طوى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين صفحة تعديل دستوري يقول إنه يهدف منه ضمان "أمن واستقرار وازدهار" روسيا، بينما يشير خصومه إلى أن جوهره هو السماح له بالبقاء في السلطة حتى عام 2036 وتوسيع صلاحياته الرئاسية وضمان أن تواصل روسيا السير على النهج القومي المحافظ اجتماعياً. ويحكم بوتين البلاد بشكل فعلي منذ عام 2000 ففي "الجمهورية البوتينية الأولى"، حكم كرئيس لولايتين حتى 2008. وأُجبر على أن يحكم البلاد من 2008 إلى 2018 من خلال منصب رئيس الوزراء، وسلّم الرئاسة لديمتري ميدفيف بسبب القيود على الترشح التي كان يفرضها الدستور وكانت هذه "الجمهورية الثانية". وعاد إلى الرئاسة في عام 2012 ولا يزال يحكم حتى اليوم في "الجمهورية الثالثة" ومع سريان التعديلات الدستورية تكون روسيا قد دخلت في "الجمهورية البوتينية الرابعة". وكان الاستفتاء مقرراً أساساً في 22 أبريل، وتم إرجاؤه بسبب جائحة "كوفيد 19" إلى أمس. لكن بهدف تجنب الازدحام الشديد في مراكز الاقتراع بدأ الاستفتاء في 25 الجاري. وليس هناك شك في النتيجة: فقد تمت الموافقة على الإصلاحات من السلطة التشريعية في بداية العام والنص الجديد للدستور معروض للبيع في المكتبات. وتوجه بوتين، الذي ينظر إليه كثير من الروس على أنه أعاد بناء البلد بعد الفوضى التي تلت سقوط الاتحاد السوفياتي، إلى 110 ملايين ناخب أمس الأول، داعياً إياهم للتصويت ومشدداً على أن "سيادة روسيا تعتمد على إحساسنا بالمسؤولية". وأصبح رائد الفضاء الروسي أناتولي إيفانيشين أول إنسان يصوت عبر الإنترنت من وكالة الفضاء الدولية على ما ذكرت وكالة "روسكوسموس" الروسية للفضاء في بيان. ويقيم إيفانيشين في المحطة منذ مطلع أبريل. ويملك إيفانيشين عنواناً دائماً في موسكو ما سمح له بالتصويت إلكترونياً عبر موقع مكرس لهذه الغاية. ولم يقم منتقدو الكرملين، بما في ذلك الخصم الأساسي لبوتين أليكسي نافالني بحملة بسبب فيروس "كورونا" ولأنهم اعتبروا أن الاستفتاء يهدف فقط إلى ضمان أن يصبح بوتين "رئيساً مدى الحياة". وحسب منتقدي النظام، ضاعفت السلطات الحيل لضمان النجاح الباهر للاستفتاء والمشاركة الكبيرة. وكان التدبير الأكثر لفتاً للأنظار هو إنشاء مراكز اقتراع موقتة في الهواء الطلق، في الساحات والملاعب الرياضية، من دون احترام كبير لسرية التصويت أو المراقبة الكافية لصناديق الاقتراع. ويكمن هدف هذه المناورة، وفقاً للمعارضة، ليس حماية الناخبين من "كوفيدـ19"، بل خلق نتيجة مفصّلة. ونددت المنظمة غير الحكومية التي تشرف على الانتخابات "غولوس" بضغط المسؤولين والشركات على الموظفين لدفعهم إلى التصويت. كما وثقت حالات تصويت متعدد. وعند سؤاله عن هذا الموضوع، تحدث ديمتري بيسكوف الناطق باسم الكرملين عن "حالات فردية" لكنه قال، إنها "لا تهدد مصداقية نتائج الانتخابات". وإضافة إلى مسألة الانتخابات الرئاسية، تتضمن التعديلات المقترحة بعض الامتيازات الرئاسية مثل تعيين قضاة أو فصلهم. يضاف إلى ذلك ربط معاشات التقاعد بالتضخم ومبادئ اجتماعية محافظة مثل "الإيمان بالله" والزواج كمؤسسة تجمع بين رجل وامرأة فقط في خطوة معادية للمثليين. كذلك، يدرج الأطفال على أنهم "أهم أولويات السياسات العامة" ويجب على الدولة أن تغرس فيهم "حب الوطن والتربية المدنية واحترام أسلافهم". وأدخل بوتين في الإصلاح الدستوري القيم المجتمعية المحافظة والوطنية وهي من المواضيع العزيزة بالنسبة إليه. ويأتي التصويت في الوقت الذي تعرضت فيه شعبية بوتين لانخفاض جراء التعامل مع جائحة "كوفيدـ19" وتعديل متلق بسن التقاعد. وبعد أن طوى بوتين الصفحة بأقل خسائر تتجه الأنظار إليه الآن إذا كان سيعلن نيته الترشح مجدداً عند انتهاء ولايته في 2024. وكان بوتين قال سابقاً، إنه يرفض "النموذج السوفياتي" عندما كان الأمين العام للحزب الشيوعي يبقى في منصب الرئيس حتى وفاته.
مشاركة :