القاهرة - فتح القضاء المصري الباب أمام الزوجة الثانية لطلب الطلاق مع الاحتفاظ بكامل حقوقها إذا أثبتت تعرضها للضرر المادي أو المعنوي، وهو الطلب الذي خاضت منظمات نسوية معارك ضارية لإجبار الحكومة على إدراجه ضمن قانون الأحوال الشخصية. وأصدرت محكمة أسرية مؤخرا أحكاما عدة قضت بتطليق زوجات عانين من الزواج الثاني وحصلن على مظلة قانونية تحرر المتضررات من سجن الزوج دون خسارة مادية، حيث تحصل المطلقة على النفقة والمؤخر والمهر بشكل يؤمن مستقبلها هي وأولادها عندما تقرر الانفصال. قوبل التحرك القضائي لصالح الزوجات بتأييد نسائي كبير، في ظل تلكؤ الحكومة في إقرار مواد قانونية تمنع الرجل من الزواج الثاني دون علم الزوجة الأولى، واعتباره دليلا على أنها تعيش مع زوج غير أمين ويتعامل معها كأداة جنسية ليس أكثر. وأصبح بإمكان أي زوجة متضررة من الزواج الثاني الاستناد إلى القرارات القضائية الصادرة مؤخرا في استصدار حكم بتطليقها دون الحاجة إلى تداول القضية لفترة طويلة، حيث أصبحت هناك قاعدة قانونية يمكن اللجوء إليها. ويبدو أن الأزهر تعرض لضغوط من متشددين لتجميد قانون عمل المأذونين الذي أرسلته الحكومة للبرلمان، ووافقت عليه اللجنة التشريعية، ويقضي بعدم اقتران زواج الرجل بأخرى إلا بإذن كتابي من الأولى. وتم إرسال القانون إلى المؤسسة الدينية لإبداء الرأي الشرعي فيه. وترى منظمات نسائية أن إبلاغ المرأة بوجود شريكة لها في زوجها حق أصيل لها لاحترام كرامتها، لأن الإخفاء ينطوي على خديعة يصعب معها تأسيس حياة أسرية قائمة على الأمانة. كما أن عدم علم الزوجة يوحي بأنه تم إجبارها على الاستمرار في علاقة ترفضها، إذا عرفت الحقيقة. وغير مستبعد أن يكون انفتاح القضاء تجاه الحفاظ على كرامة الزوجة، والحد من التعددية التي تتحصن بعباءة الدين، توجها لدى الحكومة لتكون محاكم الأسرة بديلة عن القانون الذي لم يخرج إلى النور بسبب تحفظ الأزهر وخشية الصدام مع أنصار العقلية الذكورية. ورسخت محاكم الأسرة قاعدة تاريخية يمكن أن تكون درسا لأي رجل عندما قالت “إن عدم إبلاغ الزوجة بالرغبة في الزواج الثاني غش يصعب التعايش معه، لأن من حقها أن تقرر مصيرها بإرادتها، إما الاستمرار في الزواج وإما الانفصال، حتى لا تستمر في علاقة لا تكتمل أركان أمانتها”. ويحق لأي امرأة علمت بأن زوجها تزوج عليها أخرى أن ترفع دعوى لتطليق نفسها، لكن ذلك يرتبط بمدى شجاعتها في أن تحمل لقب مطلقة داخل مجتمع ينظر إلى النساء المطلقات باعتبارهن متمردات ويعاملهن معاملة سلبية. وليس سهلا أن تقدم الزوجة على هذه الخطوة لأسباب ترتبط بضغوط عائلية قد تجبرها على تحمل الأضرار المعنوية والصبر على وضعها الصعب من أجل أبنائها، وأخرى تتعلق باحتمال أن تكون منبوذة اجتماعيا وربما سببا في استهدافها من قبل زوجها أو أسرته ما يجعل حياتها محاصرة بالأزمات والصراعات. الأمر لا يتعلق فقط بخداع شريكة الحياة بل بتأسيس أسرة ثانية على حساب الأولى عند الزواج دون علم الزوجة الأولى وعندما علمت أميمة محمود، وهي أم لثلاثة أبناء، صدفة بأن زوجها