ما زال الحنين إلى المظاهر القديمة لشهر رمضان عند أهالي منطقة عسير، يثير ذكرياتهم وشجونهم إلى تلك الأيام الماضية التي كانت الحياة فيها تتسم بالبساطة رغم التعب والشقاء، وتزداد فيها الروحانيات وتكثر فيها العبادات. ويتذكر كبار السن من مواطني عسير، كيف كانوا ينتظرون قدوم رمضان عندما كانوا صغارا، ويستقبلونه بفرحة كبيرة، وكيف كان الأهالي والأصدقاء يجتمع شملهم كل مساء في ليالي الشهر الكريم. فرحة رمضان يتذكر المواطن سليم العمري في صغره، أن الناس كانوا يستقبلون رمضان بالعبادات ويفرحون بقدومه وكأنه هو العيد بل هو أعظم من العيد، ويعتبرونه فرصة تجارية مع الله سبحانه وتعالى. ويضيف العمري أن أهالي عسير، لهم عاداتهم وتقاليدهم الخاصة في رمضان، ويتناولون وجبة الإفطار والعشاء والسحور بمشاركة الأهل والأقارب، وتجتمع العديد من الأسر والعائلات تجتمع بعد صلاة التراويح في البيوت لتناول بعض الوجبات وذلك من باب صلة الأرحام. وهناك فرق شاسع في العادات والتقاليد ين رمضان في الماضي والحاضر، ففي السابق كان الناس يتداخلون ويتزاورون، وكانت المنازل مفتوحة أبوابها لاستقبال الصائمين سواء من القرية نفسها أو من العابرين، ولكن في الوقت الحالي قلت كثيرا اللقاءات بين الناس. البساطة والشقاء ويحكي لنا العم صالح، أن رمضان كان يتصف بالبساطة فيما مضى، وكان الصغار يتسابقون على جلب الماء البارد لمسجد القرية المتواضع، ومساعدة إمام المسجد حينها في تحضير سفرة الإفطار حيث كان الصائمون يجتمعون عند أذان المغرب على سفرة الطعام ليفطروا على التمر والماء فقط. ويضيف «كم تكون فرحتنا وفخرنا نحن الصغار عندما كنا نشارك الكبار إفطارهم في المسجد حيث كنا نتمتع بأكل التمر حتى نشبع ونشارك الصائمين إفطارهم في المسجد». وكان أهل القرية لا يفطرون إلا بعد عناء حقيقي، فكانوا يذهبون منذ بداية شروق الشمس للبحث عن لقمة العيش، فمنهم من يذهب للزراعة ومنهم من يذهب للاحتطاب وغيرها من المهن القديمة والتي كانت تتميز بأن جميعها كانت شاقة. وتلك الأعمال الشاقة لا تنتهي إلا بعد أذان الظهر رغم الصيام وحرارة الشمس، فكان أهل القرية يخففون تلك الحرارة بسكب الماء البارد على رؤوسهم. ويردف العم صالح قائلا «عندما كنا ننتهي من أعمالنا عند صلاة الظهر نذهب لمنازلنا لنأخذ قسطا من الراحة إلى أذان العصر ومن بعدها نتوجه إلى أداء الصلاة والجلوس بالمسجد لقراءة القرآن إلى قبيل المغرب بساعة لنخرج بعدها إلى منازلنا تأهبا لسفرة الإفطار التي كانت مقتصرة على التمر والماء فقط في كل المنازل، وبعد الإفطار وصلاة المغرب، ننتظر أداء صلاتي العشاء والتراويح، ومن ثم نتناول طعام العشاء والذي كان مقصورا إما على المرق والخبز أو الفتوت، وننام بعدها إلى أن نستيقظ قبيل الفجر للإمساك وأداء الصلاة والذهاب إلى كفاح الحياة مع بداية اليوم. وأخيرا شكر العم صالح، الله على النعمة التي نعيشها في هذا الوقت، مشيرا إلى أن الله من علينا بالوقت الراهن بالراحة الخير الكثير وأبعد الشقاء.
مشاركة :