رغم تأكدي أن مدة تصحيح وضع العمالة الوافدة حتى بعد التمديد الأخير لن تكون كافية، إلا أني رحبت بعدم تمديدها ثانية، وهو أمر لو حدث لاهتزت مصداقية الحملة وجديتها ولاستمرأته العمالة وكل من يقف خلفها. بدء حملة التفتيش وبهذه القوة، التي آمل ألا تخمد بعد حين، والأعداد التي تم القبض عليها خلال يومين فقط أظهر لنا حقيقة الفاجعة التي نعيشها، فما تختزنه بلادنا من عمالة مخالفة فاق كل التوقعات والحسابات السابقة، نحن هنا أمام أزمة أخلاقية أولا، وإدارية ثانيا، عصفت بأسواقنا على مدار سنين فنتجت عنها آثار ضارة اجتماعيا واقتصاديا وأمنيا. تقول إحصائية وزارة العمل إنه تم تجديد 3.8 مليون رخصة عمل و2.3 مليون تعديل مهنة و2.45 مليون نقل كفالة، وكانت الوزارة أعلنت سابقا أن لديها مليونا ونيفا من معاملات التصحيح، بيد أن منظر الأسواق المغلقة يشي أن هناك أعدادا مضاعفة من العمالة السائبة اختبأت، ليس في رؤوس الجبال أو بمتاهات الصحراء، بل داخل مدننا وفي أحياء يكاد يعرفها كل رجال الحملة، فمعظمهم شارك في حملة مداهمات سابقة داخل الأحياء العشوائية والمهجورة، وهنا يأتي دور المواطن في التعاضد بعدم التستر أولا، وبضرورة التبليغ ثانيا عما يلاحظه من تهربهم. دعونا نسمي الأشياء بمسمياتها، نحن لا نواجه عمالة وافدة أو زائدة عن الحاجة، بل نواجه عمالة سائبة متواطئة مع مواطنين، ولا يمكن، والحالئذ، تحميلها كامل الوزر، دعونا نعترف أنها جريمة ضد الوطن والمواطن، ثم لنبدأ محاسبة من أحضرهم أو كفلهم أو تستر عليهم، معظمهم دخلوا بأوراق رسمية وجدد إقاماتهم طوال سنين موظفون رسميون وأجازت ذلك وزارتا العمل والتجارة والغرف التجارية، إضافة بالطبع للمسؤولية المباشرة لمافيا التأشيرات. هؤلاء كلهم مسؤولون تضامنيا عن إغراق مدننا بعمالة هددت سلمنا الأهلي وقيمنا الاجتماعية، وساهمت في مد ظلال البطالة بحرمان شبابنا من فرص عمل أتيحت للوافدة برواتب وأجور لا يقبلها المواطن لتدنيها عن الحد العالمي للأجور أو حتى في دول مجاورة. يتبقى لوزارة العمل إضافات كثيرة لمحاصرة آفة البطالة، لعل أهمها المسارعة بتحديد حد أدنى للأجور، بدونه سيظل مغريا لضعاف النفوس من القطاع الخاص وغيره استقدام عمالة نظامية تنافس بأجورها المتدنية شبابنا العاطل وتطرده من سوق العمل.
مشاركة :