ارتبط رسميا بأخرى طلبت منه الانفصال لكنه أبلغها بأن لديه أبناء منها، أيّ أنه تزوج منذ سنوات دون علمها، وكان يتحجج بالمبيت خارج المنزل بذريعة أن ظروف عمله تتطلب ذلك. وقالت أميمة لـ”العرب” إنها ذهبت إلى منزل أهلها غاضبة لكنهم أجبروها على العودة بذريعة أن “الشرع يحلل للرجل أكثر من زوجة”، وعندما امتعضت هددها والدها وأشقاؤها بالحرمان من الميراث والقطيعة الأبدية، حتى عادت إلى بيت الزوجية وهي “ذليلة منكسرة قليلة الحيلة أمام زوجها”. ونجح الكثير من رجال الدين في إقناع العائلات بحق الرجل في الزواج بثانية وثالثة ورابعة بذريعة أن الشرع حلل ذلك، دون اكتراث بأن الإسلام رهن التعددية بقدرة الزوج على العدل والمساواة والقيام بواجباته دون أن يشعر أيّا من الزوجات بالحرمان العاطفي أو المادي، وهو ما يصعب تحقيقه. ولا تنكر أميمة أنها تلقت نصائح من صديقاتها برفع دعوى قضائية لطلب الطلاق بدافع الضرر لأن زوجها يهجرها لفترة طويلة ويذهب لزوجته الثانية، لكنها عدلت عن الفكرة بسبب تهديدات أسرتها كما أن زوجها قد يقدم للمحكمة حججا على أنها كانت تعلم وارتضت بالأمر. ويشترط لقبول المحكمة دعوى الطلاق للضرر من الزواج الثاني أن تؤكد الزوجة الأولى أنها لم تكن على علم وتعرضت لخديعة وأن ذلك أثر عليها ماديا ومعنويا، وفي حال إثبات الرجل أنه أبلغ زوجته كتابيا يصدر الحكم القضائي لصالحه ويخرج من المعركة منتصرا. ويلجأ بعض الرجال إلى حيلة ماكرة تتمثل في إرسال خطاب للزوجة لإعلامها بزواجه من أخرى على عنوان خاطئ أو أن يتفق مثلا مع حارس البناية أو العقار على استلامه وإخفائه، بحيث يكون ذلك دليلا لتبرئة ساحته أمام القضاء من تهمة خداع زوجته الأولى، وإذا ما رفعت الزوجة المتضررة دعوى تطليق يقدم الوثيقة للقاضي. وقالت أسماء عبدالعظيم، استشارية في العلاقات الأسرية، إن لجوء الزوجة إلى القضاء لغرض الطلاق يتطلب أن تكون مستقلة القرار حيث يرتقي الأمر إلى مرتبة المعضلة لمدى صعوبته في مجتمع شرقي. وبينت أنه لا بديل عن فرض عقوبات على الزوج الذي يتصرف بهذا السلوك لأنه يؤسس أسرة ثانية على حساب الأولى، والأمر لا يتعلق فقط بأنه خدع شريكة حياته. وأوضحت عبدالعظيم لـ”العرب” أنه مهما حكم القاضي بوجود حقوق مادية للزوجة فإن الأبناء ليس لهم ذنب في أن يعيشوا حياة أسرية مضطربة خالية من التماسك والمودة والأبوة الحقيقية. وأكدت أنه لا يصح إنسانيا أن يكون الزواج الثاني أداة للانتقام من الزوجة الأولى، مشددة على أن هذا الأمر يتطلب وضع تشريع قانوني صارم يحد من هذه السلوكيات ويمنع أن تكون الزوجة أسيرة لقرار عائلتها في تحديد مصير حياتها. وما زالت تتعالى الأصوات المنادية بحتمية البحث عن طرق بديلة للجوء الزوجة إلى القاضي لطلب الطلاق مثل وضع شرط في وثيقة الزواج يجبر الرجل على تقديم ما يثبت موافقة زوجته الأولى على زواجه الثاني ومعاقبة المأذون إذا تجاهل ذلك، ليصبح علم الزوجة أمرا واقعا لا يستطيع الرجل التنصل منه وإلا تعرض للمساءلة القانونية بتهمة التزوير ما يحجّم التعددية التي تتحصن بالشرع.
مشاركة :