تعدد الزوجات موضوع مثير للجدل بين المسلمين أنفسهم. إنه جائز، ولكن وفقا لشروط. هذا هو الحد – القاعدة. وأول الشروط هو العدل، ومن ثم الكفاية، بكل ما تعني. والنص القرآني يجزم بعدم إمكانية العدل من الأساس، (ولن تعدلوا). وحرف الجزم ذاك، شديد القوة، شديد الوضوح، لمن يقتفي أثر المعنى، لا أثر التفسيرات والاجتهادات، التي يمكن لبعضها أن يذهب إلى حدود شنيعة، تختلف حولها “المذاهب”. والمذاهب هي بحد ذاتها جزء من مسار شنيع في الأساس، بما يخرج عن الإطار البياني والقيمي للنص المقدس، أو بما يزيد عليه أو ينقص منه، أو يلوي عنق التأويل فيه. فرنسا تريد أن تعمل “قصة” من هذا الموضوع، أقرب ما يكون إلى زوبعة في فنجان. القانون الفرنسي يحظر، من الأساس، تعدد الزوجات، وذلك كغيره من القوانين الأوروبية. وبرغم ذلك، فإن الوزيرة المنتدبة المكلفة بالمواطنة، مارلين شيابا، تريد سحب تصريح الإقامة من الأجانب متعددي الزوجات المقيمين في البلاد في إطار المشروع الحكومي لقانون ضد النزعة الانفصالية. النزعة الانفصالية، سلوك خطير من دون أدنى شك. وتعدد الزوجات جزء من الظاهرة. ولكن إثارة زوبعة حول قضية إشكالية بالنسبة إلى المسلمين أنفسهم، يعني أن الغاية هي الزوبعة نفسها، وليس مكافحة النزعة الانفصالية. هذه النزعة لا تُكافح في الواقع من هذا الباب أصلا. ولا يفترض أن تتحول إلى معركة تشريعات وإجراءات زجرية، إلا أذا كانت الحكومة الفرنسية تتوسّل ذرائع من أجل القيام بأعمال طرد. تقول الوزيرة “في حال تم الكشف عن تعدد الزوجات، نقترح سحب تصريح الإقامة من الشخص المعني، حتى يسوي وضعه، وقد نضطر إلى طرده”. ويجدر بالوزيرة أن تجيب على السؤال التالي: ما رأي القانون في رجل لديه زوجة واحدة، وثلاث عشيقات؟ لا يوجد تشريع فرنسي يمنع تعدد العشيقات. ولو أن “مسلما” فعلها، فإن القانون الذي تقترحه الوزيرة لن يطاله بكل تأكيد، لأن كثرة العشيقات، وممارسة الجنس مع خمسين امرأة، بل الدعارة نفسها، شيء مشروع أيضا. هذا هو أحد أبرز عيوب النفاق في السجال الغربي حول قواعد الزواج في الشريعة الإسلامية. إدانة تعدد الزوجات، تبدو قضية لا علاقة لها بما يمارسه رجل ما مع مجموعة نساء. ولكن له علاقة شديدة الصلة بمحاولات التشويه المتعمدة ضد الإسلام كدين، وكمشروع حضاري أو ثقافي. على أي حال، فلو توفرت شروط العدل والكفاية، فإن رجلا وأربع زوجات، لا بد وأن يكون في وضع حقوقي أكثر تعقيدا، من رجل وأربع عشيقات. لأنه سيكون ملزما بأداء سلسلة من الواجبات في الحالة الأولى، بينما يكون حرا إلى حد بعيد في الحالة الثانية. ولو حدث وأن انتهت العلاقة الزوجية إلى وجود أطفال، فإن الواجبات المترتبة عليه تتضاعف. بينما نمط العلاقات الآخر، نادرا ما يعني شيئا على أرض الواقع. تعدد الزوجات، في إطاره التشريعي الصحيح، يقصد حماية حقوق المرأة وتأطيرها في عقود ذات طبيعة قانونية ملزمة. بينما تعدد العشيقات لا يحمي أحدا من أي شيء، بما في ذلك تداول الأوبئة. دعاة "التحرر" الذين يدينون الإسلام من زاوية القيود التي يفرضها ضد "تسليع" المرأة إنما يقفون على أرض رخوة للغاية ويعجزون في النهاية عن الصمود أمام أي سجال ثقافي متزن هذا هو الفرق بين “تعدد الزوجات” الذي يجيزه التشريع الإسلامي، وبين “تعدد العشيقات” الذي تجيزه التشريعات الغربية أو تغض البصر عنه. بعض أسباب تعدد الزوجات جدير بالاعتبار حقا. فالزواج من امرأة أخرى، إذا ظهر أن الأولى عاقر، خير من تطليقها. الأمر هنا يتوقف على الاختيار الحر بين الطرفين في معظم الأحوال. وبالمقدار نفسه، فإنه يجيز للمرأة أن تطلب الطلاق، دون سجال، إذا ظهر أن زوجها عاقر. الكل يعرف، على أيّ حال، أن النفاق هو جزء من المعركة الحضارية ضدّ الإسلام. ولكنه نفاق في النهاية. وعلاته غالبا ما تنتهي إلى فضيحة أخلاقية أكثر سوءا. الإسلام يُحرّم الدعارة. ولهذا التحريم أسباب جديرة بالاعتبار أيضا. جانب بسيط منها يقصد حماية صحة الرجل، ولكن كل جوانبها الأخرى، تقصد حماية المرأة من أن تكون سلعة جنس. دعاة “التحرر” الذين يدينون الإسلام من زاوية القيود التي يفرضها ضدّ “تسليع” المرأة، والتبرج جزء من “التسليع”، إنما يقفون على أرض رخوة للغاية. ويعجزون في النهاية عن الصمود أمام أيّ سجال ثقافي متزن. خير للرجل، أن يكتفي بزوجة واحدة. ولكن خير للمرأة أن تكون زوجة ثانية من أن تكون سلعة. هذا هو المعيار الأساسي للتشريع في الإسلام، على وجه الدقة والحصر. وتكاد الثقافة الغربية تقول الشيء المضاد. نساء غربيات كثيرات، عندما يدركن المغزى، يُقبلن على الإسلام، ويتقيدن به أكثر من النساء اللواتي ولدن مسلمات في الكثير من الأحيان. السبب يتعلق بعمق الإدراك، أو بصدمته بالأحرى. المسلمة لا تبدأ مع دينها بصدمة، لأنها غالبا ما تأخذه على أنه تحصيل حاصل. ما يهمّ في التنازع حول “الانفصالية الإسلامية” هو أن يصدر عن ثقافة قادرة على خوض الحوار، بل وقبل ذلك، قادرة على فهم الآخر وعلى استيعابه، وعلى إدراك المقاصد الأخلاقية للحجة والحجة المضادة. ولو أمكن لهذه المقاصد أن تقف على أرض وسط؛ أرض فهم مشترك، وقبول عقلاني، فإن المعركة ضدّ التطرف سوف يمكن الفوز بها، أسهل وأسرع. فرنسا جديرة تماما، بأن تتصدر هذا الجهد، وأن تحوّله إلى عمل ثقافي منفتح، شجاع، ومرح. وأن تكون غايته الدمج، لا الطرد. الاستيعاب، لا النبذ. الفهم المشترك، لا الإقصاء. تعدد الزوجات، لن يكون حينها، موضوعا من الأساس. يمكن لفرنسا أن تحافظ على قوانينها. كما يمكن لها أن تدعو المسلمين أن يحافظوا على معاييرهم عندما تتفق مع نفسها بالفعل.
مشاركة :