بقدر ما نلوم الجيل الجديد بقدر ما نوسع الفجوة ونزيد الهوة بيننا وبينهم، لقد بات جلد الذات هواية ورغبة أكثر منها حقيقة وحاجة في الوقت الذي ينزع فيه الكبار إلى جاذبية (الماضوية) وأيام الطيبين بديمومة تدعو للدهشة. إن تلك المقارنات الفجة بين جيل سابق يمهره الكبار بالنزاهة والنقاء والحد الصفري في الأخطاء والتجاوزات ثم ينزلون تلك المقارنة على هذا الجيل رغم الاختلاف الحاد بين الفترتين والبون الشاسع بين المرحلتين في كثير من المعالم والملامح لهو أمر يحتاج إلى إعادة نظر وتأمل. وحين نقول إن لكل زمن رجاله وظروفه فإننا لا ننأى عن الحقيقة بحال ذلك أنه من الخطأ الفادح أن نقرر يقيناً أن الجيل السابق أفضل بالمجمل ثم نصدر أحكامنا الاستباقية عن جيل جديد لم نستطع حتى اللحظة أن نقترب منه أو أن نتماهى ونتواءم معه. وكم قيل فالحكم على الشيء فرع عن تصوره ولذا فإنني أتساءل كيف نطلق أحكامنا هكذا جزافاً على جيل لم نتعرف عليه حق المعرفة ولم ندرس رغباته واتجاهاته وميوله بدراسة علمية، إنني أجزم أننا لم نشاهد فقط إلا رأس الجبل الجليدي من جيلنا القادم. وإن ذلك التنزيه المعلن المسكون بالنقاء المبطن والذي نرى فيه ومن خلاله حالة من الملائكية البيضاء لجيل الكبار لم يعد ينطلي على جيل جديد متسلح معرفياً وإن كانت تلك الحالة المثالية المعلنة وذات الترويج الممل نجحت في فترات سابقة وأخذت لها حيزاً واسعاً إلا أنها كما يبدو لي بدأت تتقلص إلى الحد الأدنى في تأثيرها ومستوى قناعة أجيال المستقبل بها. إن ما تهيأ للجيل الجديد الآن وخاصة في الجوانب المعلوماتية يفوق بمتواليات هندسية ما تهيأ للكبار قبل خمسين سنة ولذا فإن هذا الأمر يعطينا مؤشراً واضحاً عن إضافة إيجابية في كفة الجيل الجديد على حساب جيل قديم لا يزال يكابر بأنه الأفضل. وفي تقديري إن استمرار تلك المقارنات المجحفة سيسبب– حتماً– صورة من الضدية المفضية إلى قطيعة نفسية وتواصلية بالغة السوء في وقت نحن أشد ما نكون حاجة للتقارب النفسي والاجتماعي بين الكبير والصغير على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع. ولم يعد خافياً أن البيوت التي تعاني من ضعف أو انعدام التواصل بين أفرادها هي بيئة مناسبة جداً للتصدع والمشكلات والمصادمات وأن ابتعاد أفرادها عن بعضهم سيجعل نسيج تلك الأسرة معرضا للتهتك ولا تسل بعد ذلك عن الغنم القاصية حين تصبح لقمة سائغة للذئاب المفترسة. وإن المجتمع برمته ومن ناحية قيمية قبل أن يكون أمراً عينياً واجباً يجب أن يكون متماسكاً في بنيته الداخلية فذلك سبب لقوته وصلابته غير أن ضياع الإحداثيات بين أفراده كباراً وشباباً وصغاراً هو في حقيقته ضعف وتأخر وتقهقر حاضراً ومستقبلاً. ولكي لا نغرق في التنظير فما أجمل أن تتحول الأمنيات إلى برامج نوعية واقعية تسعى للتقريب بين الفئات العمرية في المجتمع الواحد فهذا الجانب فيما يبدو لي مهمل ولم يعط حقه من الاهتمام وأعتقد أنه آن الأوان أن نبدأ الخطوات الأولى في هذا الاتجاه وقد قيل لم يتأخر من بدأ. إن العلاقات بين الأفراد في الأسرة الواحدة والمجتمع الواحد جديرة بأن تعطى اهتماماً مضاعفاً من الجميع وليت أن الفرد يبدأ بنفسه وبأهل بيته ذلك أن السعي إلى تكوين علاقة رائعة في البيت الواحد هو نواة لكي تتسع بقعة هذه التجربة الجميلة لتشمل أكبر مساحة من البيوت، وسنجد أنفسنا مع الوقت أننا قد وصلنا إلى نتيجة إيجابية لم نتوقعها البتة. من المهم أيضاً أن نكون واقعيين في تعاطينا مع هذه الحالة التقاربية من عدة جوانب لعل أهمها عامل الوقت والتباين في مستوى القبول والتطبيق والرضا بالنتائج الأولية وإن لم تكن مشجعة. السؤال الأهم هنا: من سيتولى زمام المبادرة في هذا المشروع الاجتماعي البالغ الأهمية؟! تربوي
مشاركة :