يحمل المسلمون في كل مكان ذكريات وشجونًا خاصة عن شهر رمضان، تدفع في عروقهم الحنين إلى الزمن الجميل، حينما كانت الحياة تتميز بالبساطة، والتلقائية، والهدوء، رغم التعب والمشقة الناجمة عن عدم توافر الوسائل الترفيهية التي تنتشر بقوه هذه الأيام، ومع قرب حلول الشهر المبارك، يتذكر أهالي منطقة عسير تاريخًا عريقًا، ما زال كبار السن يحتفظون به مسيطرًا على صفحات عقولهم. بساطة وروحانية وعلاقات وطيدة ويقول العم عبدالله، أحد مواطني عسير: «كنا في رمضان قديمًا، نفطر على دوي المدفع الذي كان صوته يثير فرحتنا، وتجمعنا لذة الإفطار الجماعي على مائدة واحدة»، مؤكدًا أن شهر رمضان في زمانهم، كان ذا نكهة مختلفة، من حيث البساطة، والروحانية التي كان يحملها. وأشار العم عبدالله في حديثه لـ»المدينة»، إلى أن رمضان حاليًا يختلف عما مضى، خاصة في مكونات مائدة الإفطار، قائلًا: «كانت مائدتنا قديما لا تضم سوى أصنافًا محدودة مثل: الشوربة والخبز، وفي بعض الأوقات لا يتوافر الصنفان في وقت واحد، فكنا نكتفي أحيانًا بالخبز واللبن بعد أن نتناول حبات التمر، وإرواء ظمأنا بالماء». وعلى صعيد العلاقات بين الناس، يرى العم عبدالله أن رمضان الآن اختلف كثيرًا، عما كان عليه سابقًا، فقديمًا كانت تجمعهم ليالي الشهر المبارك، بعلاقات وطيدة، فكانوا يتشاركون كل شيء بدءًا من الإفطار مع الأهل، والجيران، وحتى نهاية الليلة، وهو ما يفتقده المجتمع في الوقت الحالي بحسب رأيه. سعادة غامرة رغم جهد العمل ويتذكر العم عبدالله بعضًا من تاريخ رمضان في أبها قائلًا: «كنا ننتظر صوت المدفع الذي يأتي من قمة جبل ذرة، لكي نبدأ إفطارنا، وحينما نرغب في أكل اللحم نردد عبارة شاة الذيب.. شاة الذيب، تعبيرًا عن اشتياقنا لأكل اللحم»، مشيرًا إلى أنهم كانوا في رمضان يشعرون بلذة هذا الشهر الكريم، رغم أنهم منذ الطفولة يعملون في نهاره، من خلال اهتمامهم بالماشية، وجمع الحطب للمنزل، إلا أنهم كانوا يعيشون في سعادة. فرصة للتجارة مع الله بدوره يتذكر المواطن سليم العمري، أن الناس كانوا يستقبلون رمضان بالعبادات، ويفرحون بقدومه؛ باعتباره فرصة سانحة للتجارة مع الله، مضيفًا أن أهالي عسير لهم عاداتهم وتقاليدهم الخاصة في رمضان، فيتناولون وجبات الإفطار، والعشاء، والسحور، بمشاركة الأهل والأقارب، وتجتمع الأسر والعائلات عقب صلاة التراويح في البيوت؛ لتناول بعض الوجبات، من باب صلة الأرحام، لافتًا إلى أن هناك فرقًا شاسعًا في العادات والتقاليد في رمضان بين الماضي، والحاضر. وأضاف: «في السابق كان الناس يتداخلون ويتزاورون، وكانت المنازل مفتوحة الأبواب؛ لاستقبال الصائمين، سواء من القرية نفسها، أو من العابرين، لكن في الوقت الحالي قلت هذه المظاهر كثيرًا». التمر والماء ويحكي العم صالح، أن رمضان كان يتصف بالبساطة فيما مضى، وكان الصغار يتسابقون على جلب الماء البارد لمسجد القرية المتواضع، ومساعدة إمام المسجد حينها في تحضير سفرة الإفطار، حيث كان الصائمون يجتمعون عند أذان المغرب على سفرة الطعام؛ ليفطروا على التمر والماء فقط. وأضاف خلال حديثه لـ»المدينة»: «كنا نشعر بفرحة غامرة، ونحن صغار، عندما كنا نشارك الكبار إفطارهم بالمسجد، ونستمتع بأكل التمر حتى نشبع»، مشيرًا إلى أن أهل القرية لا يفطرون إلا بعد عناء حقيقي، فكانوا يذهبون منذ شروق الشمس، للبحث عن لقمة العيش، فمنهم من يذهب للزراعة، ومنهم من يذهب للاحتطاب، وغيرها من المهن القديمة الشاقة، والتي لا ينتهون منها إلا بعد أذان الظهر، رغم الصيام، وحرارة الشمس الحارقة، والتي كان أهل القرية يخففونها وطأتها بسكب الماء البارد على رؤوسهم. وتابع: «عندما كنا ننتهي من أعمالنا عند صلاة الظهر، نذهب لمنازلنا لنأخذ قسطًا من الراحة، إلى أذان العصر، ومن بعدها نتوجه إلى أداء الصلاة، والجلوس بالمسجد لقراءة القرآن، إلى قبيل المغرب بساعة، لنخرج بعدها إلى منازلنا تأهبًا لسفرة الإفطار، التي كانت مقتصرة على التمر والماء فقط في كل المنازل، وبعد الإفطار وصلاة المغرب، ننتظر أداء صلاتي العشاء والتراويح، ومن ثم نتناول طعام العشاء، والذي كان مقصورًا إما على المرق والخبز، أو الفتوت، وننام بعدها لنستيقظ قبيل الفجر للإمساك، وأداء الصلاة، والذهاب إلى كفاح الحياة مع بداية اليوم الجديد».
مشاركة :