محمد العريان * اتجهت بوصلة التوقعات نحو التفكير في تراجع الناتج المحلي الإجمالي لهذا العام إلى 5 % بدلاً من 8 %، مع احتمال تعويض كامل الخسارة في الناتج خلال عام 2021 قبل بضعة أسابيع، كانت صورة التوقعات المتعلقة بأداء الاقتصاد الأمريكي على النحو التالي، ربع ثان سيئ للغاية يليه انتعاش في الربع الثالث ما يبشر بارتداد سريع وحاد. لكن مع تجدد المخاوف من ظروف صحية تجبر عدداً متزايداً من الولايات على إيقاف عمليات إعادة فتحها، ومع انسحاب بعض الشركات والأسر من عمليات إعادة الارتباط الاقتصادي النشطة، تتشكل سحابة من الكآبة حول الربع الثالث، ما يهدد عمق واتساع آفاق الانتعاش الاقتصادي. مع بدء المرحلة الأولى من عمليات إعادة الافتتاح على ما يبدو، ومع تطبيق تدابير الإغاثة الحكومية بكامل قوتها، بدأت مؤشرات التحسن في معدلات الرفاهية الاقتصادية (مؤشرات ثقة الأسرة والوظائف الجديدة ومبيعات التجزئة) في الظهور في مايو/أيار، أضيف إليها انخفاض بسيط في عدد المطالبين بإعانات البطالة. كانت هذه التحسينات المطلقة والنسبية مقدمات قوية لمجموعة من البيانات الاقتصادية للربع الثاني ككل، بما في ذلك تغيير اتجاه أكبر انكماش في الناتج المحلي الإجمالي. ولكن مع استمرار الارتفاع في البيانات الاقتصادية التي تجاوزت توقعات الإجماع بشكل متكرر، اتجهت بوصلة التوقعات نحو التفكير في تراجع الناتج المحلي الإجمالي لهذا العام إلى 5% بدلاً من 8%، مع احتمال تعويض كامل الخسارة في الناتج خلال عام 2021. ولكن منذ ذلك الحين، تضاءلت الثقة في تحسين البيانات، بعد ظهور مؤشرات على ارتفاع المعدل الوسطي للعدوى فوق واحد في المئة مرة أخرى في أغلب الولايات. على الرغم من أن أعداد نزلاء المستشفيات والوفيات لم ترتفع بنفس معدل الزيادة الحادة في الإصابات بسبب انخفاض متوسط عمر المصابين حديثاً، إلا أن الثقة في إمكانية استمرار ذلك باتت أضعف نظراًَ للمخاطر الملموسة في فئة الشباب، خاصة أولئك الذين لا تبدو عليهم أعراض الوباء. ونتج القلق عن أن هذه المجموعة أظهرت القليل من الميل لتعديل سلوكها حتى الآن. وجاء رد فعل صانعي القرار، بإيقاف أو تأجيل عمليات إعادة فتح الاقتصاد في حوالي 40 ولاية، لكن العديد من خبراء الصحة ينظرون إلى الاستجابة التراكمية من قبل المسؤولين المحليين والفيدراليين على أنها مترددة للغاية. وتماشياً مع هذه التطورات، فإن المؤشرات الأكثر دلالة على النشاط الاقتصادي للأسرة، مثل التنقل وحجوزات المطاعم، قد هبطت إلى القاع أو بدأت في التراجع في عدد متزايد من الولايات. وقررت بعض الشركات، مثل «أبل»، إعادة إغلاق المتاجر في أماكن معينة. وقد تسارعت هذه العملية في الأيام الأخيرة حيث أغلقت بعض الولايات والمدن المقاهي وحظرت تناول الطعام في المطاعم. وعلى مدى الأسابيع القليلة المقبلة، سيقود هذا الوضع المستجد الاقتصاديين ومحللي وول ستريت إلى مراجعة توقعات النمو للربع الثالث ودفع عملية الانتعاش. وكلا المجموعتين ستكون أقل اتساقاً مع انتعاش حاد ودائم على شكل حرف V، ومن المرجح أن تتماشى رؤية كل منهما مع توصيفي السابق للانتعاش على شكل الجذر التربيعي. و مع دنو بعض تدابير الإغاثة من نهايتها قريباً، بما في ذلك برنامج حماية الرواتب والامتيازات الإضافية للبطالة، فإن الاقتصاد الأمريكي سيتعرض لخطر أكبر تصبح معه المشاكل قصيرة المدى جزءاً لا يتجزأ من الهيكل الكلي. وسيشمل ذلك عدداً أكبر بكثير من حالات إفلاس الشركات ومخاطر أكبر للبطالة طويلة الأجل التي يواجه فيها العمال الموقوفون عن العمل مؤقتاً، خطر البطالة الدائمة. وفي غياب أي تغيير في السياسة والسلوك، من المرجح أن يكون التأثير العام لهذه التدابير هو انكماش إجمالي الناتج المحلي لعام 2020 في نطاق 8% إلى 12%، بافتراض عدم وجود جولة ثانية من العدوى في ولايات مثل نيويورك. علاوة على ذلك، لن يكتمل استرداد الناتج المفقود في عام 2021. وسيزداد عدم اليقين المحيط بهذه التوقعات بشكل ملحوظ، عندما تبدأ المخاطر في سلوك الاتجاه الهبوطي. وهذه النظرة المتشائمة لا بد أن تزيد من تفاقم عدم المساواة فيما يتعلق بالدخل والثروة والفرص في توقيت حرج يتسم بمزيد من التذمر والحساسية المتزايدة للمظالم الاجتماعية الطويلة الأمد. كما أنه سيقوض نوع الانتعاش العالمي المتزامن الذي يعزز فيه الطلب الخارجي التحسن في المؤشرات الاقتصادية المحلية. وهذا من شأنه أن يزيد من احتمالية فرض المزيد من السياسات الحمائية وتسريع القضاء على العولمة. والحل ليس في التراجع عن التدابير الصحية التي تهدف إلى استعادة السيطرة على تسارع مقلق للعدوى. وقد يكون الحل في ضمان تغييرات في السلوك والسياسة التي تسمح بإعادة افتتاح اقتصادي صحية ومستدامة خلال هذه الفترة الصعبة من التعايش مع كوفيد-19. ويتمثل أحد المكوّنات الضرورية للاستجابة في الجمع بين تدابير الإغاثة والتركيز الأشد على خطوات الحد من خطر العدوى والتعامل بشكل أفضل مع المرضى، وكذلك مواجهة عالم ما بعد الفيروس ذي الإنتاجية المنخفضة وانعدام الأمن المنزلي بشكل أسرع. ولكن من الضروري أيضاً مشاركة القطاع الخاص بفاعلية سواء من خلال التزام الأفراد والشركات الصارم بإجراءات الوقاية الصحية، أو من خلال العمل بجدية لحماية الشرائح الأكثر ضعفاً من السكان. * كبير الاستشاريين في أليانز
مشاركة :