز، وهذا واضح في احتلالها أراضي فلسطينية وأراضي سورية ولبنانية وتريد المزيد، وعلى الجانب الآخر لا يوجد شك في أن هناك تنسيقا وتعاونا إيرانيا- تركيا القصد منه أيضا اقتطاع أجزاء من أراضي بعض الدول العربية، وذلك عبر تدخلها في الشؤون الداخلية العربية السابق ذكرها. فما الخطة للسيطرة الكاملة على الدول العربية؟ في اعتقادي أن الوطن العربي أصبح ضعيفا بعد أن كبل باتفاقيات مع الكيان الصهيوني أطلق عليها اتفاقيات سلام بدأت في كامب ديفيد مع أكبر دولة عربية من القوة العسكرية والنفوذ السياسي، وهي مصر لحقتها بعد سنوات اتفاقية مدريد مع السلطة الفلسطينية، وكذلك اتفاقية وادي عربة مع الأردن، كل هذه الاتفاقيات لم تخدم المصالح العربية، بل إن الكيان الصهيوني هو المستفيد الأكبر، والدليل على ذلك توسعه في الأراضي الفلسطينية وإنشاء المستعمرات وطرد الفلسطينيين من منازلهم. والسؤال الذي يطرح نفسه: ما الذي تهدف إليه الدول الأخرى في تدخلها في الشأن العربي وما خطتها في ذلك؟ إيران تريد السيطرة على العراق وسورية ولبنان وكذلك الأردن؛ ليصبح لها هلال سياسي موال لها، وهذا ما صرح به مرارا عدد من المسؤولين الإيرانيين، والطرف الآخر تركيا تريد بتدخلها في سورية أن تقتطع أجزاء منها خاصة المحاذية لحدودها، وكذلك في شمال العراق، وأيضا في شمال إفريقيا العربية، وبالذات في ليبيا التي أرسلت لها قوات عسكرية تقاتل مع أحد الأطراف الليبية المتصارعة، وأهمية ليبيا لتركيا أن تكون قريبة من السواحل الجنوبية لأوروبا، وتكون ورقة ضغط للدول الأوروبية، وخصوصاً فيما يتعلق بمسألة الهجرة غير الشرعية من إفريقيا لأوروبا، وذلك لا بد أن يخلق مشاكل للاتحاد الأوروبي. هذه السياسة القائمة على التدخل في الشأن العربي من بعض الدول الهدف منها السيطرة أو إضعاف أكبر قوتين في الوطن العربي، وهما السعودية ومصر، فالأولى ذات قوة اقتصادية وسياسية ودينية جعلها من الدول المؤثرة في المنطقة العربية لإضعاف أمنها واستقرارها ومهاجمتها من الخارج، كما هو حاصل في اليمن واستخدام الحوثيين الصواريخ والطائرات المسيرة عن بعد لضرب المدن السعودية والمناطق الاستراتيجية فيها لتشجيع الاضطرابات في بعض مدنها كالقطيف واستهداف العاصمة الرياض، وهذا كله بدعم وتمويل إيراني، وتصريحات المسؤولين الإيرانيين العدائي تجاه السعودية تؤكد ذلك. أما الهدف الآخر للسيطرة على المنطقة العربية فهو إضعاف مصر سياسيا واقتصاديا وأمنيا، وهذا ما يحصل من قيام جماعات مسلحة بأعمال عسكرية ضد مصر في الجزء الشرقي من البلاد وهي سيناء، أما في الجنوب فإن قضية سد النهضة الإثيوبي هي الأخرى تهدد الأمن القومي المصري، وتستخدم كورقة ضغط لإضعاف مصر التي تعتمد فيها الحياة على تدفق مياه النيل إليها عبر عدة دول، ومنها المحطة الأخيرة في جريان النهر كي يمر بالسودان، وينتهي في مصر، وكلتا الدولتين ستتضرر من هذا السد. أما الخطر الثالث الذي يتهدد مصر فيأتي من الجهة الغربية لحدودها ألا وهي ليبيا التي أصبحت ساحة صراع عسكري بين الأطراف الليبية المدعومة من الخارج من أكثر من دولة، ومنها تركيا التي عززت وجودها العسكري في هذه الدولة العربية، ووجود القوات الأجنبية في الأراضي الليبية وعدم الاستقرار فيها تهديد للأمن الوطني لمصر التي ستبذل الكثير للحفاظ على أمنها وسيادة أراضيها. نصل في النهاية إلى أن كل هذه المشاكل في منطقتنا العربية ترجع بالأساس إلى أن الدول العربية انشغلت لعدة عقود بالخلافات فيما بينها، واستعانت بالعنصر الأجنبي في ذلك، مما أنهك هذه الدول وأضر باقتصادها وأمنها الوطني. في ظل هذا التمزق العربي والتدخلات الأجنبية أصبح الوطن العربي في حالة ضعف، ويطلق عليه الرجل المريض، وأسأل العلي القدير أن يهدي قادة الدول العربية لحل خلافاتهم، وأن يقووا علاقاتهم ليصبح لهم قوة تمنع الآخرين من التدخل في الشأن العربي، وألا تعتقد أي دولة عربية أنها في منأى عن الخطر الذي قد يأتي من أي مكان أو زمان، ولتتعظ الدول العربية وتحافظ على تماسكها وتعاونها لتصبح أمة قوية لها تأثير وقوة في هذا العالم، وتتعافى من مرضها وتذهب عنها صفة الرجل المريض.

مشاركة :